يهدف الغزو الغربي إلى مسخ وطمس الهوية الوطنية والإسلامية، ويرتكز
هذا الغزو على آلية الإختراق ضمن خصائص وسمات معينة، تبتني على
أيدلوجية علمانية مادية، والتي تجعل المصلحة الذاتية النفعية لشريحة
محددة على حساب شرائح المجتمع المختلفة.
ومن أجل الوقوف على أهم ما يجب علينا أن نعمله حتى لا نكون ضحية
لذلك الغزو، فلابد من البدء بالمقاومة والتصدي للخطر المرتقب على
مستويات مختلفة تكافئ أو تفوق حجم وتنوع طرق الغزو وأساليبه المتعددة،
ومن أهم واجباتنا في المرحلة الراهنة:
1- التعريف بهوية الأمة: فالكثير من الجيل يعيش غربة في وطنه فلا
يعي شيئاً من تراث الأمة وسماتها وتاريخها، بل تجدهم مدركين عارفين
بأسماء النوادي الأوربية لكرة القدم وأسماء الفنانين والمطربين في حين
يجهل أكثر ما لدى أمته من رموز ومآثر وتجارب وقيم وعادات فضلاً عما
تعيشه من قضايا وإشكالات وتطلعات ومحن ونحوها.فكيف لأمثال هؤلاء أن
يقاوموا ويصمدوا أمام ذلك الغزو المتقدم بإمكانياته وتخطيطه وأدواته ؟
ومن المعلوم أن مسؤولية التعريف بهذه الهوية يقع على كأهل الجميع
ممن يعملون في حقل التثقيف والتعليم والإرشاد،كالتدريسين والأساتذة
وأصحاب المنبر والوعاظ ونحوهم ممن يحاورون شرائح مختلفة،ومتباينة في
الثقافة بتلك الهوية.
2- ملأ الأوقات: إنَّ من اخطر ما يوقع الإنسان وخاصة الشباب منهم
كضحية للغزو الثقافي وإتباعهم الإعلانات المثيرة ذات الإغراءات
المتنوعة، هو الفراغ الكبير الذي يصعب للشاب بحكم تجربته الضئيلة أن
يشغله لفترات طويلة دون مرشد أو معين.
أن توفير فرص العمل والتعليم والرياضة والمساهمة بإقامة المهرجانات
والتجمعات الدينية الروحية والثقافية الفكرية والرياضة البدنية
والترويحية الترفيهية، مما يسهم في ملأ ذلك الفراغ الذي يعاني منه
الأعم الأغلب من شبابنا ويعود بالفائدة على تلك الشريحة المهمة،
ويجعلها أهلا للمسؤولية وينمي فيها القابليات بعد أن يستقر بهم العمل
والنتاج لكل خير ويبعدهم عن الضياع الفكري والعلمي فلا يكونون ضحية لكل
فكرة طارئة أو أمر دخيل.
3- تنمية المواهب: إنَّ التنمية بأبسط تعريفاتها هي استغلال الموارد
للحصول على أفضل النتائج وأكثرها فائدة، وعليه فأن المواهب البشرية
التي لدينا لا تقل - أن لم تزد – عن مثيلاتها في أكثر البلدان رقياً
وحضارةً، أنما الذي ينقصها هو عملية تنميتها وتشجيعها، فقد عمد نظام
صدام البائد على قهر ومحاربة كل أشكال الإبداع و التجديد و التطوير
والانفتاح إذا لم يصب في بوتقة و فائدة نظامهِ الإجرامي و بعثهِ الهرم،
مما أدى إلى تدهور المسيرة العلمية في عراقنا لعقود من الزمان، وصارت
سمة الهروب و الهجرة من قبل العقول المبدعة و المنتجة ظاهرة واضحة
للعيان.
ومن ذلك فأن علينا تشجيع كل الطاقات الفكرية التي تعزز مكانة بلادنا
بين البلدان، بإقامة احتفالات ومهرجانات لتشجيع وتكريم المبدعين وإجزاء
العطاء لهم حتى لا نسمح للغرب وغيرهِ بالاستحواذ على عقولنا ومفكرينا
بل نكون من البلدان التي يحط فيها العلم وينمو ويزدهر وهذه من مهمات
مؤسسات البحث العلمي والجامعات المختلفة والساسة الإداريين كما هو جلي
وواضح.
