بدأت أعمال التمرد في العراق مع الغزو الأمريكي في مارس عام 2003
واكتسبت قوة دفع بعد سقوط نظام صدام حسين عندما تحركت الولايات المتحدة
لحل الجيش العراقي ولتنفيذ سياسة شاملة للتخلص من حزب البعث. أقنع هذا
كثيرا من العراقيين - خصوصا العرب السنة - أنهم يوشكون أن يصبحوا ضحايا
لنظام ما بعد صدام، لا مشاركين فيه. دفعهم هذا إلى الانضمام إلى سواهم
من الساخطين في حرب للاحتفاظ بالسلطة المحلية وقلقلة الحكومة المركزية
الجديدة.
لا يفتقر العراق إلى السلاح والناس المدربين على استخدامه المصممين
على إلحاق الدمار بالمحتلين والعراقيين الذين يُعتقد أنهم يؤيدونهم.
وتتيح الحدود المليئة بالثغرات والأمن المحلي الضعيف والتبعثر السياسي،
للمتمردين العمل من دون خشية والتمتع بحماية من الغاضبين والخائفين من
أقاربهم والمتعاطفين معهم. ويقدِّر المسؤولون العراقيون عدد المتمردين
بما بين خمسة إلى 15 ألفا من العراقيين، يساعدهم بضع مئات من المتطرفين
الأجانب ذوي الجرأة والمهارات المميتة ، وربما شبكة دعم تتكون من عشرات
الآلاف من العراقيين.
يتوزع المتمردون بين فئتين رئيسيتين: وطنيون علمانيون يريدون العودة
إلى أسلوب الحكم الذي استفادوا منه لأكثر من 80 عاما، ينضم إليهم "الممرورون"
الذين لا رؤية معينة لديهم للعراق؛ والمتطرفون الدينيون الذين يريدون
تحويل العراق إلى دولة إسلامية. يطلب الجميع انسحابا فوريا للقوات
الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية ويهددون العراقيين الذين
يعتبرونهم متعاونين أو أن وطنيتهم أو إسلاميتهم ناقصة. عدا عن هذا،
المشترك بينهم قليل.
أغلب المتمردين ذوي التفكير الوطني هم من الموالين لصدام، وعسكريين
سابقين وأبناء قبائل على صلة بصدام وبعثيين متشددين. وتبدو أهدافهم
محدودة باستعادة السلطة المحلية من خلال حملة من الإرهاب هدفها قلقلة
العراق وحرمان الولايات المتحدة والحكومات العراقية اللاحقة من
الانتصار. ويتردد أنهم يتلقون دعما من القوميين العرب السوريين وبقايا
حزب البعث العراقي والعشائر و الروابط القبلية الممتدة التي تنتشر على
اتساع وسط العراق وشماله الغربي والأردن والمملكة العربية السعودية
وسوريا. كما يبدو أن كثيرين مرتبطون بالمتطرفين السُنَّة العرب الذين
يبدو أن نفوذهم آخذ بالانتشار في العراق.
المتمردون الدينيون العراقيون أكبر خطرا بكثير. فهم يضمون جماعات
سُنِّية وشيعية أتت بعد نهاية حكم صدام من سنوات من العمل السري أو
المنفى. وهم يشتركون في رؤية لعراق إسلامي يكون فيه القرآن والشريعة
هما المصدر الوحيد للقانون، وحيث تسود العدالة الاقتصادية والاجتماعية
(بالنسبة إلى المسلمين على الأقل)، ويكون النفوذ الأجنبي بأكمله قد
أزيل. وقد شكل رجال الدين السُنَّة المتطرفون ائتلافا سياسيا هو "هيئة
علماء المسلمين"، ويؤيدون الهجمات على قوات الولايات المتحدة. و تعيش
الفلوجة ومدن غيرها في قلب المنطقة السُنِّية تحت حكم إسلامي فعلي، حيث
ترتدي النساء حجابا كثيفا ويجبر الرجال على إطلاق لحاهم وتطبق القواعد
الصارمة للشرع الإسلامي ويحكم بعقوبات قاسية. وقد تدرب أعضاء إحدى
الجماعات، أنصار السنة، في أفغانستان مع "القاعدة". أما المتمردون
الشيعة، فهم أساسا هؤلاء المرتبطون بمقتدى الصدر، الزعيم الشاب ابن
العائلة الدينية المهمة، الذي وسَّع ما كان لوالده من قاعدة مؤيدة في
مدن المزارات الشيعية وأنشأ "جيش المهدي" لمهاجمة القوات الأجنبية
والزعماء المعتدلين. ويستمد الصدر التأييد أساسا من شباب العراقيين
المعدمين والغاضبين من أبناء المدن. وهو أقل شعبية في اوساط التيار
الشيعي الرئيسي التي تتطلع إلى المجتهد الأعظم آية الله علي السيستاني
من أجل التوجيه.
ويعتبر أبو مصعب الزرقاوي أشد المتمردين المتطرفين خطرا. ويقال إنه
متطرف إسلامي أردني تدرب مع القاعدة في أفغانستان، ويدعي المسؤولية عن
هجمات على أهداف أمريكية وأجنبية أخرى، بما فيها الهجوم الذي وقع في
أغسطس عام 2003 والذي قتل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في
العراق سيرغيو فييرا دي ميللو..ويظهر الموالون له كأنهم الأنشط في
المناطق التي يغلب فيها العرب السُنَّة في وسط العراق وغربه. وبينما
علاقة الزرقاوي الحالية مع أسامة بن لادن غير معروفة، فإن خبراء
الإرهاب يصفونه بأنه منافس لزعيم القاعدة، أكثر منه تابعا له. وقد
ألهمت نجاحات الزرقاوي مقلدين له بين متمردي العراق من المواطنين.
وسيواصل متمردو العراق تحدي قوات الولايات المتحدة وامتحان قوة
احتمال حكومات ما بعد صدام. ويحتمل أن يعارض المتمردون في قلب المنطقة
العربية السُنِّية الانتخابات المقرر إجراؤها في يناير عام 2005 وأن
يستخدموا الإرهاب لمنع مواطنيهم من التصويت. بينما سيحاول آخرون
التلاعب بالعملية الانتخابية لضمان انتخاب الناس الملائمين للبرلمان
الجديد وللجنة التي ستضع مسودة الدستور الجديد.. يضم هؤلاء المتمردون
الوطنيون والسياسيون الذين حرمتهم حكومة رئيس الوزراء إياد علاوي
المؤقتة من مواقعهم والموالين للصدر. والمتمردون أفضل تنظيما وتسليحا
من خصومهم.
وقد تؤدي جهود علاوي للتفاوض مع الموالين للصدر والزعماء السنة
الحضريين والقبليين إلى تنفيس الأوجه الأكثر عنفا في عمليات المتمردين،
لكنها لن تنهي الهجمات على قوات الولايات المتحدة والعراقيين الذين
يعتبرون متعاونين معها. سيتطلب هذا تعاونا من العراقيين في المدن
والبلدات في جميع أنحاء البلاد ممن أيدوا نشاطات المتمردين وعارضوا
المصالحة.
** جوديث س. يافهِ باحث متقدم للشرق الأوسط في معهد الدراسات
الاستراتيجية القومية بجامعة الدفاع الوطني في واشنطن. الآراء الواردة
هنا هي آراؤها الخاصة ولا تمثل سياسة الجامعة أو وزارة الدفاع أو أي
جهة حكومية أخرى
*عن نشرة الاصلاح العربي الصادرة عن معهد كارنيجي للسلام |