على بركة الله ورحمته وفضله وإحسانه، ستذهب جموع الملايين من شعبنا
العراقي البطل إلى صناديق الإقتراع في الأيام 28 إلى 30 كانون الثاني
المبارك ولأول مرة من تاريخ العراق لإنتخاب حكومة ديمقراطية فيدرالية
تعددية من قبل أصوات الشعب العراقي النبيل تحترم آدمية الإنسان العراقي
وحقوقه المشروعة بغض النظر عن آرائه ومعتقداته ومذاهبه وقومياته، غير
عابهة بما يحدث من جرائم إرهابية دموية، متحدية للإرهاب والحركات
الأصولية المتطرفة وفلول نظام البعث الشوفيني المخلوع .
لقد قال الشعب العراقي العزيز كلمته الشجاعة نعم نعم للإنتخابات ولا
لا للبعثيين وكل من له جذور بعثية وقومية متطرفة . وإن شعبنا العراقي
سيقوم بالتعاون مع حكومته المنتخبة القادمة بإعادة مجده ومكانته
اللائقة به بين الأمم والشعوب وبتلقين أعدائه المجرمين والإرهابيين
دروسا لن تنساه . كما أنه سيقوم بدراسة وإعادة إجراء العلاقات الودية
وحسن الجوار مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم الصديقة وفق
المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بين هذه الدول .
لا يمكن أن يعود البعثيون مرة أخرى إلى الحكم في العراق، لأن هذا
الحزب الدموي الإرهابي لم يحقق للشعب العراقي أيا من شعاراته الزائفة
البراقة وحدة وحرية واشتراكية طيلة أربعين سنة مضت كانت كل أموال
وطاقات الدولة والجيش والمياه والثروات الطبيعية تحت تصرفه، لكن هذا
الحزب الديكتاتوري الشمولي الذي لم يعترف بالأحزاب الوطنية وآراء
المفكرين والسياسيين الآخرين، بل انه استخدم سياسة الإغتيالات والخطف
والقتل والإعدامات والإبادات الجماعية وقيامه بعمليات التطهير العرقي
والطائفي البشعة مستخدما قنابل الغاز السام والنابالم وتسميم الأهوار
واستخدام الصواريخ وقذائف المدافع ضد الشعب العراقي الأعزل، وهجر مئات
الآلاف بل الملايين من الشيعة والأكراد الفيلية بعد أن صادر بيوتهم
وأملاكهم واختطف أكثر من عشرة آلاف شاب من الأكراد الفيلية لا يعرف
مصيرهم حتى هذه اللحظة . كما قام النظام البعثي المقبور بزج الشعب
العراقي في الحروب ضد الدولتين المجاورتين الجمهورية الإسلامية
الإيرانية ودولة الكويت الشقيقة التي أحرقت هذه الحروب الحرث والنسل
ودمرت إقتصاديات والبنى التحتية للعراق وإيران والكويت بالإضافة إلى
مقتل وجرح وإعاقة أكثر من مليون ونصف نسمة من البلدان الثلاثة
و بالإضافة إلى تلك الخسائر البشرية والمادية قام النظام المخلوع
بتلويث بيئة الكويت عند حرقه لأكثر من 750 بئرا وحرق مئات الآلاف من
نخيل العراق على جانبي شط العرب والقرنة وتلويت وتسميم مياه الأهوار
والجنوب، كما قام النظام البربري الوحشي لدى غزوه دولة الكويت الشقيقة
بتدمير وسرقة كافة مؤسسات دولة الكويت وحول مختبرات جامعة الكويت في
الشويخ والحولي إلى معتقلات تعذيب وقتل وتمثيل بجثث الشهداء وقطع
رؤوسهم وأجسامهم والتمثيل بها لا يمكن للإنسان الطبيعي أن يتصور تلك
المشاهد .
و بعد تحرير الكويت من الغزو الصدامي الوحشي مباشرة أقامت سفارة
دولة الكويت في بون معرضا فوتوغرافيا مصورا عن فداحة الجرائم وبشاعة
التمثيل بأجسام الشهداء الكويتيين والعرب في مختبرات الكويت، حيث شاهدت
أيضا مكائن ثقب الرأس والمنكنة التي يستعملها النجار في كبس ألواح
الخشب بعد طلائها بالصمغ ومادة لصق، رأيت صورة رهيبة بشعة لأحد رؤوس
شهداء الكويتيين، حيث كانت المنكنة مضبوطة بشدة على أذنيه وان عينيه قد
خرجتا . مناظر بشعة للتعذيب لم أتحمل رؤيتها ولم أستطع النوم بعد عودتي
إلى مدينتي لمدة أكثر من شهر . خجلت من نفسي بأن تحدث مثل هذه الجرائم
باسم العراق والعراقيين .
