بدأت بعض الدول العربية منذ أكثر من ثلاثة عقود بالتدخل في الشأن
العراقي، مباشرة أو غير مباشرة، من أجل مصالحها الإقتصادية والتجارية
والسياسية وتعاونت مع النظام الديكتاتوري الفاشي الذي قتل الملايين من
أبناء شعبنا الأبرياء في الحروب وفي السجون والمعتقلات .
فمن حق تلك الدول أن تبني علاقاتها الإقتصادية والتجارية والسياسية من
أجل مصلحتها ومصلحة شعوبها مع العراق ومع أي بلد آخر، وليس لنا حق
الإعتراض عليها إن كانت تلك العلاقات الإقتصادية والتجارية والسياسية
مبنية لمصلحة شعبي البلدين . لكن العلاقات مع طاغية بغداد الذي بدد
ثروات البلاد ووزعها على عملائه وأصدقائه من الأنظمة والشخصيات
السياسية والصحف والفضائيات العربية والصحفييين والمؤرخين العرب
والشخصيات الأجنبية كهبات من بيت أبيه على هيئة كوبونات نفط أو قطع
فنية ثمينة أو ملايين الدولارات نقدا، كانت على حساب شعبنا العراقي
الجريح طيلة 35 سنة مريرة .
و بعد تحرير العراق الحبيب من نظام البعث والمجرم صدام في التاسع من
نيسان المبارك عام 2003 تمكنت قوات التحرير والتحالف والإحتلال بمساعدة
ميليشيات الدكتور أحمد الجلبي العثور على ما يقارب 15 طنا من الوثائق
والمستمسكات الدامغة على مساهمة بعض الحكام العرب والأجانب بسلب ثروات
العراق أو الذين كانوا يتقاضون رواتبا عالية أو هبات مالية مرتفعة
بملايين الدولارات من النظام المقبور في الوقت الذي كان الشعب العراقي
في الوسط والجنوب يعيش البؤس والفقر المدقع والتعذيب والقتل والإعدامات
.
و مما يؤسف له ويحزننا جميعا، بأن الدكتور أحمد الجلبي ومجلس الحكم
العراقي المؤقت لم يفضحا تلك الأنظمة والشخصيات العميلة والمتعاونة مع
النظام المقبور، لكي نكون على بينة من الأمر ولكي تتطلع شعوبهم على
دناءة وظلم حكامهم بسرقة أموال الشعب العراقي سواء أكانت كوبونات النفط
أو إهداء الملايين من براميل نفط العراق لمدة طويلة للأردن، مثلا ،
مجانا أو شراء سلع فاسدة وأسلحة من مصر بمليارات الدولارات وقس على ذلك
.
وقد تمت المؤامرة على السيد العراقي الغيور الدكتور أحمد الجلبي حيث
صودرت تلك الأطنان من الوثائق والمستمسكات التي كانت تدين بعض الحكام
والسياسيين العرب والأجانب .
و السؤال التالي يطرح نفسه على معالي رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي
والحكومة الإنتقالية الموقرة أين ذهبت تلك الوثائق ؟
لماذا لا تصارحوا شعبنا العراقي بتلك الجرائم والفضائح التي ارتكبت
بحقه ومن هي تلك الجهات المعنية ؟
لقد سئم شعبنا العراقي الأبي من تصريحات المسؤولين العراقيين المتناقضة
بعد تشكيل مجلس الحكم العراقي المؤقت ولحد تاريخ اليوم .
أين هي مصداقية الحكومة ؟
لماذا لم يحاكم المجرمون الموقوفون في السجون وعلى رأسهم صدام وجلاوزته
لحد الآن ؟
هل أمهل القوميون العرب وحزب البعث الزعيم الوطني الشهيد المرحوم عبد
الكريم قاسم أكثر من خمس دقائق بعد أن وعدوه بالسفر إلى خارج العراق ؟
ماذا عن المجرمين والقتلة الإرهابيين الذين يقتلون المواطنين العراقيين
من النساء والأطفال ورجال الشرطة الوطنية والحرس الوطني العراقي في وضح
النهار وفي المساء ؟
لماذا لم يحاكم هؤلاء الإرهابيون القامعون في سجون العراق لحد الآن ؟
و منذ سقوط طاغية العصر في التاسع من نيسان الأغر عام 2003 بدأت
المؤامرات تحاك من قبل دول الجوار، الإخوة العرب الأعداء، نخص منها
بالذكر الأردن وسوريا والسعودية ومصر وغيرها نستثني الكويت الشقيق، لأن
مصالحها المادية وأطماعها لنهب ثروات العراق قد سقطت بسقوط النظام
المخلوع الأمر الذي جعلها تشن حربا وحملات هيستيرية عدوانية ضد الشعب
العراقي الكريم وضد مجلس الوطني العراقي المؤقت والحكومة الإنتقالية
الحالية عبر وسائل إعلامها كالفضائيات والصحف أو من خلال تدريب
الإرهابيين في أراضيها وتزويدهم بالأموال والأسلحة والمتفجرات وتهيئة
إمكانيات السكن والتنقل عند عملاء وجنود وميليشيات صدام في مدن المثلث
السني ومثلث برمودا ( اللطيفية والمحمودية والإسكندرية ) ومنطقة ديالى
ومناطق أخرى .
