يعاني معظم الناس في احيان كثيرة من حالات نفسية مؤلمة منشأها صديق
او زوجة او زوج او زميل في العمل او ابن او ابنة , هذه الحالة تترك في
النفس مؤشرات سلبية وربما بثور عميقة تجاه الشخص الذي احدث الالم .
فنحن بشر والبشر خطائون وجل من لايخطأ ، وجل من لاينسى , فكلنا معرضون
للخطأ والنسيان والادهى من ذلك اننا معرضون ايضاً الى تفسير الاشياء
لابحقيقتها النقية الصافية بل بأفكارها المتداخلة بالسوء مع مشاعرنا
المقيدة بصور الماضي , فنحن نبني داخل انفسنا بناءاً ندري حق المعرفة
بأنه خطأ وبالي وقديم , الا اننا نتمسك به كستار نستند اليه في تعاملنا
رغم انه يخفي في داخلنا وجع مؤلم , لكن نرجسيتنا تمنعنا الاعتراف
بالواقع , لان الواقع مؤلم , وكل ماهو مؤلم مزعج , وهو ما يسميه علماء
النفس المرضي الميل الى الاضطرابات العصابية دون ان ندري . ان قدرتنا
على معرفة الشئ بحقيقته مع معرفة المشاعر التي تغلفها , هو الطريق
الاقصر للوصول الى حالة الصحة النفسية , وحينما نعرف بامكاننا ان
نستطيع , نقدر الوصول الى الحل . فالمعرفة بالشئ تؤدي الى اتساع طاقة
التحمل حتى ولو كانت المعرفة من الزوجة او الزوج او الابن او الابنة او
الصديق مرّة وقاسية ومؤلمة , حينئذ تتسع قدرتنا وطاقتنا على التحمل
وبذلك تكون احكامنا ليست سريعة ومستعجلة , بل متأنية نابعة من قرار
حكيم ومعرفة كاملة للحدث .
ان الشواهد في حياتنا اليومية كثيرة وتفاعلنا مع الاخرين داخل اسرنا
اكثر ومع الاخرين في العمل او في الشارع او في النادي او المنتدى ربما
تفوق ذلك لاننا نتحرك لكي نبقى احياء , نتفاعل لكي نترك لافكارنا
الانطلاق ولادمغتنا الاشتغال بالنحو الذي يحرك الادراك الواسع والتذكر
المنتظم والانتباه الشديد والاستدعاء الامثل والتعرف الناجح وربط
البعيد بالقريب من الافكار في تشغيل المعلومات في لحظة زمنية بذاتها ,
فعندما نلتقي بالناس تكون جميع قدراتنا المعرفية مهيأة للعمل ونشطة
وازاء ذلك فأن من يخطأ معنا نذهب بعيدأ بالتفكير معه فأن اتسعت قدرتنا
على تحمله , استطعنا الصفح عنه والعفو عما صدر منه .
اننا نعرف اليوم ان العفو والصفح والتسامح قد يكون في عقول البعض من
الناس هو غطاء عن الضعف او الوهن او الهزيمة , ولكن في الحقيقة انه قد
يكون ممتزجاً بقدر عظيم من الحكمة والتعقل , وتكفي الاشارة الى ان هذا
لايحدث الا اذا كان الانسان يستشعر قدراً من المحبة الاصيلة لنفسه
ولاسرته ولاصدقاءه وللبشرية جميعها ولا يحمل اية روح عدوانية تجاه
الغير مهما كان جنسه او دينه او مذهبه , والا لما تكلف عناء اصطناع
المزيد من طلب العفو والصفح والتسامح , بل توغل عمقاً في الكراهية
وسلوك العدوان ورد الفعل العنيف وفكر برد الصاع صاعين كما يفعل البعض
من المتعصبين او الجناة الجدد من المتدينين . فالعفو والصفح والتسامح
العظيم عندئذ رحمة بالنفس ورفقاً بالاخرين وسداً يقي الانسان من فيضان
الشك والريبة وتفسير السلوك الخاطئ بالسئ الموغل بالكراهية وتدلنا
الدراسات النفسية على ان العفو والصفح والتسامح والمودة في هذه الحالات
تصدر من بواعث النفس الانسانية الحقة بتكوينها الانساني لا الحيواني
المتمثل في الافتراس والقتل والعنف.
يقوم الدليل اليوم على ان الحاجة الى العطف والمحبة والتسامح ونبذ
العنف تنم عن شعور عظيم باحترام الذات وقدرة عالية على الامتلاء النفسي
الذي لايجعل شعور العجز والنقص والاحساس بالتفاهة سلوكاً لاي منا ,
فالعفو والصفح هو قدرة الانسان على العطاء الدائم , اما العنف
والكراهية وسلوك القتل والعدوان وخطف الناس ينم عن النقص وقلة الرضى عن
النفس , ومن اجل ذلك كانت الحاجة الى العطف والصفح والتسامح ونبذ العنف
مطلب حيوي يرمي الى بلوغ الطمأنينة والظفر بالرضى عن النفس .
*السويد
elemara_32@hotmail.com
|