اللغة (أي لغة) ما لم تستطع مواكبة المفردات والتعابير الجديدة التي
تلفظها وتدونها لغة أخرى فإن معنى القصور في هذا ينذر اللغة اللاقادرة
على المواكبة اللغوية بأنها قد فقدت موقع إبداعها في الاستحداث اللغوي
الذي بدونه لا يمكن لتلك اللغة أن تكون لغة ناجحة.
إن ظاهرة ترسيخ اللغات المحلية الآن داخل بنيات مجتمعاتها الناطقين
بها تكاد أن تكون من الأمور اللغوية المسلم بها فلمعظم المجتمعات
لغاتها الوطنية أو القومية وفي بعض البلدان تنتشر أكثر من لغة متداولة
ففي سويسرا مثلاً يتداول مجتمعها هناك وبحسب مناطق البلاد الجغرافية
اللغة الألمانية واللغة الفرنسية واللغة الإيطالية... هذا بشكل رسمي
وفي العراق فإن لغات مثل العربية والكردية والتركمانية تشكل أهمل ثلاث
لغات من لغات محلية عراقية كـ(اللغة الكلدانية واللغة الآشورية.. إلى
آخره) إلا أن العربية تمثل القاسم المشترك بين كل اللغات العراقية...
المتداولة الآن كما يمكن القول أن تقدم اللغة العربية في العراق هو
مكسب عظيم لكل العراقيين ذلك أن أحداً لم يعرفها هو أمر نادر حتى بين
الناطقين بلغات عراقية أخرى.
واللغة العربية التي أخذت بالتبلور منذ ما يزيد على ثلاث آلاف سنة
فقط كما يقول تاريخها استطاعت أن تشق طريقاً وعراً وحين جاء الإسلام
وأكرم الله سبحانه وتعالى (اللغة العربية) حين بشر أنها ستكون لغة أهل
الجنة بعد أن أضحت اللغة الوحيدة المختارة لكلام الله عز وجل في متون
القرآن الكريم فهذا ما كرس الواجب للتمسك بها أكثر من قبل المسلمين
وثبت الولاء لها كـ(لغة مفضلة على أي لغة أخرى حتى إذا جاء الاستعمار
البريطاني محتلاً بعض البلدان العربية كـ(العراق) وغيره ثم عمل
الاستعمار الفرنسي في محاولة اعتبار (الجزائر) كـ(إقليم فرنسي) وكذا
عمل المستعمر الإيطالي في ليبيا على سبيل المثال فقد أضحت لغات أخرى
غدت المجتمعات العربية تتكلمها بعد أن حظيت في اعتماد تلك اللغات
المسماة بـ(اللغات الاستعمارية) داخل المجتمعات العربية كلغات ثانية
كما حال (الإنكليزية والإيطالية) في حين تم اعتماد الفرنسية كلغة أولى
في الجزائر وتم كل ذلك خلال القرن العشرين الماضي أو قبله.
ولعل في وجود لغات أجنبية متداولة في المجتمع وبالذات إذا كان ذلك
موثق ضمن خط حضاري لا يتجاوز النفس والغاية العلميتان فهذا لا يشكل أي
تحسس من وجود لغة أجنبية في اعتماد تعلمها ضمن الدراسات الجامعية
المتخصصة مثلاً.
والعربية التي هي اليوم إحدى لغات هيئة الأمم المتحدة المعتمدة في
مكاتبها لها من المرونة والطواعية بحيث أصبحت تساير وتواكب ما يفرزه
انفجار الثورة العلمية والتكنيكية من مفردات وتعابير بنفس الوقت الذي
لم تنتهج فيه اللغة العربية عبر دوائرها المختصة إلى إلغاء أي لغة
أجنبية من التداول داخل المجتمعات العربية مما يدل أن نظرة العنصرية
اللغوية لا تعشش في أذهان القائمين على مجامع اللغة العربية بيد أن
تضخيم حجم اللغة العربية أمام اللغات الأخرى مسألة لم تحدث بسبب مظهر
المدنية في المجتمع العربي عموماً الذي يلمس كل يوم كم هي للغته
العربية من الاستطاعة على المواكبة لاستيعاب المفردات والمعاني الجديدة
وبكل سلاسة. |