اذا كان الجهل قديماً سلاح المحاربين لكل
دين سماوي فإن العصور الحديثة قد رسخت السياسة كـ(مجال قوي) يعبر في
نهجه عن مصالح الأفراد والجماعات الذين يخشون سحب البساط من تحت
أقدامهم لصالح (الآخر) الذي قد يكون دينياً أو لا.
ونظرة تاريخية إلى العلاقات الدبلوماسية والسياسية وما أفرزت من
أحلاف وتحالفات دولية منذ حلول القرن العشرين الماضي ومروراً بحربيه
العالميتين الأولى والثانية إضافة للحروب الإقليمية والمحلية بأكثر من
إقليم ووطن توصل إن من يريد الاستفراد بامتيازات أكثر من الغير هو الذي
يتصنع الأسباب والمبررات وثم يشن الحروب تحت أي واجهة مناسبة إن ما
زالت ظاهرة التخلف البشري فيما يخص الوعي السياسي هي الغالبة في أي
مجتمع في العالم بحكم كون أكثر الناس غير سياسيين ولعل هذا يعتبر سبب
متقدم لكلي حقيقة الكثير من الاعتداءات والتجاوزات بين الدول القوية
والدول الضعيفة إذ لا توجد حتى الآن مؤسسة فكرية أو ثقافية تتابع كل
حالة يمر بها بلد ما بشكل محايد وعلمي لتدني كل مدان وحيث يتعذر وجود
مثل هذه المؤسسة (الأمل) ولظروف أخرى مساعدة ممكن حصر بعضها بحصول
الغرب على جيش جرار من الجواسيس الذين استطاعت بعض حكوماته تجنيدهم
لصالح تنفيذ سياساتها الخارجية عبر التدخل المباشر أو اللامباشر في
شؤون بعض البلدان.
فقد أفرزت خلاصة الساحة السياسية التي يقودها الغرب في العديد من
الدول أن الدول العلمانية أو الوطنية الحقة قد حاربها الغرب تارة
بالقوى الدينية المزيفة أو تارة بالقوى الدينية المخترقة حتى إذا انهزم
رمز الدول العلمانية (الاتحاد السوفيتي السابق) لوحظ أن الغرب أراد
بهذه المرة محاربة القوى الدينية المنتصرة بقوى أخرى علمانية غربية
موالية للسياسات الغربية ومنفذة لخططها ومثال ما جرى في أفغانستان مثلاً
إذ حارب الغرب الاتحاد السوفيتي بطابور القوى الإسلامية فتم تهزيم
السوفيت من أرض أفغانستان لكن سرعان ما ظهر أن تلك القوى الإسلامية
تعاني من خلل واضح في توجهاته الدينية ذاتها وأبسط ما يقال بحق هذه
الظاهرة في أفغانستان أن تطبيق الدين من قبل المسلمين في القيادة
الأفغانية السابقة كان يتم من منطلق (الإكراه في الدين) وليس كما تنص
الآية القرآنية الكريمة: (لا إكراه في الدين).
واليوم فلأن الكثير من الأوراق السياسية قد اختلطت وأحياناً لم يعد
هناك مجال للفصل بين من هو إيجابي ومن هو سلبي فإن نصرة الغرب السياسية
الحالية قد توجهت منذ سنين ليست قصيرة على اعتبار كل المسلمين (ونشدد
على عبارة كل المسلمين) هم إرهابيون فمثلاً أن الإدارة الأمريكية بعد
أحداث 11 أيلول بأمريكا التي ما تزال محط استنكار بلدي وإقليمي ودولي
كانت تصف المسلمين ودون تمييز بـ(الإرهابيين المسلمين) مع أن من قام
بتلك التفجيرات إن كانوا مسلمين عن حق لما قاموا بذاك الفعل الإجرامي
الشنيع وغاية الغرب من هذا الطرح اللايميز بين الإسلام الحقيقي الداعي
إلى السلام البشري وبين الإسلام المزيف الذي يدعوه من يعتقدون أنهم
مازالوا مسلمون ولا يجب التفريق بينهم وأكيد فإن الهدف من غرابة هذا
الطرح كي يستفرد الغرب بقيادة الشأن السياسي العالمي ولا يترك لأحد حتى
المشاركة بإبداء الرأي حوله وهذا ما يتعارض مع جوهر الدين كـ(عامل)
حيوي ممكن أن يقوم به المسار السياسي السلبي إينما تواجد. |