هل انتصر دعاة الانتخابات في العراق على خصومهم من دعاة الرفض
والتأجيل؟ هل يقبل أولئك الذين لم يحتكموا إلى صناديق الاقتراع
بالنتيجة التي أفرزتها تلك الصناديق؟ ماذا لو رفضوها؟ هل آن الأوان لان
تحكم في العراق حكومة صناديق الاقتراع، أم ماذا؟
ربما يكون النضال من اجل ترسيخ قيم الديمقراطية والتداول السلمي
للسلطة، والمشاركة في صنع القرار السياسي، وتكوين أسس المجتمع المدني،
وتحكيم رأي الأكثرية، في بلد مثل العراق ظل يرزح تحت حكم الاقلية وفكر
الحزب الواحد، يستدعي الكثير من الجهود، والمزيد العناء والبذل، فليس
ثمة شك أن الامتيازات السلطوية والاقتصادية والاجتماعية التي حازتها
طبقة المنتفعين في زمن النظام هي اشياء قد تستحق في نظر من فقدها
الحرب"النضال" حتى اللحظة الاخيرة.
وربما الهرولة باتجاه حكومة وطنية تحكمها التعددية السياسية على
قاعدة الاشتراك في إدارة مرافق الدولة الديمقراطية، يتطلب المزيد من
المرونة في التعامل مع الأطراف السياسية أو" الإرهابية" كي تستقيم
الأوضاع الأمنية لمصلحة القائمين على رعاية شؤون العراق السياسية،
كحافز يشجع في الذات إرادة البناء السياسي والاجتماعي على أفضل القيم
والممارسات التي عرفتها النظم الغربية في تعاملها السياسي.
ولكن كل المؤشرات تشير إلى أن حكومة صناديق الاقتراع، رغم كل تلك
الصعوبات التي تواجه دعاة البناء الجديد، تمتلك أدوات القدرة على مواجه
التحديات وفق الأسلوب الإنساني المتطور الهادف إلى بناء إنسان عراقي،
لا خيار لديه إلا الدخول في اللعبة الديمقراطية، لأنها الدائرة التي
تمتلك قوة الشرع والقانون.
هناك مشكلتان رئيسيتان، هما موجودتان في العراق وغيره من الدول، إلا
أن الفرق هو أن القومية والطائفية في العراق، قفزتا إلى السلطة في
النظام الجديد، كنوع من "التعويض" و"رد الأمانة" للشيعة والكرد، وهما
الفئتان الأساسيتان اللتان اقتسمتا النصيب الأكبر من الاستبعاد
والاستبداد في سياسة حكومات ديكتاتورية.
نحن لا نستطيع، كما لا يستطيع غيرنا أن يتجاهل مدى الخسارة التي
تكبدها أهل الشمال وأهل الجنوب في العراق، فهما في النظام العراقي
الجديد، البديل الطبيعي، والمستحق الحقيقي للسلطة، ولكن لكي يتقدم
البناء الديمقراطي في العراق، تقدما مطردا، يلزم البحث عن صيغة إيجابية
تضمن حقوق جميع الأفراد في مستقبل العراق الديمقراطي، يحكمه نظام
الأكثرية، واحترام الأقلية، ولا نعتقد أن نظرية " المحاصصة" و"المصالحة"
المنبثقة عن مشكلة القومية والطائفة، هي الحل الواقعي لبلد يريد أبنائه
يحققوا التعايش والامن والاستقرار، وأن يكونوا نموذجا للديمقراطية في
الشرق الأوسط.
لا نريد أن تتحول الممارسات القومية والطائفية في تقسيم السلطة على
الثلاثي، العرب الشيعة، والعرب السنة، والكرد، إلى عرف سياسي دائم يحكم
العلاقات الاجتماعية للشارع العراقي، لان هذا العرف يظل مصدر قلق دائم
يهدد العملية الديمقراطية، ويبذر بذور الاختلاف بين مكونات المجتمع
العراقي.
ولكن ما هو الحل لمشكلة العراق؟
نعتقد أن دولة تبحث عن الديمقراطية، هي بحاجة إلى حل ديمقراطي،
والحل الديمقراطي يبدأ أولا من وحدة الخطاب السياسي، الذي يتوافق مع
مرحلة التساوي في الحقوق والواجبات لشرائح المجتمع العراقي كافة، على
أساس إنساني ووطني محض، وثانيا إتاحة الفرصة لكل من يجد بنفسه القدرة
على التمثيل والخدمة بغض النظر عن هويته الدينية أو المذهبية أو
القومية، وثالثا تحكيم الأكثرية البرلمانية التي نالت غالبية أصوات
الناخبين، لأنها هي الجهة التي يحق لها دون غيرها اتخاذ القرارات
بطريقة شرعية بمقدار حق التخويل. ويظل التوافق السياسي قائما ومشروعا،
ولكن من داخل صناديق الاقتراع لا من خارجها، لان التعامل من خارج
صناديق الاقتراع والالتفاف حولها وعد اخذ نتائج الانتخابات بعين
الاعتبار يعني ضربة قاصمة للانتخابات وبالتالي فشل ذريع للديمقراطية
وعودة حتمية للاستبداد.
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
www.Shrsc.com |