ما أكثر بلاءات السياسة في هذا العصر المتراجع عن خط الإنسانية
وبرنامج (نقطة حوار) المذاع باستمرار من قبل هيئة الإذاعة البريطانية
B.B.C ما زال يطرح محاوره على أمور سياسية واجتماعية وغيرها ولكن
المحور العراقي يحظى باختيارات أكثر مما يقتضي تسليط بعض الضوء على
طريقة حواراته الحية.
برنامج نقطة حوار الذي بدأ يبث حلقاته بصورة ملفتة لانتباه مستمعي
الإذاعات والذي بدأ بتقديمه أول الأمر المذيع (حسام السكري) في الفترة
المقاربة لسقوط نظام صدام حسقيل التكريتي وفريقه السياسي الإرهابي كما
يعتمد على مشاركة جمهور المستمعين للإدلاء بآرائهم وانطباعاتهم حول ما
حدث أو ما قد يحدث بحسب تصورات الذين كان يتم الاتصال بهم تلفونياً...
وللحقيقة فإن في هذا شيء من الديمقراطية لكن العلة كانت ومازالت باقية
أن كل من لديه كلام (أي كلام) ممكن أن يدلو به مع تناسي البرنامج أن
الذين قد كوى النظام الصدامي ظهورهم من العراقيين يستغربون أن تتاح فرص
ذهبية لهؤلاء الثرثارين الذين يبنون تقييماتهم الوقحة لصالح تبييض وجه
النظام السابق نكاية بحقوق الشعب العراقي المهدورة.
إن الثرثارين الذين تدور حول طروحاتهم أسئلة عديدة يمثلون حالة خطرة
يتبناها برنامج مازال يجازف بسمعته أمام العراقيين الوطنيين الحقيقيين
الذين رضوا بالمرارة الأقل من المرارة الأكبر والمتمثلتان بين مرارة
قبول الاحتلال الغربي الأجنبي المباشر للبلاد ولكن مؤقتاً وأمام رفض
الاحتلال الأجنبي اللامباشر للبلاد الذي كان واقعاً إبان عهد حكم
الفريق الصدامي العميل.
ومن يتابع برنامج (B.B.C) يلاحظ أن كل من هب ودب لكي يتقول ما يشاء
ودون أن يعرف ما حل بالشعب العراقي تماماً وبالذات عدم إطلاعه على
تفاصيل تجربة الشعب في العراق مع سلطته الصدامية السابقة التي عاملت كل
عراقي شريف كـ(خائن) وكل عراقية شريفة كـ(خائنة) إذ أن بعض هؤلاء
المتطفلين على الحقيقة التاريخية يحاولوا أن يصححوا معلومات الشعب
العراقي عن جرائم النظام بحقهم وكأنها لم تقع وبعضهم يعيب على الشعب
العراقي كونه قد أيد مؤقتاً عملية التغيير التي حدثت في العراق في
نيسان 2003م وهذا ما يتطلب من محطة (B.B.C) عدم إشراك غير العراقيين في
الحلقات الخاصة بالشأن العراقي إلا أنه لا بأس من مشاركة أناس معروفين
على المستوى الإعلامي العربي أو الأجنبي ولكن مع تهيئة من هم بمستواهم
الإعلامي من العراقيين للرد عليه.
إن استمرار بث برنامج نقطة حوار حول العراق دون التفاتة إلى حقيقة
كون الشعب العراقي خصم تاريخي لحكم صدام حسقيل وفريقه السياسي فيه عدم
استيعاب لما جرى في العراق من انعكاسات هائلة على مصير ومستقبل
العراقيين وما قدموه من ضحايا النظام السابق البالغ عددهم بما لا يقل
عن (4) ملايين ضحية من غير السياسيين.
لقد ثبت من خلال عدة محاور طرحها برنامج (نقطة حوار) والتي كان
آخرها استجماع الآراء حول مقررات مؤتمر شرم الشيخ الذي جرى مؤخراً حول
أوضاع ومستقبل العراق أن لا وجود للمتكلمين العربان أي قدر من العدالة
أو فهم الواقع العراقي المرير الذي كان سائداً ضد شعب العراق إبان فترة
الحكم السابق من جرائم وتجاوزات ضد المواطنين الأبرياء والتي فاقت حدود
التصور.
والعراقيون الأصيلون الذين بودهم أن يسمعوا من يتفهم فعلاً قضيتهم
وظروفهم السياسية السابقة والآنية والمستقبلية هم في غنى أن يستمعوا
لعرباني جهول كي يعرف لهم هوية النظام الصدامي الاستعماري وكأنه كان
نظاماً وطنياً! |