بين الإسلام وغيره من المبادئ الوضعية أن المواعظ فيه صادرة من باب
الالتزام العملي بشريعة الرب العلي القدير وهي شريعة متكاملة في دين
الإسلام وغير قابلة للطعن لأن فيها صلاح الفرد والعائلة والمجتمع.
المبادئ الوضعية غير الإسلامية مهما أوتيت من تزويق الكلام فيها
تبقى تدور في فراغ هائل فالإسلام الذي ولد حياً وانعكس على الضمائر
الحية أيضاً تواشجت بينهما لحظات الخيار الأفضل من أجل مرضاة الله وكسب
جنته والإسلام هو آخر منحة دين إلهي لبني البشر لذا لا عجب أن نرى
المواطن العادي الخاطئ في حياته يتقبل نصيحة رجل الدين كي يقلع ذاك
المواطن عن حالة يعيشها بسلبية ظرفها.
والمسلم الحقيقي الذي يقدم نفسه كـ(مثال جيد) للآخرين حين يقدم وعظه
للآخر فإن الآخر يتقبل منه ذلك بكل رحابة صدر فالمسلم الوعظي لا يقدم
وعظه على شكل مساومة على شيء بل يعطي شرحاً لحكمة يحبب أن يتم الالتزام
بها ووعظه ليس شعاراً يشبه بعض بيانات السياسة التي تفرض وعظيتها
بالتهديد.
والوعظ الإسلامي هو سمح بطبيعته وينطلق من حكم الإسلام وليس فيه أي
غاية سوى تطبيقاً للشريعة الإسلامية بكل مبادئها الفاضلة. وفي قراءة
المواعظ الإسلامية عبر ما نقله لنا التاريخ الإسلامي فإن أكثر ما قيل
يلاحظ فيه النفس العادل ومن يطلع على مراسلات الإمام علي (عليه السلام)
مع الخائن معاوية بن أبي سفيان الذي ارتد عملياً وعلنياً عن الإسلام في
عهد خلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يتبين أي وعظ عظيم كان ينبه
معاوية كي يرجعه عن غيه لكن الأخير كان قد ركب الشيطان عقله وأرجعه إلى
عهد الجاهلية وجاهلية أبيه (أبو سفيان) وجاهلية جده (حرب) الذين تحكمت
في عقولهم سفاهة الجاه الفارغ المستند إلى تخلف القبيلة. التي لم تضع
خلال كل تاريخها النقاط الصائبة على حروفها الصحيحة.
إن اقتراف الآثام والمخالفات الأخلاقية هي موضع اهتمام لدى بلغاء
المسلمين لهذا يلاحظ أن المنابر الإسلامية تكرر دورانها من فوقها
التذكير لهم بأن الله عز وجل عزيز حكيم ويغفر لمن طلب منه الغفران
والإسلام حقاً ذو اعتدال في كل ما يطرحه من مواعظ وفي إصرار رجال الدين
المؤمنين إشارة صارخة إلى أن دين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
الإلهي لم يأت إلا رحمة للعالمين ولهذا ففي وعظه كلمات تداعب روحانيات
الإنسان المسلم قبل غيره.
إن وصايا الإسلام فيها تصدير لسنن الله سبحانه وتعالى والوعظ فيه
مشروع نهضوي للنفوس وإنقاذاً لها مما قد يمكن أن يتعلق بها ومن تلابيب
الوعظ الإسلامي الأمر بالمعروف والإنهاء عن المنكر قدر المستطاع باليد
أو اللسان أو القلب فذاك أضعف الأيمان.
فالإسلام غير محصور بالمظاهر والطقوس وأداء الشعائر لكن فيه من
القيم ما يمكن لو اتيحت له الفرص الحقيقية لسعدت به كل البشرية دون
تفريق بين أسود وأبيض وغني وفقير وإذ ينبغي عدم تغييب البال أن أي فرد
أو فئة أساءت استخدام الدين ليس لها شيء من الإسلام فإن الحجة لتقديم
الوعظ تبقى رسالة المسلمين الحقيقيين في كل مجتمع وفي كل مكان وزمان. |