ليس الكلام المدون بهذه المادة الصحفية بحثاً عن نظرية لغوية بقدر
ما هي محاولة للإفهام بأن التفكير في موضوع يمكن الإشارة له على كونه
دعوة (للتنمية اللغوية) ممكن أن تعتمدها أي لغة ناجحة ضمن خط طموح
سيادتها أكثر من بين اللغات.
تنمية اللغة الوطنية بأي مجتمع هو طريق علمي طويل ذلك أن التغييرات
الممكن استحداثها على أرومة اللغة الحية أو بعض تلك الأرومة تحتاج إلى
فترات زمنية مبرمجة ذلك لأن اللغة كـ(علم) لا تتحمل الطفرات على حين
غرة قبل دراسة الجوانب المتعلقة في قابلية المجتمع المعين على استيعاب
مثل هذا الأمر الذي يتعلق بوسيلة التفاهم لديه التي تتقدم على أية
وسيلة عقلية أخرى وهذا ما يمكن أن يدفع بالتنوه أن تهيئة الظروف
النفسية والتنسيقات العلمية بين المؤسسات اللغوية وبقية مرافق
المجتمعات المدنية الناطقة بلغة واحدة أو أكثر كي يختار المناسب من
الصيغ المرحلية التي تنتهي بأن بذل خدمة حقيقية للأخذ بتقدم اللغات
الوطنية هو أفضل من الاكتفاء بالاعتداد بها كـ(لغة توصف بكذا وكذا من
حبها).
وإحداث تغييرات إيجابية على أي جانب من اللغة الوطنية هو حماية لها
في معركة الحروب اللغوية المعاصرة غير المعلنة حتى الآن. ومن هذا الفهم
يمكن للغة المعنية أن تحقق نجاحاً قياساً لجانب لم يكن أحد منتبهاً له
فمثلاً أن قواعد اللغة الألمانية تتقارب مع قواعد اللغة العربية من حيث
الصعوبة بكل منهما وهذا ما يقتضي من كل لغة تعاني من صعوبة بأحد
مجالاتها أن تدرس ما يعتريها من مصاعب. أما الصعوبة في اللغة
الإنكليزية التي توصف ضمن الدعاية الببغاوية على كونها لغة سهلة فهي
ليست سهلة لكن فروض تعلمها بين البلدان المستعمرة لبريطانيا سابقاً أو
حاضراً والذي جعل مظهر سماعها أو دراستها في مناهج التعليم وتوثيقها في
الأفلام المصدرة إلى البلدان الأخرى غير الناطقة بالإنجليزية كـ(لغة
أولى) جعل الموآلفة لتقبل الإنكليزية بحيث تبدو وكأنها سهلة.
إن الإفتاء اللغوي باعتبار الإنكليزية لغة سهلة ليس هناك دليل واحد
يمكن أن يؤيد ذلك فمثلاً أن نظرة على واقع حال تعلم الطلبة العرب في كل
البلدان العربية تقريباً حيث أن الإنكليزية هي اللغة الأجنبية الوحيدة
المختارة للتعلم في كل مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية
يتخرج الطلبة بعد تعلمها على أيدي معلمين ومدرسين متخصصين لكن هؤلاء
الطلبة غالباً ما يكونوا غير قادرين على المحادثة بالإنكليزية مع فترة
تعلمهم لها لم تقل عن ثمان سنوات فلماذا؟! أليس في ذلك صعوبة لإجادة
ألفاظها (مثلاً). هذا ناهيكم عن تصاعب قواعدها وكتابتها أيضاً فبأي شيء
يمكن تقييم الإنكليزية على كونها لغة سهلة؟!
إن الاعتداد باللغة الوطنية هو حق حضاري مشروع بكل لغة لكن من
السابق لأوانه أن تفرض معالم وضوابط لغة غير معروفة على مجتمع آخر تحت
تأثير سياسات الفروض وعالم السياسة غير الخال من المآرب غير الطبيعية
والبحوث في اللغة ينبغي أن لا تؤسس للغزو اللغوي على الآخرين عبر
استغلال حالة الاضطراب الاجتماعي أو الثقافي.. مادامت الآفاق الحضارية
خصوصاً بهذه المرحلة الممتازة الانفتاح بين المجتمعات التي تقضي تفاهماً
لغوياً علمياً يحفظ لكل لغة وطنية أن تكون الأولى بين أفراد مجتمعها
وبذاك فقط سيمكن القول أن لا إسفاف في الاعتداد المغالى به لأي لغة
سواء كان الناطقين بها أقوياء أم ضعفاء؟! |