4- رفع مستوى الوعي الديني: لابد لنا في مرحلتنا الحالية من إظهار
السمات الحقيقية للإسلام بلا تطرف وعصبية وبالاعتماد على أسلوب الحوار،
مع المحافظة على الأسس العامة والمفاهيم الأصيلة والقيم النبيلة للدين
الحنيف 0
فمنذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ظهرت الكثير من الدعاوى التي
تبغي وتدعو للتكيف مع تطورات الزمن عن طريق ( عصرنة الإسلام ) أي جعل
الإسلام بصورة عصرية وقد اتبع ذلك ضجة كبيرة آثارها العلماء والمفكرون
الإسلاميون لغيرتهم على دينهم وقيمهم، وحقا أن تلك الدعاوى إنما تبغي
تحويل الدين إلى سلوك وأيدلوجية توافق مفاهيم العصر على حساب الأسس
والقيم والعادات، حتى تفرعه من محتواه الجوهري فليس على المسلم كما
يدعون آلا أن يصلي ويصوم فقط !
إنَّ الإسلام بما ضمَّ من أحكام وقيم وأخلاق يعدُّ المعين الخصب لكل
الباحثين عن سبل السعادة للبشرية، فالإسلام يدعو إلى المحبة والإخاء
والتفاعل الحضاري والتعايش السلمي واحترام الآخرين ويقف في نفس الوقت
أمام الإرهاب والعدوان والجريمة والعصبية والعنصرية والشذوذ ونحوها من
الأمور التي جرعت العالم ألواناً من المصاعب والمحن والآلام والأزمات،
وكل هذا منحا جاء به الرسول محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بلا
زيادة أو نقيصة فهو لا يحتاج إلى تكيّفٍ مع الزمن ( كما يرى البعض )
فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة 0
إنَّ مسؤولية تطوير العمل الإسلامي الأصيل يقع على عاتق جميع
المسلمين من علماء ومفكرين وساسة وإداريين، فعليهم جميعاً تفعيل دور
المعاهد الإسلامية ابتداء من المساجد والحسينيات حتى أكبر المؤسسات
والجامعات الدينية، وبما يساعد على رفع الوعي الجمعي للمسلمين كي يقفوا
برجه التيارات الدخيلة ذات التوجهات النفعية الخاصة أو الاستعمارية
الطامعة، والتي ستنتهي بنا إلى الضياع والتقهقر بدل الرقي و النهوض 0
5- تفعيل عملية التبادل الثقافي وفتح القنوات للحوار بين الحضارات:
فبالحوار وحده يمكن للحضارات أن تلتقي وتتلاحق وتثمر نتاجاً يسمو
بالبشرية ويرقى بالفكر من أجل قيام الشعوب وخلاصها وتطورها، فالتفاعل
الذي يبنى على قاعدة الحوار المتوازن ومن دون إقصاء واحتقار أي فكرة
مثمرة ودون الخضوع للآخرين فينتج احتقار وتعبدا وذله للذات 0
وقد ازدادت محاور النقاش منذ سنوات لدى المثقفين حول دور الحوار بين
الحضارات كمقدمة للتفاعل الحضاري البناء في قبال العولمة التي تسعى
للهيمنة على جميع الأبعاد والمستويات وتحديد الرؤى والتصورات الحاكمة
على الشعوب جميعا سواء كانت أخلاقية أو اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية
0
إنَّ تأصيل الأيدلوجية المستندة على الحوار بين الحضارات كأساس عام
جوهري للقيام والتواصل الحضاري في عالمنا المعاصر يعدُّ من أولويات
المهمة التي نروم أن تظهر على الساحة العلمية كبديل للصراع الحضاري
وظاهرة القسر والجبر والفرض للأراء والتطلعات من أجل خداع الآخرين
واستغلالهم تكريساً للهيمنة والنفوذ 0
6- الاهتمام بالمناهج التربوية و بناء جيل من المدرسين يعي عملية
التغير الأفضل النابع من بناء الفرد بناءاً علمياً وروحياً بما يعزز
الوجود الأفضل وتأصيلاً للتفاعل الجاد للتغيير الكلي من خلال الانطلاق
من تغير الفرد داخلياً ( التغير النفسي ) حتى يحصل التغير الجمعي نحو
رقي والتكامل وحسب ما أفادة الآية الكريمة (( أن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم)).
7- تعزيز الروح الوطنية: فمجتمعنا يعاني من ضعف في مستوى الإنتماء
والشعور الوطني، وربما يعود السبب الأساس إلى الدور الذي مارسه نظام
البعث في العراق، والذي صير مفهوم الوطنية حكراً على السلطة الحاكمة
وأجهزتها فقط، فأصبح أفراد شعبنا ينظرون إلى الوطنية من هذا الباب،
الذي لعب جهاز التربية التعليم من خلال مناهجه دوراً كبيراً في صيرورة
الذهنية لهُ على ما هي عليه الأن.
