ر بما لم يخطر ببال احدنا هذا السؤال، ويجد الاجابات المختلفة
والمتنوعة ابتداءا من حق الدفاع عن النفس التي تعد في ا قصى اليمين الى
ا قصى اليسار من الطرف الآخر في المعادلة وهو فشل الشخص العنيف في
التوصل الى لغة حوار مع الآخر ليبرهن احقيته في الوجود وصحة رؤاه
وطروحاته.. ا ننا امام مآزق حقيقي نابع اساسا من داخل ا لنفس، ولكن
دوافعنا علاها ا لتشويش والصدأ والمغالطة وربما لفتها السياسة وغلفها
الدين المتطرف بالتعصب وعمى الرؤية، فكأن العنف الذي ينشده جماعة من
المسلمين فسرت الدين الاسلامي على ضوء مبدأ العنف فقط ومن يتتبع بشكل
اعمق يرى كأن عظمة الدين الاسلامي كفكر ومنهج في الحياة اختزلت برؤية
واحدة هي العنف وتحت اي مسمى كان، حتى صار العنف المقدس هو شارة ا لبدء
في التفاهم وهو المنهج الذي قام عليه الدين بأكمله، وسادت الروح
الجماعية الخاضعة للانفعال والاندفاع وسرعة التقلب وانعدام المسؤولية،
وهو فعل غالبا ما ادت اليه تصرفات غريبة في الافعال والاقوال تتميز
بنمط جديد من العنف والشراسة حتى حيال المسالمين من خلق الله وذبحهم
امام الملأ او تعنيفهم او الاستهزاء بمعتقداتهم او تشريدهم .
ان العنف الجماعي المتشدد اتخذ في ايامنا هذه صفة العنف المقدس الذي
يمارس في ميدان قدسي يوازي شعائر العبادة بحيث عد وجها من وجوهها
وممارسة لطقس من طقوسها في حالات سفك الدماء في القتال وتحويل البشرية
الى اضاحي مقدسة رغم ان كل الاديان كرمت هذا الانسان واولها الدين
الاسلامي الحنيف وبكل مذاهبه وفرقه .
هذه النوبات الهستيرية والهلوسات السمعية والبصرية التي تحيط بها
ضلالات وا وهام ادت الى تكوين غيمة سوداء على عقول التابعين لهؤلاء
الجماعات تميزت في انعدام الشعور وتبلد الانفعالات تجاه كل ما هو
انساني، حتى ان هذه الجماعة من الأمة الاسلامية تحالفت لكي تتمزق وتمزق
الامة بأجمعها، وكأن العنف والانتقام الذي يصدر منها يذكرنا بجماعات
الردة التي قرأنا عنها في تاريخنا الاسلامي، تلك الجماعات التي ارتدت
بعد وفاة الرسول محمد(ص) ضد الاسلام آنذاك واشعلت حروبا كانت ترى فيها
احقية السلطة الدينية مع السلطة القبلية، ولا ننسى حروب من حاول ان
يسرق الاسلام من اصحابه زمن اشجع العرب قاطبة وحكيمهم باعتراف القاصي
والداني، الا وهو الامام علي بن ابي طالب (ع) في تلك الحروب التي
اشعلها معاوية بن ابي سفيان ضد شرعية الخلافة الاسلامية زمن الامام
علي(ع) .
وهكذا تصبح الامة الاسلامية جماء ضحية خدعة هائلة كونها ونسج خيوطها
بعض مرضى العقل من المتشددين الاسلاميين ا نتشروا في ازمان متفرقة عبر
التاريخ القديم وفي اماكن متفرقة من العالم في تاريخنا الحديث، اي عنف
هذا الذي يشق النفس عن معتقدها وايمانها، اي وساوس تلك التي ادركها
رجال المسلمين الاوائل حتى انهم ردوها في اصولها الى الشيطان، وهم على
حق تماما، فمن يبحث في تاريخ مفهوم الوساوس القهري يجد عند من علماء
المسلمين من يرده الى الشيطان او الى الجنون فهو " يحدث بسبب نقص في
غريزة العقل او جهل بمسالك الشريعة " كما ورد في كتاب الوسواس القهري
من منظور اسلامي لمؤلفه د. وائل ابو هندي .
ان الرؤية النفسية للعنف تتأتى من وجود الدفعات العدوانية التي عبرت
عنها رؤية التحليل النفسي بأوضح تعبير وهو مثبت بشكل جلي في اطر هذه
النظرية ودراساتها الميدانية، فالرؤية النفسية تتسع لتشمل العامل
المولد لاندفاع العنف والعدوان وهو يتمثل في سيادة الاندفاع نحو الموت
وقول عالم النفس الشهير وصاحب نظرية التعلم الاجتماعي " البرت باندورا"
الذي يرفض وجود العدوان كنزوة ويصر على اهمية العمليات العقلية
المعرفية التي تتضمن كيفية التمثيل الرمزي عند بعض الافراد المتشددين
او الاحداث، وذلك لجهة المزايا المثيرة للغضب وللانفعال، وهو يوضح ان
هذه التصورات العقلية قد تتغير من خلال تزويد هؤلاء الافراد بانماط
مختلفة من المعلومات التي تدفع الى الفعل السلوكي العدواني، وبناءاً
لذلك يشير (باندورا) الى اهمية العمليات العقلية الادراكية " المعرفية"
الكامنة وراء " الاستجابة" العدوانية وسلوك العنف النابع من داخل هؤلاء
الناس وبهذا يتوصل الى طرح معنى العنف والعدوان من خلال التعلم
الاجتماعي وذلك عن طريق المحاكاة والتقليد والملاحظة، لذا نستطيع القول
ان انماط السلوك العدواني وسلوك العنف الفردي والجمعي هي انماط مكتسبة
عن طريق الملاحظة والتوجيه من قبل اخرين امتهنوا الحث وخلق الدوافع
وتقديم الحوافز لدى بعض الشباب التي صودرت عقولهم وخضعوا الى اشبه ما
نطلق عليه غسيل الادمغة .
ويظل تساؤلنا قائما لماذا يلجأ الانسان الى العنف ؟ يرى عالم النفس
الشهير " سوندي " ان لجوء الانسان الى العنف ينبع اساسا من العقدة "
القابيلية " وانطلاقا من مقتل هابيل يفترض سوندي ان الميول القابيلية (
العدوانية) هي ميول موجودة لدى الجميع وهي تتغذى بالمشاعر السلبية من
حقد وحسد وكره ورغبة بالثأر وشعور بالعجز تجاه الاخر، تدفع الى السلوك
العدواني والى العنف، اما المشاعر الايجابية المتمثلة في اللاعنف وقبول
الاخر والمسالمة وتقديم اعظم مسرات الحياة بالمشاركة الفعالة في
التسامح فهي تدفع نحو التسامي بميوله القابيلية وصولا الى تحويلها من
العدوانية نحو البناء . هذه التشابكات النفسية ليست صعبة على الانسان
المتزن الذي يتمتع بمرونة في التفكير ولديه البصيرة الواضحة في الرؤية
والقدرة على التمييز بين ما هو كائن وما سيكون من افعال لحظات الانفعال
التي تذهب العقل وتفقد السيطرة على الاندفاع وعلى النفس لحظات التوتر،
لذا من العبث لجوء البعض الى مصادرة العقل وتنحيته عن العمل ومغادرة
المحبة نحو القتل ومغادرة العاطفة الانسانية نحو السلوك الحيواني
والعدوانية .
* السويد-استاذ جامعي وباحث سيكولوجي
elemara_32@hotmail.com |