استضاف ديوان مؤسسة الامام الخوئي في لندن ضمن امسيات رمضانية،
ثقافية وأدبية وسياسية واجتماعية متنوعة، الصحافي والباحث العراقي نضير
الخزرجي قدم فيها ملخص بحث عن (موقف السنّة النبوية من نظم الشعر).
الامسية التي عقدت مساء الاثنين العاشر من شهر رمضان المبارك
(25/10/2004)، قدم لها الدكتور غانم جواد مدير اللجنة الثقافية في
مؤسسة الامام الخوئي في لندن، مشيرا الى اهمية الشعر في حياة العرب قبل
الاسلام.
في البداية استعرض الخزرجي، تاريخ الشعر العربي في العصور الغابرة,
ووقف عند الأبيات التي ينقلها الشيخ محمد بن علي الصدوق المتوفي عام
(381) هجرية والمنسوبة الى النبي آدم عليه السلام ومطلعها:
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الارض مغبّر قبيح
ومعارضتها من قبل ابليس, في قصيدة قصيرة مطلعها:
تنح عن البلاد وساكنيها
فبالخلد ضاق بك الفسيح
وذهب الباحث الى ان الابيات رغم انها وصلت الينا منذ اكثر من الف
عام، لكنها ربما حكت عن لسان حال، لانه لم يثبت على وجه القطع ان النبي
ادم تحدث العربية ولا ابليس نفسه.
وتطرق في جانب آخر من الامسية الى قيمة الشاعر بين قبيلته ومجتمعه،
مستشهدا بقول احمد محمد حوفي في كتابه (الحياة العربية من الشعر
الجاهلي)، حيث كان العرب قبل الاسلام :"لا يهنئون الا بغلام يولد، أو
شاعر ينبغ، او فرس تنتج"، فهي كما تفرح لمولد الذكر ومولد الفرس تفرح
لنبوغ شاعر منها، فالشاعر هو صوت القبيلة الناطق ينافح عنها ويدفع عنها
شرر اعدائها بلسانه، وتكن له احتراما ما بعده احترام، وهذا الاحترام
سرى الى يومنا هذا بخاصة في المجتمعات العربية العشائرية مثل العراق
حيث تقيم العشيرة وزنا لثلاثة من رجالاتها: رئيس العشيرة وشاعرها ورافع
رايتها.
وتطرق الباحث بالتفصيل الى موقف الشرع والنبي محمد (ص) من الشعر
ونظمه، متناولا قوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون) الى قوله تعالى (الا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما
ظُلموا)، ووجد ان النبي محمد (ص) لم يكن معارضا لنظم الشعر بصورة عامة،
وان ورد عنه الحديث (لئن يمتلئ جوف احدكم قيحا حتى يريه خير له من أن
يمتلأ شعرا)، مائلا الى قول الشريف الرضي الذي يعلق على الحديث بقوله:
(وفي هذا القول مجاز لان المراد به النهي عن ان يكون حفظ الشعر اغلب
على قلب الانسان، فيشغله عن حفظ القران وعلوم الدين حتى يكون احضر
حواضره واكثر خواطره، فشبّهه عليه الصلاة والسلام بالاناء الذي يمتلىء
بنوع من المائعات، فلا يكون لغيره فيه مسرب ولا معه مذهب). وذكر الباحث
شواهد عدة تذهب الى اهتمام الرسول محمد(ص) بالشعراء واطرائهم في اكثر
من موقع من قبيل قوله (ان من الشعر لحكمة) وقوله لحسان بن ثابت (ان روح
القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله)، والثناء اكثر من مرة
على الشاعر والمقاتل والصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، وقوله لاحدهم
عندما طلب من الرسول(ص) أن يأذن له بانشاد الشعر في حضرته: (ماذا يمنع
الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم)، ووجد ان سنّة
الرسول بأقسامها الثلاثة (قوله وفعله وتقريره) تثني على الشعراء الذين
يحملون همّ الرسالة الاسلامية وهمّ الامة الاسلامية.
واجرى المتحدث مقارنة بين قبول توبة من أهدر الرسول (ص) دماءهم
لشديد وقع لسانهم وشعرهم على الرسالة الاسلامية ونبيها، وبين قبول توبة
وحشي قاتل عمه سيد الشهداء حمزة، ففي حين قرّب هؤلاء فانه طلب من قاتل
عمه ان لا يريه وجهه.
ورد المتحدث شبهة نظم الرسول للشعر، فقد كان عليه الصلاة والسلام
اذا استشهد ببيت شعر ألحن فيه ولا يأتي به صحيحا. فالشعر ينطوي على
العاطفة والخيال والتشبيب، اي انه خارج الالتزام مثله مثل الرسم والنحث
والموسيقى كما يقول سارتر في كتابه (ما الأدب)، فالالتزام عنده (مرتبط
بالبحث عن الحقيقة، وليست غاية الشعراء استطلاع الحقائق او عرضها ولا
تسمية المعاني بالالفاظ، فهي اقرب للخيال)، والخيال والعاطفة في تبليغ
الرسالة ليستا من شخصية صاحب الرسالة الاسلامية فهو (ما ينطق عن الهوى
ان هو الا وحي يوحى) (سورة النجم:3و4) ثم (وماعلمناه الشعر وما ينبغي
له ان هو الا ذكر وقران مبين) (سورة يس الاية 69)، فليس من شأنه الشعر
ولا بضاعته، ومع هذا فكان(ص) يفتخر بقوله: (انا خير من نطق بالضاد..
انا افصح العرب)، وقال الامام علي(ع) الذي هو نفس النبي في البيت
النبوي العلوي (وانا لأمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدّلت
غصونه).
في نهاية الامسية جرت مناقشات ومداخلات عدة, ساهم فيها عدد من
الفضلاء والمثقفين والصحافيين، منهم السيد جواد الخوئي والصحافي معد
فياض والشيخ صلاح بلال، والسيد حيدر ابو كلل.
alrayalakhar@hotmail.com |