لا جديد في الوطن العربي منذ أكثر من ربع قرن، حيث لم يعد أحد يكترث
بما حصل ويحصل والسنوات اللاحقة كالسابقة وكذلك الأيام والساعات هي
نفسها فلم يطرأ تغيير إلا إلى الأسوء ولكن في الفترة الأخيرة انتهى
العام (2003) بثالوث غير مقدس كما قيل، لبناني الجنسية والجرأة وظيفته
الغناء، هن الفتيات العصريات نانسي عجرم وأليسا وهيفاء وهبي، لكل منهن
صورة أثارت حفيظة المعلقين الفنيين نانسي ترقص في مقهى رجالي، أليسا
والشرشف الأبيض، هيفاء تحت المطر. تلك اللحظة كانت الظاهرة محصورة بهن
تقريباً. فشهرتهن باتت سريعاً عربية كما عالمياً أيضاً فبجرأتهن على
تجاوز الحدود المعتادة والضيقة للتعري مع حركات الغنج والدلال والميلان
أمام الكاميرا حصدن جميع الألقاب والأوسمة العصرية العربية والعالمية
وشغلن فكر رجال الدين في الأزهر في حلية أو حرمة ألبوماتهن الجديدة.
وانتهى العام (2004) بعدّاد سرعة يكاد يعجز عن مواكبة تكاثرهن بعدما
شاركت دول عربية مختلفة لبنان في تأمين المواد الأولية لعالم الغناء.
وباتت وتيرة (الجرأة) تتصاعد حتى اختتم العام بسابقة منع فيديو كليبين.
ما الذي جرى؟ ما الذي كمن خلف هذا الانفجار الذي لا تبدو فيه أي
آثار لخجل؟
البداية (انفجار) مكتمل النضوج، لا يستوي على مرّ مراحل الخلع، قطعة
تلو أخرى، وإنما بدأ من حيث العري، فبات النقاد يحاولون عبثاً إعادة
الملابس إلى أجسادهن. ولم يأت خلع الملابس وحيداً وإنما رافقه خلع
الكثير من القيم المتلفزة، كالتأكيد على جودة الصوت أو الإصرار على
الجمال الطبيعي.
وبينما تأرجح معظم العرب بين سعادة الصور ونيران الآخرة، كان أمثال
(شارلز بول فرند) وهو كاتب في مجلة (ريزون) الأمريكية ومعني بالشؤون
الثقافية الشعبية، يجد في موسيقى العرب الجديدة دليلاً على رغبتهم
بدخول كوكب العالم الأول، فنانسي وأليسا وهيفاء بالنسبة إليه، يؤمن
عالماً متخيلاً يسرح فيه العرب ويكوّنون لأنفسهم الهوية التي يشتهونها
بعيداً عن تلك التي يفرضها عليهم تاريخهم.
اعتبرهن مادة محفزة للعالم العربي باتجاه الحداثة والتحرر.
إذن موجات التعري قوبلت باعتراف عصري وغربي نحو العالم الأول
والمتقدم، وشعبية كاسحة عند العرب حيث الرغبة بهن تفوقت على قدرة
منعهن، لأن الشعب لم يروا من الحكومات العربية ما رأوه منهن من جرأة
لاستحواذ التقدير الغربي، إضافة إلى المنتج المالي الذي وجد في الإكثار
منهن سوقاً أوسع من ذلك الذي يمكن أن يجنيه من مخاطبة الغرائز الدينية
التي تملي رفضهن، ذلك مع الحفاظ على ازدواجية مضحكة تكمن في كون بعض
الشاشات الفنية التي تسوقهن تعيش في موعد الأذان لحظات ورع وتقوى دينية
منفصلة تماماً عما سبقها وعما سيليها، ووصل الجرأة إلى حد استخدام
التعرّي في تسويق الكتب وتثقيف الشعب كما في إعلانات معرض الكتاب
العربي الفريد في بيروت.
إذن موجة العري والفتيات العاريات عصري وجديد بكل المقاييس الأدبية
والثقافية والاقتصادية الاستهلاكية محلياً وعالمياً وربما تنفع في
تثقيف الشعب وشدهم إلى القراءة حيث لم تنفع السبل الأخرى. |