كان وما زال العراق مهد الحضارات، توالت عليه المئات من الحقب
والملوك والزعماء ومعها الكوارث السياسية، واخرها فترة العقود الاخيرة
القاتمة، وحينما يسجل العراقيون اليوم البداية الجديدة لعصر لم يألفه
عبر عشرات القرون، انما يعني انها البداية الصحيحة لنهاية عصور الكوارث
حيث تجرأ الناس في مواجهة دموية وتحدي واضح للعنف وخرجوا من الكارثة مع
قوة واضحة في المناعة النفسية في المشاركة باعظم انجاز يمر به العراق
اليوم .. فالانتخابات ومهما كانت نتائجها هي بداية الطريق لبناء اسس
جديدة في العراق الذي لا يتفرد احد في ادارته مستقبلا، فالكل سيقول
كلمته مهما كانت النتائج ..
ان ردود الفعل الهستيرية التي تنطلق هنا داخل العراق وهناك خارج
العراق تستشعر كالطير بالزلزال قبل وقوعه، وتعلن هيجانه قبل ان يحدث،
ولكن لا رد للقضاء حينما يحين مهما امتلك الانسان من تكنولوجيا واسلحة
واجهزة .. فالطريق الاطول في البناء بدأ مع قدوم الزلزال .. هذا
الزلزال هو مسألة الديمقراطية في حق الترشيح وحرية التصويت وحرية ابداء
الرأي، وليعلم الجميع ان حق ابداء الرأي هو حق مكتسب لكل انسان على
الكرة الارضية وفي العراق الجديد بشكل خاص، فابداء الرأي في اي قضية
يحكمها بالدرجة الاولى امتلاك ملامح النظام الجديد الذي سيكون هو في
الاساس مختلف تماما عما آلفه الناس في جميع دول المنطقة ..
ولا يظن القارئ الكريم ان الوضع الجديد في العراق يلزم او يخضع
المواطن نفسه للتجريب امام جهة ما حكومية او غير حكومية ليقول نعم او
لا، او حينما يمنح صوته لاية جهة قامت بترشيح نفسها، هذا الحال لم
يألفه من سبقنا في دول الشرق الاوسط .
ان العراقيين باقدامهم الواسع الذي تجاوز ال 60% في المشاركة في حق
ابداء الرأي، انما يزيلون البقع العمياء من ابصار الاخرين من شعوب
المنطقة باسرها ويجعلون اذانهم تسترق السمع من هذا البناء الاطول لبناء
اول تجربة جديدة في العالم الثالث ..
ان معرفة الحق في ما يجري بعراق اليوم هو ضياء ساطع للعراقيين
ومجهلة للبعض من الناس الذين يعيشون في دول الجوار، فالنسيان المتعمد
لما يجري في العراق من تجربة، هو نسيان طارئ لا يحتاج اٍلا الى شئ من
الصبر ليتبين لهم جميعا صدق القضية في التغيير والتبدل والبداية في
البناء الاطول لعراق مختلف عما هو مألوف في المنطقة عموماً .. ان
العديد من العراقيين داخل العراق او خارجه او شعوب الدول المجاورة
يكونوا في اعماقهم كارهين، فاذا هم من حيث لا
يدرون يكونوا محبين بعد فترة ليست بالطويلة، ولو تسائلنا كيف سيحدث
ذلك، لوجدنا ان حصيلة وقائع الايام التي ستبرهن مستقبلا ان يمسُوا في
اعماقهم محبين اكثر منه كارهين، وانهم سيتحولوا الى اليقين التام
بمقاييس الصدق والثبات والحقيقة الواقعية لما سيحصل من تحولات نوعية في
العراق وكأنها صنو النماذج المتحضرة في المقاييس في عالم التحضر الغربي،
وستكون الانطلاقة من هذه البداية في الانتخابات العراقية .
تعد تجربة العراق في حق ابداء الرأي بكل حرية ودون ضغوط او تلفت
لارضاء السلطة او ممن يريد هي بمثابة رد على الوضع السائد في كل
المنطقة اثناء اجراء الانتخابات، لذا جاءت الانتخابات العراقية بمزايا
فريدة لا غنى لمن يريد ان يتعلم منها، مواطنا كان ام مسؤلا او نظاماً،
لذا فهي افردت في تجربتها خبرة جديدة غير مألوفة تضاهي صوغ تجارب
الاخرين منذ عشرات السنين في العالم المتحضر، وتجربة العراق هي بالفعل
معركة ثمنها سيكون الطمانينة والسلام لكل الشعب العراقي اولاً، واكثر
اغتراباً للمحيطين بالعراق ثانياً . |