بيتنا العراق.. وطننا، مستقبل أجيالنا.. هذه الحقيقة التي يجب أن
لاتغيب عن أذهان جميع العراقيين لحظة واحدة.. الإنسان بلا وطن، يعني
أنه بلا جذور، بلا تاريخ، بلا مستقبل.. الانسان دون وطن، يعني أنه
مجهول المصير ويفتقد قيما عزيزة لا تجتمع إلا مع الوطن..
سنوات طويلة غاب عنا الوطن، أو غيبوه وقل صادروه واستعمروه،
فغابت عنا أشياء كبيرة كثيرة.. غاب الأمان، والعز، والخبز.. ولا أدري
كيف يمكن لامرئ أن يعيش بلا هذه؟!.
لقد وزعونا في المنافي والمقابر الجماعية، ووزعوا من بقي (حيا)
أسلحة وقالوا له: (أحرس سفينة القراصنة).. الناس هناك في بلدان الله
يزرعون التين والزيتون والنخيل ، والسلطة عندنا كانت تزرع الأسلحة..
لـ(كل بيت بندقية) بل لكل فرد بندقية.. هكذا توزع الـ(مكارم).. لكل
فرد بندقية، وأرادت أن يكون كل فرد مشروع جريمة..
الناس هناك في بلدان الله البعيدة وحتى القريبة يعبّدون الطرقات
كي لا يعثر أطفالهم وهم يغذون خطاهم إلى المدرسة.. وسلطتنا كانت تفعل
ذلك أيضا، لكنها عبدت طرقاتنا بعظام أمواتنا الذين اغتالتهم بالجملة
تحت جنح الظلام وعالمنا اللاعربي سكران نشوان يتعاطى الخمرة على
أصوات الجرافات العملاقة التي تهيل التراب على أجساد المدفونين أحياء
في الأنفال وفي الأهوار وسائر مقابر النجف وكر بلاء وحلبجة والحلة
والبصرة..
أما اليوم وقد عاد الوطن في رمقه الأخير، فسنكون كلنا مسؤولين عنه،
ولن نغفر لأنفسنا سرقته من جديد، فهناك من يحاول أن يسرقه ثانية،
فلنضع العراق في أحدا قنا ونغمض الأجفان عليه.. لأنه فريد ليس كما
الأوطان، إنه وطن المياه والنخيل والذهب.. وطن الحب والآلهة والرقم
الطينية التي علمت الناس تاريخهم.. إنه العراق..
دعونا نبدأ جميعا من جديد.. لنحرق البنادق، وبدل أن نعلم أطفالنا
وصغارنا كيف يطلقون الرصاص، فلنعلمهم كيف يكتبون ويتحدثون ويرسمون
لنعلمهم كيف يضحكون.. لا وقت للحرب بل هناك متسع للحب، لنعلم أطفالنا
كيف يحبون الناس والأشياء والحياة..
لنخرج الغرباء من ديارنا، فهل من يقتلنا بالسيارات المفخخة ويشوه
أجساد أطفالنا بالعبوات الناسفة والرصاص يحب العراق والعراقيين..
أقسم أنها الفرية الكبرى، فمن يحب ويحرص على العراق لا يقتل أبناءه
أيّا كان دينهم ومذهبهم وقوميتهم، ولم يعتد العراقيون على هذا القتل
المجنون إلا من السلطة التي انهارت كطائرة من ورق..
من أجل العراق لتخرج المنظمات المسلحة من أرضنا.. لم يعد لدينا
وقت للحرب..
منظمات وتيارات وعصابات لها أجندتها ومشاكلها وعبثها وتهورها
استوطنت العراق منذ سنوات وآن لها أن ترحل، فعلاقتنا مع إيران أبقى
من علاقاتنا مع منظمة مجاهدي خلق، لذا لابد أن تخرج هذه المنظمة التي
عبثت بأجساد موتانا وضيقت على شبابنا خدمة لصدام، من بلدنا.. يجب أن
ترحل حتى لا يتحول العراق إلى أفغانستان أخرى.. ليرحل الزرقاوي وتجار
الموت وزارعي الدموع والفجائع .. ليرحلوا بحثا عن خرائب ينعقون فيها،
فالعراق اليوم وطن البلابل والحمائم والبرهان، ولا مكان فيه للغربان
والخفافيش..
|