السؤال الذي كان يساورني على الدوام لماذا هذه الجرائم والتمثيل
بالجثث ؟
و هل يعتبر منفذي هذه الجرائم بشرا ولهم صفات إنسانية ؟
لم يكتف نظام البعث والحرس الجمهوري بما فعلوه في الكويت بل أنهم
اختطفوا أكثر من ستمائة شاب وشابة من الكويتيين والعرب، وتمت تصفيتهم
كما علمنا بعد تحرير العراق من المجرم صدام وحزبه الدموي الإرهابي .
أعود ثانية إلى جرائم النظام التي اقترفها في المدن الإيرانية التي
كنت أشاهدها عبر محطات الفضائيات أو الصحف العربية والألمانية، فإنها
لم تكن بأفضل من جرائمه في الكويت أو في العراق . لقد رأيت أكثر من
عشرين سيدة إيرانية تم اغتصابهن وقتلهن والتمثيل بأجسادهن بصور بشعة
يندى لها جبين كل إنسان .
أما ماحل بشعبنا العراقي الكريم طوال أربعين سنة تقريبا فحدث ولا
حرج . ومعظم الجرائم موثقة ولا زال أهالي ضحايا الأنفال وحلبجة
والأهوار وكربلاء والنجف والبصرة وكركوك كردستان العراق وغيرها من
المدن شهودا على ما اقترفه النظام البعثي وصدام في العراق من جرائم
ساديستية بشعة تحتاج إلى موسوعات لإحصائها .
قتل نظام البعث طوال حكمه البغيض الدموي الشوفيني لمدة أربعين سنة
تقريبا من الشعب العراقي النبيل أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة
أكثرهم من الشيعة والإخوة الأكراد والتركمان وقليل من الإخوة السنة
والقوميات الأخرى .
و علينا كعراقيين أن نعتبر تلك الملايين من الضحايا أهلنا وأحبابنا،
لأنهم إخواننا وأخواتنا في الوطن والتربة والهوية والآدمية .
إن حزني على عائلتي التي فقدت 39 شهيدا الذين أعدمهم النظام البعثي
ورمى إبن خالي وأولاده الثلاثة وهم أحياء في أحواض من التيزاب والحوامض
المركزة هو بقدر حزني على الملايين من الشيعة والأكراد والتركمان
والسنة وغيرهم .
فالمجد والخلود لشهداء العراقيين .
منذ أن تشكلت حكومة الدكتور أياد علاوي كان لدينا بصيص من الأمل من
هذه الحكومة بان تقوم بمحاسبة المجرمين القتلة من النظام السابق
المقبور وحتى الإرهابيين الذين ألقت عليهم القبض قوات التحالف والشرطة
العراقية الوطنية، فإن شيئا لم يحدث، بل إستمر الإرهاب وتفخيخ السيارات
وزادت المقابر الجماعية وكثر نزيف دماء شهدائنا العراقيين من نساء
وأطفال ورجال وشيوخ .
إن تصريحات حكومة الدكتور أياد علاوي المتناقضة ووعودها التي لم
تلتزم بها أدت إلى إنعدام مصداقيتها وثقة الشعب العراقي بها .
صرح المسؤولون أعتقد وزير الداخلية أو وزير الدفاع قبل نهاية العام
المنصرم بأن صدام سيحاكم قبل الإنتخابات، لكن المحاكمة لم تحدث .
لا نريد هنا سرد أخطاء وفشل حكومة الدكتور أياد علاوي في حفظ أمن
المواطنين العراقيين وقتل الشرطة الوطنية العراقية والحرس الوطني
العراقي بعد صرف الملايين من الدولارات على تدريبهم في الأردن ودول
عربية أخرى، بل أننا نستنكر قيام الدكتور أياد علاوي بإعادة البعثيين
إلى الحكم لا سيما إلى الوزارات والدوائر والمديريات الحساسة كمراكز
الشرطة الوطنية العراقية والأمن والإستخبارات والجيش العراقي في هذا
الظرف الدقيق .
إن كل ضحايا أبنائنا وإخواننا الشرطة الوطنية العراقية والحرس
الوطني العراقي وغيرهم تقع على مسؤولية حكومة الدكتور أياد علاوي
ووزيري الدفاع والداخلية .
و إن تصريحات الدكتور أياد علاوي لفضائية " العربية " عن أخطاء
البعث الطفيفة مع الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين بعد إنقلاب البعث
المشؤوم في الثامن من شباط عام 1963، تدعو إلى الغضب والإستغراب .
