قال رئيس مؤسسة بحثية بارزة انه بدلا من معالجة التوترات بين
الولايات المتحدة واوروبا بشكل فوري قد يمثل فوز المرشح الديمقراطي جون
كيري في انتخابات الرئاسة الامريكية للاوروبيين معضلة صعبة جديدة في
العراق.
وصرح ويليام دروزدياك المدير التنفيذي لمركز عبر الاطلسي في بروكسل
التابع لصندوق مارشال الالماني يوم الاثنين بان الهوة بين اوروبا
والولايات المتحدة تزداد اتساعا نتيجة للرؤى المختلفة اختلافا حادا
بشأن الامن بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001.
وتكهن بأن المانيا وحكومات اوروبية أخرى قد تصدم اذا كانت تأمل في
علاقات مع ادارة كيري أفضل من تلك التي تربط بينها وبين ادارة الرئيس
الامريكي الجمهوري جورج بوش.
وقال دروزدياك ان كيري عضو مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي عن
ولاية ماساتشوستس الذي ينافس بوش في الانتخابات التي تجري الاسبوع
القادم سيلح على الاوروبيين بشدة للانضمام الى الجهود الامريكية في
العراق.
وخلال لقاء مع مجموعة من الصحفيين في برلين قال "اذا كانوا سيقولون
لا لكيري فان خطر حدوث رد فعل عكسي تجاه اوروبا في الولايات المتحدة
سيكون كبيرا" مضيفا أن الاوروبيين لا يستطيعون فهم "جنون الارتياب
المنتشر" في الولايات المتحدة بشأن الامن.
وأضاف "حينذاك سيكون هناك خطر تمزق متواصل للعلاقات. الامريكيون
سيقولون ... (لا نستطيع الاعتماد على اوروبا رغم أننا حمينا اوروبا
لخمسين عاما. سيسبب هذا ضررا دائما للعلاقة وشعورا هائلا بخيبة الامل."
وتمتعت الحكومات الالمانية المتعاقبة منذ أواخر الاربعينات بعلاقات
وثيقة مع الادارات الامريكية غير أن العلاقات توترت قبل عامين حين عارض
المستشار الالماني جيرهارد شرودر الخطط الامريكية لغزو العراق بشدة
وانضمت اليه فرنسا.
واتخذ كل من شرودر وبوش خطوات لاصلاح بعض هذه الاضرار التي أصابت
العلاقات غير أن رفض المانيا المساعدة في العراق ظل أمرا موجعا. ويحظى
رفض شرودر المساعدة في العراق بشعبية بين معظم الالمان.
وقال دروزدياك "سيكون من الصعب على المستشار الالماني أن يدير ظهره
اذا قال كيري ان استمرار الشراكة الالمانية الامريكية يتوقف على الدعم
في العراق. قد تكون ضربة قوية وقد تتسبب في أن... تبدأ العلاقات بداية
سيئة."
وأجرى صندوق مارشال الالماني استطلاعا للرأي بين الاوروبيين في تسع
دول ووجد أن 76 في المئة لا يوافقون على معالجة بوش للشؤون العالمية.
وقال أربعة من كل خمسة ان حرب العراق لا تساوي تكلفتها.
وقال دروزدياك ان من الممكن أن تتحسن العلاقات مع اوروبا اذا انتخب
بوش لولاية ثانية وأضاف أن أهمية التعاون الالماني والفرنسي مع
الولايات المتحدة بشأن العراق يتجاوز قضية المشاركة بقوات.
وتابع قائلا "ليست مسألة بضعة الاف من الجنود... انها مسألة اكتساب
الشرعية. ليست فقط الطاقة البشرية بل الرغبة في بناء تحالف."
وأضاف "أهم اسهام بقوات قد يأتي من دول يغلب على سكانها المسلمون.
من باكستان والسعودية وربما حتى من مصر. قد يدحض هذا اهداف المقاتلين."
هذا من جهة الاوربيين، اما العرب ما فعادوا يريدون الشيطان الذي
يعرفونه في البيت الأبيض.
فقد جرت عادة القادة العرب في انتخابات الرئاسة الامريكية على تفضيل
"الشيطان الذي يعرفونه" على أي مرشح يتحدى الرجل الموجود في البيت
الأبيض مهما كانوا يرون هذا الرئيس شريكا مستبدا.
لكن بينما يتجه الناخبون الامريكيون الى المفاضلة بين الرئيس الحالي
جورج بوش ومنافسه الديمقراطي جون كيري في الثاني من نوفمبر تشرين
الثاني القادم فان المحللين يقولون ان كثيرا من العرب يتساءلون عما اذا
كان من الممكن أن يكون هناك رئيس أمريكي أسوأ من هذا الذي احتل العراق
وانحاز لرئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون وأدار ظهره للنزاع
الفلسطيني الاسرائيلي.
ويقول المحللون ان بوش رصع ايضا سجله بتجاهله المتكرر لرأي العرب
ونصيحتهم بشأن السياسة الخارجية وشنه حملة شديدة الوطأة للاصلاح أكسبته
مصداقية فقط لدى عدد محدود من الليبراليين المنتمين الى الطبقة الوسطى.
وقال محمد السيد حبيب نائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين
وهي واحدة من أكثر الجماعات الاسلامية نفوذا في العالم العربي "لا
أتصور أن من الممكن أن يأتي من هو أسوأ منه."