كما قام وزراء خارجية الدول المذكورة بعقد عدة إجتماعات ومؤتمرات بحضور
رئيس جامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى لإتخاذ إجراءات لعرقلة
إعادة بناء البنية التحتية والمشاريع السكنية وغيرها وإفشال عملية
الإنتخابات الديمقراطية في الثلاثين من الشهر القادم بالإضافة إلى بث
الطائفية البغيضة بين المواطنين العراقيين وإشاعة العنصرية بين
القوميات الحضارية العراقية العريقة .
و لم يكتفي السادة وزراء خارجية السعودية والأردن وسوريا ومصر ورئيس
جامعة الدول العربية بذلك بل أنهم مارسوا أساليب وحجج مختلفة وكذلك
العاهل الأردني عبد الله الثاني على إقناع رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية السيد جورج دبليو بوش ورئيس وزراء بريطانيا السيد توني بلير
بضرورة مشاركة السنة في الحكومة القادمة . لقد صرح العاهل الأردني
بأقوال جارحة من أن إيران أرسلت أكثر من مليون شيعي إيراني لإجراء
الإنتخابات في العراق وأن هلالا شيعيا سيحدث في المنطقة وبموجبه تصبح
مصالح أمريكا والدول الأوروبية معرضة للخطر وغير ذلك من الأقوال
الجارحة لمشاعر الشيعة العرب الأصليين في العراق .
و الحجة الثانية التي أثيرت من قبل وزير خارجية المملكة العربية
السعودية الأمير سعود الفيصل بأنه يخشى إضطهاد السنة لعدم مشاركتهم في
الحكومة المنتخبة القادمة تدعو إلى الإستغراب .
أين كنت يا صاحب السمو الأمير سعود الفيصل عندما قام صدام بقتل
الملايين من الشيعة والأكراد طيلة حكمه الفاشي الدموي ؟
لماذا لم تقترح على السيد بوش وترفع صوتك عاليا بأن يحمي إخوانك الشيعة
والأكراد ؟
ألم تكن تصريحاتك مثيرة ومحرضة للطائفية وتدخلك في الشأن العراقي
مخالفة لبيان مؤتمر شرم الشيخ الذي وقعت أو وافقت عليه ؟
العراق والعراقيون يا صاحب السمو لا يسمحون لك ولغيرك التدخل في شؤونهم
.
لم يعرف الشعب العراقي منذ آلاف السنين النعرات الطائفية والعنصرية
والقومية.
إن إخواننا السنة لهم كل الحق في المشاركة في الإنتخابات والحكومة ولا
أحد يستطيع أن يمنعهم من المشاركة، لكنهم هم رفضوا المشاركة في
الإنتخابات . وقسم منهم سينتخب .
إن إثارة النعرات الطائفية جاءت من بلدكم عن طريق المتطرفين السلفيين
والوهابيين للأسف إلى العراق . تشاهدون سموكم في الفضائيات عمليات
تفجير السيارات المفخخة في معظم مدن العراق كما حدث عندكم هذه الأيام
وقبل سنوات في الخبر والظهران .
لماذا لا تقولها بصراحة يا صاحب السمو الملكي سعود الفيصل بأنك تريد
عودة البعثيين بالذات وليس السنة ؟
فالبعثيون لا علاقة لهم بالسنة فقط وهم أيضا موجودون عند الشيعة
والمسيحية (طارق عزيز مثلا) وبقية الطوائف (طه الجزراوي – كردي)
والمذاهب الأخرى .
فإذا كنت تعني عودة البعثيين فهذا محال لن يحدث ولا عودة لقتلة الشيعة
والإخوة الأكراد ضحايا أكثر من 283 مقبرة جماعية .
كنا نتمنى على حكومتكم الرشيدة أن تضبط حدودها وتمنع تسلل الإرهابيين
السعوديين عبر حدودها إلى العراق، لأن نار الإرهابيين القتلة ستشملكم
وتشمل دول الجوار أيضا .
ماربورغ في 30 / 12 / 2004
adnan_al_toma@hotmail.com |