لم يستطع المستشار الألماني غيرهارد شرويدر أن يخفي مشاعره تجاه
مسألة حجاب المرأة في ألمانيا وأن يبقى صامتاً أكثر مما صمت، فلم يكن
منه إلا أن يظهر كغيره من الغربيين مخاوفهم التي تنبئ عن العقلية
الحذرة تجاه الأمور الحساسة كأمر الحجاب.
وقال شرويدر في مقابلة مع محطة التلفزيون الألمانية شبه الرسمية (زد
– دي – اف) إن من الأمور التي يمكن التسامح بها وقبولها ارتداء الصبية
المسلمة حجاباً أثناء تحركها في المجتمع.
إلا أنه أكد في الوقت ذاته على أنه (إذا رغبت فتاة مسلمة في أن
ترتدي حجاباً أثناء عملها في المؤسسات العامة والأخرى الحكومية فإنني
أرفض ذلك) وقال: إننا ننتظر أمراً آخر للارتداء.
وكرر شرويدر رفضه لتكوين مجتمعات ثانوية داخل المجتمع الألماني
داعياً إلى ضرورة دمج الأجانب في شرائح المجتمع الألماني مع ما يلزم
لذلك من تعلم اللغة الألمانية والمقدرة على النطق بها. وشدد على أن كل
أجنبي يرغب في العيش في ألمانيا فأنه يجب عليه أن يحترم قوانين البلاد
ودستورها مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يتعين كذلك أن يكون هناك احترام
متبادل بين الثقافات والأديان وبذل الجهود في بناء مجتمع قادر على
التعايش السلمي بين مختلف الفئات الاجتماعية.
وما اندفاع الكتل النيابية للاتحاديين المسيحيين الديموقراطي
والاجتماعي وغيرهم من السياسيين من مختلف الأحزاب المحافظة بالمطالبة
بوضع حد للتطرف والتعصب الديني وضرورة إلقاء الخطب بالمساجد باللغة
الألمانية بدلاً من اللغة العربية إلا تحذيرات واستعداد لاختراق حدود
الديمقراطية المزعومة في الغرب. إضافة إلى تأكيدات المستشار شرويدر
بأهمية استعداد المسلمين المقيمين للاندماج في المجتمع الألماني بصورة
أكثر من ذي قبل، وأنه من غير الممكن أن يتم القبول بتكوين ديمقراطية
خالية من القوانين أو تكوين مجتمعات ثانوية داخل المجتمع الألماني
موضحاً بأنه لا يسمح لأي ثقافة بالانفصال عن التماسك الاجتماعي في
البلاد.
ومن ازدياد الآراء المتشددة والنزعات المتطرفة في أوروبا والدعوات
المتكاثرة للعودة إلى الجذور المسيحية للمجتمعات الغربية والتنظير لها
وكسبها أثواباً تقدمية وحضارية حتى لو استلزمت التشدد والتطرف ضد
الديانات الأخرى والجاليات الأجنبية – وغيرها من أساليب الضغط
والمواجهة نرى اقتراب موعد دفن الديمقراطية والحريات الدينية وضحالة
الإيمان بمتطلبات الديموقراطية فمن أول عاصفة في الطريق انقلبت الدنيا
في الغرب وتبدلت الآراء والأيديولوجيات الاستراتيجية والنظرات
التسامحية وأصبحت العودة إلى الجذور العصبية هي الحل الأمثل، بل الفكر
المنصف أو المنفتح قد أربك وأزيح من الواجهة وتسيد أصحاب النعرات
العقائدية الميالة للحرب والعنف كما في خلفية الذهنية الغربية من ضرورة
تشويه صورة (الغير) الإسلام والمسلمين ليكون الآخر المسوّد المنهوب هو
مقلوب الصورة المثالية للغرب المعتدي وبذلك يجد المعتدي لنفسه التبرير
لارتكاب المجازر الوحشية ضد الإنسانية وفي الوقت نفسه يكسب الثروة
وراحة الضمير، ومن هنا أصبح الإسلام ديناً يملؤه العنف والشهوة يقوم
على السيف، كما تقوم حياة المسلمين على السرية وقهر المرأة بالحجاب
الذي لا يعدو أن يكون فجوراً أخلاقياً مستتراً، وقد تواترت هذه النظرة
حتى حكمت العلاقة بين الغرب والإسلام لتجعلها علاقة تقوم على السيطرة
وليس الفهم، تعاونت في ذلك مؤسسات الفكر ومؤسسات الحرب في الغرب، لتقوم
الأولى بجمع المعلومات الضرورية عن الإسلام والشعوب الإسلامية والعربية
وتأويلها بحيث تخدم أهداف مؤسسات الحرب الحاكمة في الغرب، على أن تقوم
مؤسسات الحرب بحماية نتائج هذه التأويلات والاستخلاصات الملتوية التي
تقوم بها مؤسسات الفكر الغربية وتثبيتها لتصنع بذلك نمطاً (للاغيار)
المسلمين ونمطاً للإسلام لا يمكن الفكاك منه، حتى ليستقر في وعي كثير
من المفكرين ورجال الساسة الذين عرفوا بالاستقلالية والموضوعية تلك
الأفكار المشوهة عن الإسلام كدين عنيف لا ينبغي التسامح بشأنه وعن
المسلمين كبشر ناقصين مقموعين فكرياً وغير قادرين على التفكير الفلسفي
المجرد.
من المؤسف أن هذه الخلفية الفكرية المنحطة عن الإسلام مازالت ذات
تأثير كبير على الشرائح المثقفة والساسة في الدول الغربية إضافة إلى
استغلالها في المؤسسات الاقتصادية الحربية وبيع السلاح مما يبرر حالة
الخوف من التوتر والعنف المتسلط على الفكر الغربي إنتاج المزيد من
السلاح وإنعاش سوق السلاح. |