وصف شاعر مصري قصيدة التفعيلة ذات الوزن والايقاع بأنها لا تناسب ما
وصفه بالضغوط العصرية التي لا تترك للشاعر فرصة أو رفاهية صنع نغمة
وايقاع قائلا ان الشعر الان تنقصه الحرية.
وقال محمود خير الله في شهادة ملحقة بديوانه الشعري (ظل شجرة في
المقابر) الذي أصدرته دار البستاني بالقاهرة انه يطمح الى وجود قصيدة "تمارس
هيمنتها في قراءة المشهد اليومي من دون أن تفتعل لنفسها قفصا جديدا مع
اللغة."
وحث الشعراء الى تجاوز ما وصفه بالبلاغة التقليدية التي شبهها
بالحارة الضيقة وصولا الى رؤية أشمل للشارع الواسع مشيرا الى أن
متغيرات عالمية في أربعينيات القرن العشرين هزت القصيدة العربية وأدت
الى كسر عمود الشعر على أيدي رواد منهم العراقيان نازك الملائكة وبدر
شاكر السياب (1926 - 1964).
وشدد على وجود قاريء لقصيدة النثر التي قال انها "ستوقظ قارئها
النائم بداخلها. ستوقظه بالرفق لا بالشدة مثلما توقظ شجرة عابر سبيل
منهكا نام تحتها. بالورقة التي تسقطها فوقه سيصحو لا بسقوط الشجرة كلها
فوقه."
وظهرت قصيدة النثر في لبنان منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين على
أيدي شعراء منهم أنسي الحاج وأدونيس وساد هذا النوع الشعري في معظم
بلدان العالم العربي في السنوات الاخيرة ورغم ذلك تلقى قصيدة النثر
تشكيكا في مصداقيتها ابتداء مما يعتبره بعض المثقفين تناقضا في اسمها
الذي يجمع النثر والشعر معا.
وفي الشهادة التي حملت عنوان (قصيدة النثر.. بيان شخصي) دعا خير
الله الشعراء الجدد الى رعاية "قصيدتهم مثل أم لانها (القصيدة) ستظل
محاصرة حتى تجد نفسها في الشارع يترنم بها شاب في مظاهرة من مظاهرات
الجوعى التي ستنفجر ذات غد قريب."
ومضى قائلا "الاكاذيب ضاقت علينا تماما كما ضاقت قصيدة التفعيلة."
وتساءل عن جدوى حاجة الشاعر الى صنع نغمة وايقاع وهو يكتب قصيدة عن
ظلم لحق به أو كان شاهدا عليه "أنا بحاجة الى الحرية."
وأضاف أنه بعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 وما لحقها "تبعثرت
أشلاء تفعيلتها (القصيدة) وتاهت وسط الغبار السياسي.
"داخليا لم تهمل قصيدة النثر قضية الصراع الاجتماعي. وتأمل أهوال
الحرب الاهلية اللبنانية في ديوان (الشاعر اللبناني) وديع سعادة (بسبب
غيمة على الارجح)."
واتهم خير الله القصيدة العربية بالغياب عن الدفاع عما وصفه
بانسانية المواطن العربي كما اتهم نقاد الادب باهمال قصيدة النثر التي
قال انها تتكفل باحياء الضمير الابداعي وتؤرخ لانهيار النخبة الحاكمة
والناقدة "اكتب هذه القصيدة يا صديقي واقذفها في وجه النقاد."
وشدد على أن قصيدة النثر التي وصفها بامتلاك النضج والحرية والرغبة
في التمرد والكشف "ان لها أن تعود الى ناسها الفقراء وأن تعيد ترتيب
الحقائق الشعرية المبعثرة على الخريطة الشعرية العشوائية الموجودة الان."
وقال ان الشعراء يثورون أولا "وبعدهم الفلاسفة والسينمائيون
والموسيقيون والمثقفون والجنود والمتعلمون والموظفون والفلاحون."
وأشار الى أن للفنون دورا في الاحتفاء بالانسان والدفاع عن كرامته
وأنه على مدار تاريخ الشعر العربي "لم تضعف القصيدة العربية الا عندما
تعالت وتعامت عن الام الناس للتحدث عن الام الشاعر مع اللغة. تضعف
القصيدة حينما يضعف الوعي الطبقي لدى الشاعر."
وقال انه يتمنى للقصيدة العربية أن تجري على قدمين هما خبرة الحياة
وخبرة الجمال المشروطتين بايقاع اللحظة التاريخية الراهنة نافيا أن
تكون القصيدة المنتظرة في "شكلها الارقى" شكلا واحدا أو قاموسا شعريا
مكررا.
وأضاف "لا نريد أن نؤبد الشعر في قصيدة النثر. ننتظر أن تتطور هذه
المجتمعات العربية لتتطور معها القصيدة والفنون جميعا."
ولخير الله ديوانان سابقان هما (فانتازيا الرجولة) و(لعنة سقطت من
النافذة).(رويترز) |