من المؤكد أن المسلمين الأتقياء الذين نووا أداء منسكة الحج وهم قد
أصبحوا قريبين من بيت الله الحرام بمكة المكرمة يقيمون أحوالهم بصورة
أفضل من حيث شعورهم العميق بكونهم في صف الخالق العظيم الله سبحانه
وتعالى. وعلى الضد تماماً من أعدائه السافرين والخفيين.
وأداء فريضة الحج ليست مناسبة زيارة لبيت الله الحرام فحسب بل
إثباتاً لحضور اعتراف من قبل العبد المؤمن الذي عرف طريق الصلاح وأخذ
بتتويج أولى خطوة له ومع فارق الزمن وتراكماته ينقل لنا التراث
الإسلامي المدّون أن مكة المكرمة بمسجدها النوراني العظيم كانت منطلقاً
لأكثر النشاطات الإسلامية بما في ذلك التجمع في المسجد ثم الانطلاق
للحرب ومع أن مكة كانت المكان الأقدس لتواجد جميع الأنبياء والرسل فهذا
ما أضفى على أسمها قدسية أكثر تأثيراً على البناء الروحي لجمهور
المؤمنين والمؤمنات وفي سورة آل عمران الآية 96 تقول: (أن أول بيت وضع
للناس الذي ببكة) مما عنى دون التباس أن بيت الله هو لكل البشر ودون أي
استثناء شرط أن يكون معتنقاً الإسلام بمفهومه العام الشمولي.
والمؤمنون والمؤمنات المؤدون فريضة الحج في يوم وقفة عرفة يشعرون
بسعادة غامرة وفلسفة الحج لديهم أن الطواف حول بيت الله المزكى هو طواف
حول نور الله العلي الجليل ففي الحضور الإيماني في المسجد المكي يشعر
المرء بمكسب نجاته من حساب الآخرة على ما كان ربما قد اقترفه من ذنوب
وهو بذاك يكون وكأنه قد تحول إلى داعية للأحكام الإلهية وبالتزام بحال
من المسؤولية التي أناطه بها الرب القدير للمؤمنين الحجيج ضد أعداء
الله الكفرة الناقصين.
والحج المحمدي الذي أرسى قانونه النبي محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) والذي قد ساوى فيه الناس المؤمنين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم
ومللهم لحري أن يحتذى لدى كل ضمير حي ففي الحج إشراقة للمرء على الكون
كله من هنا فإن الاهتمام بالحج يكون هو ذاته اهتمام بفرصة ليست ميسورة
لكل الناس إلا لمن استطاع إلى سبيلها، ولعل من محاسن أداء المناسك
الحجية أن يرد اغلب الناس وقد أخذوا يتلون القرآن الكريم تقرباً أكثر
من الباري عز وعلا شأنه الربوبي. وبذا فإن مناسبة الحج سوف تحث جمهور
الحجيج بعد أداء فريضة الحج أن يكونوا مثابرين أكثر لمطالعة القرآن
الكريم الذي يوحي في كل قراءة جديدة له بأن هناك معاني ومقاصد سامية
فيه لا تتوفر بأي كتاب آخر.
ولعل الأبرز في أداء مناسك الحج أن الحاج أو الحاجة يستلهمون من
آداب فريضته بارقة نور تُرسم على وجوههم طيلة بقائهم في هذه الحياة
الفانية. |