شكّل الحادي عشر من سبتمبر – ايلول العام 2001 منعطفا كبيرا في نظرة
الاحزاب والقيادات الغربية الى الاسلام والمسلمين، ونبّه الامم
الاميركية والاوروبية الى الجاليات المسلمة التي تعيش بين ظهرانيها
والى بني جنسهم ممن تبصّر بالاسلام، ما جعل الحكومات الغربية تولي
اهمية متزايدة الى الجالية المسلمة اكثر من غيرها، وصارت المؤسسات
العلمية والبحثية تتنافس على رصد الظاهرة الاسلامية في الغرب.
وفي بريطانيا حيث تعيش جاليات مسلمة تفوق المليونين وتشكل 4 بالمئة
من مجموع السكان ونحو 8,5 بالمئة من مجموع سكان العاصمة لندن حسب
احصائية مكتب عمدة لندن المنشورة مطلع العام الماضي 2004، فان تفجير
برجي التجارة العالمي في نيويورك، وزّع الاهتمامات ما بين السلبي منها
والايجابي، وفي الدائرة الايجابية، وعلى سبيل المثال، فان الحكومة
البريطانية ولأول مرة أولت رعاية مشهودة بقوافل الحجاج المنطلقة من
بريطانيا والتي تضم نحو عشرين الف حاج كل عام، وقامت وزارة الخارجية في
حج العام 2002 بعقد وفد رسمي وطبي رافق رحلة الحجاج الى الديار المقدسة،
وكان وزير الخارجية جاك سترو على رأس المودعين في المركز الاسلامي في
حي رجينت بارك، وتبع ذلك رسالة تهنئة من قبل رئيس الوزراء البريطاني
توني بلير بحلول عيد الاضحى المبارك.
ومنذ ذلك الوقت اصبح توديع الحجاج من قبل الخارجية البريطانية وخطاب
رئيس رئيس الوزراء بعيد الاضحى، يدخل ضمن اجندة الحكومة البريطانية في
تعاطيها مع شؤون الأقليات الدينية والأثنية.
وكانت مثل هذه الالتفاتة من قبل الحكومة البريطانية قد تلقتها
الزعامات الدينية والسياسية للجاليات المسلمة وللمواطنين من اصل
بريطاني، بروح ايجابية، وفهمت الخطوة على انها نقلة نوعية في تعامل
الاحزاب البريطانية والجهات الرسمية مع المسلمين، هذا فضلا عن الخطاب
السنوي للحكومة البريطانية بعيد الفطر المبارك الذي بدأ منذ سبعة اعوام
والاحتفال به سنويا في مجلس العموم البريطاني، وكان احتفال هذا العام
الذي جرى في 22/11/2004، قد استغلها توني بلير لمخاطبة المسلمين في
قضيتهم المركزية فلسطين داعيا الى: "مضاعفة الجهود لضمان تحريك عملية
السلام في الشرق الاوسط والوصول الى تسوية بين الاسرائيليين
والفلسطينيين، وهذا امر شديد الاهمية للسلام في العالم" وتعهد بلير
امام قيادات وكوادر الجاليات المسلمة في بريطانيا بحل القضية
الفلسطينية بقوله: "اعطيكم عهدا بأني سأبذل كل ما في وسعي لجعل مثل هذا
الامر يتحقق".
وصارت مثل هذه المناسبات مدعاة لفتح شهية الاحزاب البريطانية داخل
السلطة وخارجها لخطب ود المسلمين وامتداداتهم في البلدان العربية
والاسلامية، لضمان اصواتهم في الانتخابات ولاسيما القادمة منها، وهذا
ما حمل حزب المحافظين ولاول مرة في تاريخ بريطانيا السياسي على مخاطبة
المسلمين باشخاصهم فردا فردا عبر بطاقات تهنئة بعثها عدد من النواب الى
منازل المسلمين في مناطقهم الانتخابية، بمناسبة حلول عيد الاضحى
المبارك.
وعلى سبيل المثال بعث المرشح البرلماني عن حزب المحافظين في مقاطعة
هارو شمال غرب لندن المكتظة بعشرات الالاف من المسلمين، مايك فرير،
بطاقة تهنئة بمناسبة عيد الاضحى وفيها صورة جميلة للازهر الشريف تحتها
شعار الشعلة النارية رمز حزب المحافظين الانتخابي، مع رسالة خاصة قال
فيها: "اود ان ابعث اليكم أحر الامنيات بمناسبة عيد الاضحى. اعرف ان
العيد هو فترة لتوثيق الروابط الاجتماعية والارادات الطيبة، ووقت العفو
واصلاح ذات البين. هو زمن العطاء والمشاركة، ومناسبة طيبة تنعكس
ايجابيا على تصرفاتنا لمساعدة الناس الذي يملكون حظوظا اقل منا. وهو
ايضا زمن البهجة الكبيرة لاولادنا وجالياتنا وعوائلنا التي تجتمع
للاحتفال".
واضاف النائب: "في هذا الوقت لابد من التذكير بان ما يوحدنا هو اكثر
من ما يفرقنا. لقد ساهمت التجمعات المسلمة وبشكل كبير في دعم المجتمع
البريطاني، واعتقد ان مقاطعة هارو قوية بما فيه الكفاية بسبب غنائها
بالثقافات المتعددة".
وتوجه خطاب مرشح حزب المحافظين الى القيادات المسلمة بقوله: "انا
اُكبر فيكم رعايتكم لشؤون العائلة وروحيتكم في انجاز العمل الشاق
واخلاصكم الشديد لجالياتكم، وكل هذا ذات قيمة وهو محل غبطة واعتزاز حزب
المحافظين".
ربما لم يكن حزب المحافظين قد اتى بجديد بخصوص مخاطبة المسلمين في
اعيادهم، بخاصة مسلمي لندن التي تحظى الاقليات الغير بريطانية الاصل
بنحو 59،8 من مجموع سكانها، فقد سبقه الى ذلك حزب العمال، كما ان
الاخير ضم في صفوفه عددا من النواب في مجلسي العموم واللوردات، ولكن
جديد حزب المحافظين انه ارسل بطاقات التهنئة الى كل فرد مسلم يحق له
التصويت في الانتخابات القادمة، وعلى عنوانه الشخصي، وهذه بادرة محمودة
بغض النظر عن الغرض الذي يقف وراءها، ربما يتطلب من القيادات
والمجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة او غيرها من البلدان الغربية
تلقيها بقبول حسن وان تظهر لغير المسلمين، الاسلام الحقيقي، اسلام
السلام والوفاق والمحبة، اسلام الوحدة والتوحد، اسلام الحرية والشورى
والكلمة الصادقة، لا اسلام الدم والعجلات المفخخة والاحزمة الناسفة
ونحر الناس، وذلك من خلال الممارسة الحقة لتعاليم وشعائر الاسلام،
الاسلام المحمدي الذي خاطب الانسان كإنسان واعتبره هدفا للهداية
والرشاد، ولم يحصره في جنس او بيئة او جغرافية، لان الإنسان مهما علا
شأنه او غلا وزنه فهو لآدم وآدم من تراب، وما اُرسل محمد بن عبد الله
(ص) الا رحمة للعالمين.
*الرأي الآخر للدراسات / لندن
[email protected] |