احتفل المسلمون في جميع أنحاء الولايات المتحدة على مدى
أربعة أيام بعيد الأضحى الذي بدأ رسميا بعد
مراسم الحج في مكة يوم الخميس 20 كانون ثاني/ يناير.
وتوجه كثير من المسلمين في الولايات المتحدة إلى المساجد يوم الجمعة
حيث شاركوا في إقامة صلاة العيد قبل مشاركة أفراد عائلاتهم وأقاربهم
وأصدقائهم الاحتفال بالعيد والتمتع بأطايبه من أصناف المأكولات الشهية
والحلويات وتخصيص جزء كبير من لحوم الأضاحي من أغنام وأبقار لتوزيعه
على الفقراء والمساكين إكراما لوجه الله.
وقد عملت المنظمات الخيرية الإسلامية في مختلف أنحاء الولايات
المتحدة على جمع التبرعات مما تيسر من مال وأضحية للإنفاق على الفقراء
وإطعامهم في الولايات المتحدة وفي خارجها.
وصرح أنور خان من هيئة الإغاثة الإسلامية للولايات المحتدة بأن نحو
مليون شخص سيفيدون من هبات هيئة الإغاثة الغذائية لإطعامهم في 40 بلدا
عن طريق فروع هيئة الإغاثة الإسلامية المحلية. وقال إن مواشي الأضحية
ستشترى محليا أو تشحن من الخارج كما هو الحال بالنسبة لقطاع غزة والضفة
الغربية حيث ستشحن المواشي من نيوزيلندا، بسبب نقص الأغنام والخراف في
غزة والضفة، ويتكلف شراؤها من إسرائيل ثلاثة أضعاف كلفة استيرادها من
نيوزيلندا.
وعيد الأضحى بالنسبة لمسلمي أميركا كغيرهم من مسلمي العالم، احتفال
ببلوغ مناسك الحج ذروتها بالإفاضة من عرفات والطواف بالكعبة ورمي
الجمرات وقضاء أيام التشريق في منى والمزدلفة يتوجه بعدها قسم كبير من
الحجاج إلى المدينة لزيارة ضريح نبي الإسلام وحامل رسالته محمد في
القرن السادس للميلاد.
وقد شارك في حج هذا العام نحو 100 ألف مسلم أميركي إلى جانب نحو
مليوني مسلم أتوا من مختلف بقاع العالم. ويقدّر أن أكثر من مليون ونصف
المليون حاج مسلم قدموا من بلدان خارج السعودية بينما حضر الحج نحو 500
ألف حاج من داخل السعودية لأداء الفريضة التي على كل مسلم قادر ماديا
وجسديا أن يؤديها مرة في حياته.
ويعلق المسلمون الأميركيون أهمية كبرى على الحج ويتطلعون إلى أداء
الفريضة التي تشكل ركن الإسلام الخامس لمن ستطاع إليه سبيلا، الشهادة
والصلاة وصوم رمضان والزكاة.
وطغت على احتفالات حج هذا العام أنباء كارثة موجة مد تسونامي التي
أصابت بلدان آسيا وأودت بحياة أعداد كبيرة من المسلمين في إندونيسيا
وسريلانكا والهند وجزر المالديف. وقد أقيمت بمناسبة الحج والأعياد
صلوات خاصة ورفعت الدعوات ترحما على ضحايا الكارثة.
كذلك شهد موسم حج هذا العام تدابير أمنية مشددة فوق العادة نتيجة
للهجمات التي شنتها عناصر من القاعدة في السعودية أخيرا.
ولوحظ أن أبرز تغيير طرأ هذا العام على مواقع مناسك الحج هو إقامة
ثلاثة أعمدة جديدة في عقبات رمي الجمار لتجنب الازدحام الشديد الذي
تسبب في اندفاع جماعي مذعور في حج شباط/فبراير من العام 2004 الماضي
وأسفر عن مقتل 244 حاجا. كما تم توسيع جسر للمشاة يوصل إلى العقبات
لاستيعاب عدد أكبر من الحجاج قاصدي رمي الجمرات.
كذلك استخدمت سلطات تنظيم حج هذه السنة تكنولوجيا المعلومات الحديثة
لإرشاد الحجاج باللافتات الإلكترونية لتنظيم حركة الحجاج وتنقلاتهم
أثناء أداء المناسك. وقد زودت أبواب المسجد الحرام المائة والتسعة
والعشرون المؤدية إلى صحن المسجد الفسيح حيث يطوف الحجاج بالكعبة في
وسطه، بإشارات ضوئية تنار بالأحمر عندما يمتلئ المسجد لمنع الدخول،
وتنار بالأخضر للسماح بالدخول عندما يصبح هناك متسع لمزيد من الطائفين
والمصلين، وذلك على غرار الشارات الضوئية التي تنظم حركة السير على
الطرق. وقد خصص نحو 700 جهاز تلفزيوني وخمس شاشات إلكترونية ضخمة في
مدينة خيام الحجيج بمنى وعلى جسر المشاة إلى العقبات لنقل وقائع ما
يجري من مراسم ومناسك وحركة بخمس لغات بينها الإنجليزية.
