غدت ثقافة التواضع موضوعاً مهماً في حياتنا الصاخبة بالابتعاد
قليلاً قليلاً عن أسس الأصول التربوية السليمة وما نتج عنه من تغليب
المصالح الشخصية.
علو المنصب أو الوجاهة الاجتماعية عادة لا تأتي اعتباطاً فعلى
الأغلب يكون الشخص قد وضع اكتسابهما كـ(هدف) في حياته والصدفة الموصلة
للشخص لمركز مرموق اجتماعي أو سياسي مثلاً نسبتها ضئيلة. وممارسة
إيجابية للمنصب أو الوجاهة تأتي بتوظيف المواقف الإنسانية بذلك على
أفضل ما يمكن أن يجتهد به الضمير ومعالم الممارسة غالباً ما توضح
المعالم من جراء إثبات حسن النوايا في التعامل.
والإنسان الناجح يمارس إنسانيته أولاً في بيته ضمن سياسة إدارة شؤون
الأسرة الممكن تسميتها بـ(السياسة الداخلية) وعلى أساس من هذا الفهم
يمكن إضفاء معنى السياسة الخارجية على سلوكياته الأخرى أي المتعلقة
بالمجتمع خارج إطار المنزل وأول أساس يمكن الاعتماد عليه بهذا الشأن هو
اعتماد خط التواضع في أي علاقة على أن تمزج بالمعرفة التي تحفظ تقديم
أفضل صورة للناس وتظهر أي منهم بأبهى خلق من مجاملات وأحياناً مساعدة
الغير من المحتاجين أن أمكن وعلى المستويين المعنوي والمادي.
ولثقافة التواضع قيمة عالية يمكن أن تعد ضمن إبداع الإنسان في
علاقاته مع نفسه أولاً حيث يتصرف بسلامة العقل وعدم ظلم الآخرين ولا
بأس إذا ما ترفع بنفسه فوق شبهات السوء وصحيح جداً أن الإساءة للنفس
ذاتها تأتي أولاً عبر الإساءة للآخرين فالسا قطون ضميرياً لا يكلفهم
ذلك أكثر من استعداد لارتكاب المظالم وتخويف الناس كي لا يشيعوا ذلك
أمام الرأي العام على صغر مساحته الاجتماعية أو كبرها إذ ما هو عكس
التواضع هو ما يسلك من تكبر ولعل حُسن الختام في أي علاقة أن تتواشج
لدى المرء ثقافته في التواضع الذي يؤدي إلى حماية الآخر الإيجابي من أي
فداحة ومهما كان نوعها.
إن مهاجمة الآخرين بلا مبرر هو من الأمور التي تنم عن أن نقاشات ما
مع النفس عبر توجيه النقد الذاتي لها لم يتبعها المرء فتوصية الإنسان
السوي لذاته أولاً كي يحصل على قدر كافٍ من القناعة بـ(سلوكه هو)
وبيقين أنه ينهج نهجاً أخلاقياً حميداً مع الآخرين فالآخرين هم عالم
خاص وينبغي معرفة كيفية التعامل الحسن معهم والمؤثر في نفوسهم.
ولعل من آثار رسوخ روحية التواضع باعتباره صفة تنم عن ثقافة النفس
اجتماعي – إنساني ومن هذا يمكن القول أن ثقافة التواضع والتثقيف
بالتواضع ليس مقروناً بقراءة كتاب يتعلم منه كيف يصبح متواضعاً ولكن
التجربة المتراكمة عند الإنسان وما تفرزه من دروس حياة إذا ما اقترنت
باستيعاب لماذا نحن بشر؟ فذاك ما سيجعل كل الناس يفتشون عن مواضع
لأقدامهم في ساحات المجد الاجتماعي.
ويبقى تقديم السلوك الإنساني بين الإنسان وأخيه الإنسان مدعاة لسد
حاجة روحية وأخلاقية عالية وبذلك فقط يمكن توفير الكثير من الجهود إذا
ما آثر الجميع بصورة مشتركة معرفة صناعة الوعي في كسب مهمة من التواضع. |