وقد ظهرت أول البوادر الخطيرة لهذه الظاهرة في عمليات السلب والنهب
للمؤسسات والدوائر الحكومية وكذلك في عملية تقديم المصالح الشخصية
الفئوية الخاصة على المصالح العامة، وذلك بعد انتهاء حكم الاستبداد
والظلم لنظام البعث الكافر. فكان لزاما علينا أن ننبه إلى هذه الحقيقة
والوقوف باتجاه إحياء الحس الوطني لدى الأفراد والتوعية والتأصيل لعرى
المواطنة لدى أبناء شعبنا، مع تبيين ما هي الواجبات التي يجب مراعاتها
تجاه الأوطان، في حملات إعلامية وبرامج ثقافية واسعة وحسب الطاقة
والمواد المتوفرة.
أن عملية التربية الوطنية للشعوب لا يمكن أن عفوية بلا تخطيط ممارسة
نابعة عن تجربة وريادة وعمل جاد يرتكز على وعي ودراية بأساليب العمل
الناجح مع تفعيل لأهم الموارد الفكرية والطاقات الفاعلة حتى نصل لأثمار
كبيرة والأهداف العظيمة في الأوساط التي يحكمها التخلف والتقهقر
والضياع من الجانب العلمي والتخبط واللامبالاة من الجانب السلوكي حتى
نوصل العملية إلى هدفها من مقارعة الغزو المرتقب بنجاح وتوفيق.
8- تحقيق عملية التعايش السلمي بين فئات المجتمع وطبقاته، فأعدائنا
يحاولون جر البلاد إلى معارك جانبية حتى يسهل عليهم عمليات الاختراق
والتسلل، وذلك من خلال زرع بذور الفتن الطائفية والقومية ونحوهما، وذلك
بضرب البعض بالآخرين، خاصة بعد وعينا باختراق العدو للكثير من مؤسساتنا
وتياراتنا وحركاتنا الوطنية والإسلامية.
فلكي نحقق مرحلة التعايش السلمي الضروري لبلادنا وخاصة في المرحلة
الحالية، أن نبحث عن نقاط الاشتراك بيننا وبين الآخرين ونتجنب كل أمرٍ
يدعو للاختلاف والفرقة ونقف في الوقت نفسه أمام الذين يثيرون الخلاف
سواءاً كان طائفياً أو مذهبياً أو قومياً، من اجل صد بوادر الفتن التي
يحاول الكثير تأجيجها لكي تستمر منافعهم الخاصة ومكاسبهم الذاتية، من
دون المبالاة أو اعتبار لما تجره هذه التنازعات على واقع الأمة من
مخاطر وويلات.
9- نشر ورفد الفكر الهادف: من خلال المؤتمرات والندوات التثقيفية
وإقامة معارض الكتاب العامة، على أن يكون الفكر المطروح ميدانيا وذا
فائدة بعيدا عن الترف الفكري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والتركيز
على نشر وبث الفكر الإسلامي الرسالي خاصة للكتاب المعاصرين من أصحاب
الفكر الإبداعي والطرح التجديدي والسمات الناهضة، والتي تظهر عملنا
وتوجهاتنا بالشكل المطلوب خلافا لما يدعيه أصحاب الفكر المتغرب من رؤى
ضد الدين والوطن.
كل هذا في وقت يحاول الغرب طرح فكرة الذي يعتمد على أيدلوجية
المادية فقط، والذي يصور بالتالي عاداتنا وتراثنا وديننا بأنه رجعي
يسعى بنا نحو التقهقر والتخلف، أو انه يعتبره مخدراً للعملية التطورية
والنهضوية للشعوب، مما يفرز لدى المتلقي لهذه الاطاريح سمة العداء
للأديان والشعور بعدم المبالاة بالعادات والمعتقدات.
وهذه المسؤولية تقع على عاتق جميع وسائل النشر والإعلام من دور
النشر والمطابع والصحافة والقنوات التلفازية والشبكات الانترنتية مضافاً
إلى مسؤولية الحركات الرسالية والتي تتصدى لهكذا ادوار وفضلاً لدور
المؤسسات الدينية أيضاً.
إنَّ عدم الإسراع في هذه العمليات يفرز للواقع سمات الإستسلام
والخضوع والقبول بأي أطروحة مقدمة من السلطات الغربية المحتلة ويفقد
شعبنا خصائص التفاؤل بمستقبل أفضل، فيجب الإسراع والمبادرة بلا تسويف
إلى مقاومة ذلك الغزو حتى تترتب الثمار العملية بما يرفد المستقبل
بالامال المشروعة وبما يعود نفعه على الجميع مع الحفاظ على خصائص الأمة
وهويتها للنهوض والتطور.
*مدير المركز الثقافي في الزبير |