كان الدكتور أياد علاوي في حينه يترأس مجموعة من الحرس القومي
السيئة الصيت، وكل العراقيين الشرفاء يعلمون ماذا فعلت قوات الحرس
القومي عدا حماية الجسور والمؤسسات الحساسة .
( راجع : كتاب د . علي كريم سعيد : عراق 8 شباط 1963 من حوار
المفاهيم إلى حوار الدم مراجعة في ذاكرة طالب شبيب، الطبعة الأولى
1999، بيروت، صفحة 51 ) جاء فيه :
" وأهم ما حققه الإضراب هو ان منظمات الحزب تمكنت من إختيار
النشيطين لتشكيل " لجان الإنذار " وتدريبها على السلاح نظيا وعمليا،
وعلى سبيل المثال اتخذ بعضهم من خان الحاج محسن بمنطقة الصرافية بعد
الجسر الحديدي، مركزا للتدريب العملي وتدربت فيه عدة مجموعات من شباب
البعث بينها مجموعة إبراهيم غانم وأياد علاوي وفوزي الراوي وطارق
الراوي . وتم تقسيم اللجان إلى مجموعات صغيرة كل واحدة أربعة أو خمسة،
وهؤلاء نزلوا إلى شوارع بغداد ونفذوا مهماتهم وأصبح إسمهم قوات الحرس
القومي " .
إن قوات الحرس القومي وحكومة البعث التي جاءت إلى الحكم في الثامن
من شباط عام 1963 بقطار أنجلو – أمريكي كما ذكر ذلك رئيس وزراء البعث
على صالح السعدي، قتلت في الأسبوعين الأولين ما بين 12 ألف إلى 16 ألف
مواطن ومواطنة عراقية .
هل هذه الأعداد من الشهداء طفيفة يا دكتور أياد علاوي ؟
فلنقرأ معكم يا دكتور أياد علاوي ما ذكر في هذين الكتابين عن
الأخطاء الطفيفة التي ذكرتموها في المقابلة :
( صدر لـلـكـاتـب الـرومـانـي هـانـس هـنـلـه Hans Henle عام 1966
كـتـابا بعـنـون : الـشــرق الأدنـى الـجـديــد.
ثـم قـام كورت أولـريش بمراجعة الكـتـا ب وإضافـة الأحـداث التي
حدثت في الشرق الأدنى لـغـايـة سـنـة 1971 .
وصدرت الطبعة الـمـنـقـحـة عام 1972 باللغة الألمانية عن دار النشر
سـوركامب كالأتي:
Hans Henle: Der neue Nahe Osten, durchgesehen und ergänzt von
Curt Ullerich, 1. Auflage 1972, Suhrkamp
و إلـيـك أيـهـا الـقـارئ العربـي الـعـزيز ترجـمـة مـا ذكره هانس
هـنـلـه في كتابه في الصفحتين 105 إلى 106 :
" وفي شـهـر ديــســمــبـر من عام 1962 حدثت مأســاة عـنـدمـا
اجـتـمـع خـلـيـط مـن مـمـثـلـي حـزب الـبــعـث العراقي وأفراد من
المحافظين الـعـراقـيـيـن مـع أعـضـاء شــركـة الـنـفـط الـعـراقـيـة
IPC ومـنـدوبي وكـالـة الـمـخـابـرات الأمـريـكـيــة CIA
والـمـخـابـرات الـبـريــطـانـيـة فـي الـبـحـريــن لـمـبـاحـثـات
تـفـصـيـلات الإنـقـلاب الـقـادم في العراق وتحديد سـاعـة الـصـفـر .
وفي الأيام الأولى مـن شــهـر شــبـاط قـامت مجموعة من الجيش العراقي
ضد الزعيم عبد الكريم قـاسـم يسـانـدهـا خليط غير متلائم من عناصر حزب
البعث والناصريين والوحدويين والمتطرفين اليميـنـيـيـن والإقـطاعـيـيـن
من أنصأر نـوري الـســعـيــد.
كانت الأسـلـحـة والأمـوال تـتـدفـق مـن شــركة الـنـفـط
الـعـراقـيـة والـولايات الـمـتـحـدة الأمـريــكــيـة. وبـعـد قـتـا ل
عـنـيـف دام ثلاثة أيام تـم الـقـضـاء عـلـى الشهيد المرحوم الزعـيـم
عـبـد الـكـريـم قـاسـم والمقربين الـمـؤيـديـن لـه. رفض الـمـتـآمـرون
وعلى رأسهم عبد السلام عارف الـعـفـو عـنـهـم، إلا أنهم أمروا برمي
الزعيم عبد الكريم قاسم أمام كامرات التلفزيون وبهذا الفعـل الشنيع
إنتـقـمـوا لحركة الموصل الـدمـويـة.