وأضاف وليد قزيحة أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية
بالقاهرة "الفارق الوحيد الذي قد يجعل العرب يميلون الى المرشح
الديمقراطي هو أن هناك اعتقادا بأنه لا يمكن حقيقة أن يكون هناك من هو
أسوأ."
وتابع مصطفى العاني وهو من كبار مستشاري مركز الخليج للابحاث ومقره
دبي "بوش قضية خاسرة لمعظم العرب. كيري قد يكون أفضل خاصة لو أنهى تورط
أمريكا في العراق."
وهناك قسم من الرأي العام العربي يدعو على الاثنين معا بالهلاك أو
يتمنى أن تسفر الانتخابات عن إهانة علنية لبوش. لكن بعض المحللين العرب
يقولون إن كيري كرئيس يمكن أن يكون أفضل فعلا من رئيس السنوات الأربع
الماضية.
وهم لا يعتقدون أن المرشح الديمقراطي سيسحب القوات الامريكية من
العراق فورا أو يقر بأن هناك مظالم تقف وراء العنف في الشرق الاوسط أو
يحاول فرض تسوية سلمية تقوم على دولتين على الاسرائيليين والفلسطينيين.
بل ويقول كثيرون منهم ان تصريحات كيري القليلة عن الشرق الاوسط تعد
مؤشرات مخيبة للامال تدل على أنه سيواصل كثيرا من المواقف الموالية
لاسرائيل التي أثارت عداء الكثير من العرب والمسلمين لادارة بوش.
فهو يؤيد مقاطعة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ويدعم الجدار العازل
الذي تبنيه اسرائيل في الضفة الغربية ويقول ان "قضية اسرائيل لا بد أن
تكون قضية أمريكا."
أما الجانب الايجابي من وجهة النظر العربية فهو التزام كيري بالعمل
الجماعي الذي يعني أنه قد يأخذ في الاعتبار وجهات نظر الاخرين ويكيف
السياسة الامريكية لمصلحة العمل المشترك.
وقد وعد بالنسبة للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي بأن يعين مبعوثا رفيع
المستوى وهي اشارة إلى أنه قد يستأنف الدبلوماسية المكثفة التي أهملت
بعد أن سلم الرئيس السابق بيل كلينتون الرئاسة لبوش عام 2001.
وقال عبد المنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية
التابع لمؤسسة الأهرام في القاهرة إنه يتوقع أن تتحول الاولويات
الامريكية في الشرق الاوسط من العراق الى النزاع الفلسطيني الاسرائيلي
الذي يرى معظم العرب أنه جوهر المشاكل في المنطقة.
وأضاف "لو فاز كيري فسننتقل الى مرحلة جديدة من الضلوع الامريكي.
أما لو فاز بوش فأعتقد أنه سيكون هناك نهج أكثر تقيدا حتى من النهج
الموجود الان."
وفي العالم العربي تنبع مشكلة صورة واشنطن في الغالب من تأييدها
لاسرائيل وأضيف إليها الاعتقاد بأن "حرب بوش على الارهاب" تشوه صورة
العرب والمسلمين من خلال تجاهلها جذور العنف.
ومالم تتحقق تسوية اسرائيلية فلسطينية فان العلاقات العربية
الامريكية ستظل متوترة حتى لو تمكنت واشنطن من تحقيق ما تقول مراكز
البحوث الامريكية انه هدفاها الرئيسيان في الشرق الاوسط وهما أمن
اسرائيل واستمرار تدفق النفط.
ويقول محللون ان من الاستثناءات القليلة التي تؤيد بوش الاسرة
المالكة السعودية التي هاجمها كيري شخصيا ومجموعة صغيرة من الليبراليين
الذين يأخذون على محمل الجد التزام بوش بالاصلاح السياسي في الشرق
الاوسط وأقلية ترى أن بوش سيعدل سياساته في الفترة الثانية.
وقال حبيب "أتصور أنه لو نجح بوش فسيكون متحررا من ضغط اللوبي
الصهيوني ويسعى لحل القضية الفلسطينية مثلما فعل كلينتون في فترة
رئاسته الثانية. لكن ممكن أن يواصل بوش دعمه الكامل للكيان الصهيوني."
ويقول محللون انهم يشكون في أن بوش لديه الاستعداد لتحرير نفسه من
الحلقة الضيقة من مستشاري السياسة الخارجية المتصلين عن قرب بوجهات نظر
حزب الليكود.
وفي مقال بجريدة الحياة اللندنية قال المعلق المصري جميل مطر ان بعض
المسؤولين العرب يقولون انهم يريدون أن يعلن بوش أنه سيتخلص من
المجموعة المحيطة به اذا أعيد انتخابه. ومضى قائلا انه يعتقد أن هؤلاء
سذج ومخدوعون فمن المشكوك فيه أن يكون بامكان بوش أن يواصل ادارة
الولايات المتحدة في غياب هذه المجموعة.
ويقول المحللون ان انتخابات الرئاسة الامريكية ليست بأي حال محور
أحاديث الناس في المدن والقرى العربية حيث توجد لا مبالاة بنتيجتها كما
يوجد ازدراء لكل من المرشحين على نطاق واسع.
وقال عبد المنعم سعيد ان "الاغلبية بل ربما أكثر من 70 في المئة لا
يعتقدون أن هناك فرقا بين بوش وكيري لان كلاهما شر ولان الولايات
المتحدة شر."
المصدر: رويترز |