شَكل يوم 30 كانون الثاني 2005 م منعطفاً استراتيجياً مهماً في
تاريخ العراق ومستقبله ، لأول مرة يسهم العراقيون وبحرية مطلقة ورغم
المخاوف الحقيقية في صياغة مستقبل بلادهم السياسي والحضاري ، حين توجه
الأعم الأغلب منهم إلى المراكز الانتخابية في مناطق سكناهم في محافظات
العراق الشمالية والجنوبية الوسطى ، وهم يعلمون أن هذا التصويت قد
يكلفهم غالياً فلم تخيفهم تلك الأصوات الإرهابية المتعطشة لدمائهم
والتي هددت بسفك دم كل ناخب عراقي يدلي بصوته .
أسفر هذا اليوم التاريخي عن انتصار لإرادة العراقيين على جميع قوى
الظلام والتي تبغي الهيمنة على الأمة وتهدف إلى بلورة وتحقيق تطلعاتها
حصراً في بلدٍ عانى ما عاناهُ من ظلم واستبداد وقمع على أيدي أمثالهم
في أيامه الماضية العصيبة .
وهكذا كانت ثمرة هذا الانتصار فوزاً للعراق أولاً وآخراً ، فالقوائم
الانتخابية الفائزة وعلى رأسها قائمة الائتلاف العراقي الموحد تقف
اليوم أمام تحد كبير لتحقيق آمال العراقيين الذين لم يبخلوا بدمائهم في
سبيل أن يصلوا ممثلوهم إلى مقاعد البرلمان من أجل صياغة دستورٍ يضمن
حقوق الجميع ويثبت الحرية ويمنع حدوث أخطاء الأمس .
إنَّ التحدي الحقيقي للفائزين في هذه الانتخابات يتركز في تأسيسهم
للخطوط العامة للدولة العراقية الجديدة التي تضع مصلحة المواطن والبلد
أمام كل المصالح الفئوية والشخصية والأنانية والتي تهيمن على السياسة
في عالمنا اليوم .
ولا ننسى إن على الفائزين السعي الحثيث لإشراك جميع القوى والتوجهات
العراقية ألأصيلة ، حتى التي تتخذ ايديولوجيات تتقاطع مع توجهات
الفائزين في هذه المرحلة الحرجة، فان إقصاء وتهميش والغاء أي فئة لن
يسفر إلا عن مستقبل أحمر لا سلطة للعقل في تسييره وإدارته .
نعم نحن لا نقصد تلك الفئات التي تتقاطع مع الحكومة الجديدة
المنتخبة أولئك الإرهابيين الذين لا يرون إلا قطع الرؤوس وسفك الدماء
وظلم العباد مبررين ذلك تحت عناوين براقة والتي أعطت للمحتل مسوغاً
لبقاءه إلى هذه الفترة ، بل نقصد القوى التي لها رأي آخر قد يختلف مع
الحكومة المنتخبة فعليها احترامه وإعطاءه حقه . فنحن نريد عراقاً يحترم
الآخر ما دام العقل سيداً للموقف .
وفي نفس الوقت فان على الأخوة الذين كانت آراؤهم وتوجهاتهم قد قررت
عدم الاشتراك في الانتخابات توضيح أسبابهم التي يرونها مقنعة حتى لا
يستغل ذلك من قبل البعض كالإرهابيين في خلق مناخ مناسب لإضلال البعض ،
بل نطالب تلك الجهات بإصدار فتاوى وبيانات بشأن قوى الإرهاب المستورد
إلينا والتي صبغت آفاق العراق بالسواد ، حتى صار البعض يتنبأ بحرب
أهلية وطائفية ويعلن البعض الأخر أن التقسيم هو ما تسير إليه عجلة
العراق السياسية .
وأخيراً نجدد للعراقيين ونبارك لهم فوزهم الكبير وسيرهم السليم في
بناء عراقهم ، عراق الحرية والأمن والاستقلال .
*مدير المركز الثقافي في الزبير |