وقد أتاحت أجهزة الهاتف النقالة الخلوية الحجاج من إطلاع ذويهم في
أوطانهم على ما يجري وإشراكهم في تجربتهم الفريدة. ومن قبيل ذلك أن
حاجا جزائريا شارك زوجته في الجزائر كل مناسك الحج عبر الهاتف.
وكان الحجاج قد أفاضوا من وقوفهم بعرفة مع مغرب يوم الخميس، الرجال
بلباس إحرامهم التقليدي الأبيض المؤلف من إزارين أبيضين غير مخيطين،
والنساء بأثوابهن البيضاء الفضفاضة من الرأس إلى أخمص القدم، رمزا
للنقاء والطهارة، وأحنوا رؤوسهم بعد ذلك لقص شعورهم إنهاء لإحرامهم
وتعبيرا عن تواضعهم قبل أن يبدءوا تقديم أضاحيهم كفدية ترمز إلى
استجابة إبراهيم إلى أمر ربه بتضحية ابنه إسماعيل.
ووصف المدير التنفيذي القومي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية،
وهو منظمة قومية إسلامية للدفاع عن الحقوق الإنسانية، نهاد عوض، وهو
فلسطيني أميركي، وصف الحج بأنه يعلم الإنسان التواضع.
وأضاف أن الحج هو "أكبر تجمع إسلامي في العالم يذوب فيه الحاج ويسمو
على فوارق الجنس والعرق واللون والمكانة الاجتماعية." وفي وصف تأثيره
الروحي قال عوض إن الحج "يشحن بطارية الإنسان الروحية."
وقدّر نهاد عوض ما ينفقه كل حاج مسلم أميركي خلال رحلته التي تتراوح
بين 10 أيام و14 يوما وتشمل مناسك الحج وزيارة المدينة المنورة ما بين
2000 و 6000 دولار.
وقال سيد هارون قمر، وهو مسلم باكستاني أميركي مقيم في شمال ولاية
فرجينيا حج مع زوجته في العام الماضي، إن الحج "يملأ كل نفس ويشحنها
بالانفعالات العاطفية والحاج يتحرك مع الجماعات التي يمسك كل فرد فيها
بيد الآخر في تآلف ووحدة في جمهور واحد." وقال إنه أدى مناسك الحج مع
مجموعة من الحجاج الأميركيين في عام 2004 ضمت 45 حاجا من أصل باكستاني
وهندي وبنغالي وإندونيسي وعربي.
وأضاف أن "كل حاج أبدى صداقة واستعدادا للمساعدة, ولم يفقد أحد
أعصابه أو اتزانه خلال تدافع الجماهير التي كانت وكأنها محيط بشري ولكن
دون أمواج." وقال قمر إنه اكتشف أن أفضل أسلوب لتجنب الزحام في الطواف
ورمي الجمرات هو تفادي فترات ذروة الازدحام خاصة وأن المناسك متاحة على
مدى 24 ساعة.
وأشار قمر إلى أن اكثر المشاهد تأثيرا في النفس كان مشهد الحجاج في
سجودهم الجماعي أثناء الصلاة. وقال "كانوا يركعون ويسجدون في أي مكان
يوجدون فيه سواء في الطرق وعلى الصخور وفي برك المياه كلما نودي بإقامة
الصلاة."
وقال قمر إنه وزوجته أنفقا 4500 دولار لكل منهما في قضاء أسبوعين في
الحج وزيارة مكة والمدينة مشيرا إلى أن التكاليف تختلف طبقا لاختلاف
ترتيبات السفر التي يختارها الحاج والتي يشمل بعضها اختيار الإقامة
والطعام في فندق إنتركنتننتال بمكة أو إقامة أكثر تواضعا. ووصف الخيمة
التي أقام فيه بمنى بأنها كانت مكيفة الهواء.
ومن المتوقع أن يبدأ الحجاج بالعودة إلى أوطانهم قريبا حاملين أوعية
أو جرارا مملوءة بماء زمزم التي انفجرت أمام هاجر زوجة إبراهيم لتروي
عطش ولدها إسماعيل. ويقدم الحجاج العائدون لزوارهم رشفات من ماء زمزم
للتبرك والشكر على تهنئتهم لهم بالعودة متممين ركن دينهم.
المصدر: نشرة واشنطن |