لا يحمل غلاف مجلة (أمكنة) المصرية كالعادة سوى اسمها فقط مع ايضاح
من ثلاث كلمات بخط صغير لا يكاد يرى ولكنه كاف للتعريف بتوجهات المجلة
وهو أنها "تعنى بثقافة المكان".
وحققت المجلة التي صدر عددها السادس في الاونة الاخيرة ويحررها
ثلاثة مثقفين مصريين هم علاء خالد ومهاب نصر وسلوى رشاد حضورا ثقافيا
بارزا عبر اختيارها عنصرا محددا هو المكان الذي يختزن ثقافة وتاريخا
وملامح خاصة تختلف من مدينة لاخرى ومن شارع لاخر.
وتوزع العدد الجديد من (أمكنة) عبر 354 صفحة من القطع المتوسط بين
عدة محاور حول الطرق المنسية في الصحراء وبعض الشوارع بمدينتي القاهرة
والاسكندرية وغيرهما من مدن جنوب مصر. اضافة الى رؤية لمدينة نيويورك
للفيلسوف الفرنسي جان بودريار الذي أطلق في مطلع التسعينيات مقولته
الشهيرة وهي أن حرب الخليج الثانية لم تقع بل شاهد الناس منها نسخة
تلفزيونية.
وفي رأي بودريار أن في نيويورك "تنوعا مفزعا للوجوه... ثمة عزلة.
فالرجل الذي يأكل وحيد على رؤوس الاشهاد أتعس من البؤس. أتعس من
المتسول. وليس ثمة ما هو أشد تناقضا مع قوانين البشر أو الوحوش اذ تمنح
الوحوش بعضها دوما شرف اقتسام أو انتزاع الطعام ومن يأكل وحده ميت."
وتساءل بودريار في الدراسة التي ترجمها المصري أحمد حسان "لماذا
يحيا الناس في نيويورك؟ ليس فيما بينهم أية رابطة سوى كهرباء داخلية
تنشأ عن مجرد اختلاطهم المشوش. احساس سحري بالتجاوز والانجذاب الى
مركزية مصطنعة. هذا ما يجعل منها كونا ذاتي الجاذبية ما من سبب
لمغادرته وما من سبب انساني للتواجد هناك سوى مجرد نشوة الاختلاط
المشوش."
وأضاف في رؤيته التي كتبها قبل هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على
نيويورك أن المدينة لا يستطيع البقاء فيها سوى القبائل أو العصابات أو
عائلات المافيا أو الجمعيات السرية أو الشاذة "انها سفينة نوح النقيضة.
في سفينة نوح كانت الحيوانات تصعد الى متنها أزواجا لانقاذ الانواع من
الفيضان (الطوفان). وهنا في هذه السفينة الخرافية يصعد كل واحد الى
متنها بمفرده وعليه أن يعثر كل مساء على اخر الناجين من أجل الحفلة
الاخيرة."
وفي أنسنة بودريار للمباني والامكنة أشار الى أنه في نيويورك توجد
معجزة مزدوجة فكل مبنى ضخم يسيطر على المدينة أو سبق له السيطرة عليها
كما أن كل مجموعة عرقية تسيطر على المدينة أو سيطرت عليها ذات حين.
وشدد على أن الاوروبيين يملكون ما أطلق عليه فن التفكير في الاشياء
وتحليلها وتأملها في حين توجد في المدن الامريكية الكبرى "غرابة
الاطوار الاجتماعية والعرقية والاخلاقية والمعمارية لهذا المجتمع وليس
باستطاعة أحد أن يحلله خصوصا المثقفون الامريكيون المحبوسون في
جامعاتهم المعزولون بصورة درامية عن هذه المثيولوجيا المتعينة العجيبة
التي تتطور في كل مكان حولهم. انه عالم متعفن تماما بفعل الثروة والقوة
والشيخوخة واللا مبالاة."
وفي افتتاحية المجلة أشار الشاعر المصري علاء خالد الى أنه في
الازمنة القديمة قبل نشأة الحدود الجغرافية كان العالم أو المناطق
المأهولة منه ترتبط معا وتتواصل انسانيا وتجاريا وثقافيا عبر مسارات.
وأضاف أن المجلة تهدف الى البحث عن الخطوط والمسارات الانسانية
المشتركة وعن الاثار التي جعلت الشوارع والطرق "في لحظة تاريخية أداة
للتغيير وكتابا مفتوحا على المستقبل (حيث كانت) المعرفة تتكثف ويتصاعد
بخارها في تلك الخطوط الطولية أو العرضية. ومع نشأة الحدود والنزاعات
تحولت المسارات الى مسارات زمنية وتنتقل الثقافة عبر وسائط ورموز."
وفي مقاله عن قناة السويس استعرض وليم ابراهيم تاريخ تأسيس الشركة
العالمية لقناة السويس في نهاية عام 1858 حتى تأميمها عام 1956 كما قدم
تفاصيل ومعلومات عن تكاليف الحفر والافتتاح عام 1869 بعد استخراج 74
مليون متر مكعب من الرمال فضلا عن عدد الاسهم وعدد العمال المصريين بها
حيث قضت الظروف المناخية القاسية "على أكثر من 120 ألف عامل طوت رمال
الصحراء عظامهم على طول القناة" بسبب حرارة شديدة صيفا وبرودة قارسة
شتاء في أرض عراء يندر فيها الماء اضافة الى سوء التغذية.
وأشار الى الدولة الفرعونية الوسطى شهدت بداية التفكير في انشاء
قناة تربط بين البحرين الاحمر والمتوسط وتم ذلك في عهد سنوسرت الثالث (حوالي
1878 - 1843 قبل الميلاد) الذي أطلق عليها (قناة سيزوستريس) التي كانت
تربط البحرين بطرق غير مباشرة بواسطة فروع لنهر النيل الى أن ردمت عام
767 ميلادية.
المصدر: رويترز |