وبعد ذلك تحول الإضراب الطلابي الى مذابح صحراوية، حيث تسلم حزب
البعث زمام الأمور وقام بتسليح آلاف التلاميـذ والطلاب الجامعيين
لـمـلاحـقـة وصيد الضباط المحايدين والموظفين وعمال النقابات وأعضاء
الأحزاب الأخرى . وقام البعثيون في الأيام الخمـسـة الأولى بـقـتـل على
الأقل ثلاثة آلاف من مؤيدي عبد الكريم قاسم . لكن تـقـديـرات المصادر
الأخرى تقول بأن عدد المقتولين يزيد عن ثمانية آلاف شهيد في أيام
الإنقلاب الخمسة إضافة إلى نفس العدد قام البعثيون في الليل وتحت جنح
الظلام باختطاف الشباب والشابات في بغداد وضواحيها وقتلهم بحجة أنهم
ينتمون الى الحزب الشيوعي العراقي. إلا أن المصادر الأخرى تشيرالى أن
بعض أعضاء الحزب الشيوعي قد اختفوا الأمر الذي أدى الى سقوط ضحايا من
الأحزاب الأخرى اليسارية والتقدمية الديمقراطية . وفي مداخل بغداد
والموصل قامت مظاهرات عنيفة لـلـذ ود عن عبد الكريم قاسم ومكاسب ثورة
14 تموز إلا أنهم قتلوا تباعا الواحد بعد الآخر. يتضح الآن أن عبد
الكريم قاسم أخطأ كثيرا عندما سحب الأسلحة من المقاومة الشعبية التي
كانت القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن ثورة 14 تموز المجيدة
ومكاسبها .
دامت المعارك لمدة ثلاثة أسابيع . وقد تم إلقاء القبض على القوى
القيادية على الأقل 12 الف شخص . وتم تعيين عبد السلام عارف رئيسا
للجمهورية "
و في كتاب آخر صدر عام 1975 للمؤلف مـلـي بـاو Milli Bau بعنوان :
الـهـلال الـخـصـيــب :
Milli Bau: Der Fruchtbare Halbmund, Irak. Syrien. Jordanien.
Libanon, Glock und Lutz, Nürenberg 1975
يذكر مؤلف الكتاب في صفحة 184 عن الإنقلاب الإنـجـلـو – أمـريـكـي
المشؤوم ما يلي :
" تم انعقاد مؤتمر في البحرين حضره ممثلو حزب البعث العراقي
والوحدويون والناصريون والمحافظون وحزب اليمين المتطرف، والإقطاعيون
وممثلون عن شركة النفط العراقية IPC ( Irak-Petroleum - Company )
و أعضاء من وكالة المخابرات الأمريكية والمخابرات البريطانية. وقد
وضعت الأمواال والأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية للإنقلاب تحت
تصرف المتآمرين وعلى رأسهم عبد السلام عارف . " وحسب تقديراته للضحايا
الذين قتلهم حزب البعث العراقي لا يقل عن إثني عشر شخصا ."
ومن الجدير بالذكر أن نائب رئيس وزراء البعث الأول على صالح السعدي
قد صرح بأن حكومة البعث الحالية جاءت بقطار أنـجـلـو – أمريـكـي ا لى
الحكم .
وفي شهر تموز عام 1963 قام البعثيون بمجازر رهيبة أخرى في تعذيب
وقتل السجناء العراقيين .)
نناشد شعبنا العراقي الكريم وخصوصا أهالي وذوي ضحايا مقابرنا
الجماعية إلى الذهاب إلى صناديق الإقتراع لإنتخاب الأحزاب والشخصيات
الوطنية كقائمة الإئتلاف العراقي الموحد واتحاد الشعب والأحزاب
الكوردية والوطنية الأخرى والشخصيات الوطنية العراقية النظيفة، ولا
تنتخبوا البعثيين وكل من له أصول وجذور بعثية وقومية متطرفة !
لأننا نريد حكومة عراقية عادلة حرة ديمقراطية تعددية فيدرالية تحترم
تعاليم الإسلام والإنسان العراقي بغض النظر عن قوميته ومعتقداته
ومذاهبه وآرائه وأن يصبح العراق لكل العراقيين دون تمييز.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والخزي والعار والشنار على القتلة
من البعثيين والقوميين الأشرار ،
و العزة للعراق وللشعب العراقي البار، والله ولي التوفيق .
ماربورغ في 26 / 1 / 2005
adnan_al_toma@hotmail.com |