ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

قراءة جديدة لمفهوم الحرية في القران

نجف علي الميرزائي*

كي لا يكون البحث حول الحرية بحث لذكر فضائلها ولسرد الآيات والروايات التي جاءت لتمدح الحرية وتجلها وحتى يكون البحث معالجا لكثير من الاشكالات التي ترد حول مقولة الحرية فيما سيأتي فهم خاص ورؤية خاصة للحرية من خلال القرآن الكريم غير مدعي ان ما يقدم هو الرؤية أو الفهم، بل هو رؤية ورأي· ويبقى هذا الرأي يمثل فهماً خاصاً قابلاً للنقد ونقاش·

لعل من البديهي في البحث حول مفهوم ما أن نبدأ بتعريف ذاك المفهوم وهذا الامر ينطبق على مفهوم الحرية الذي تحاول البحث حوله في يلي وقبل أن نقدم تعريف للحرية لا بد أن نشير إلى أن مسألة التعريف تشكل مسرحا لمعظم الاشكاليات التي قد ترد حول الحرية وإن كنا سنتجنب التعرض لهذه الاشكاليات لأن المقام ليس مقام المقارنة والمناقشة إنما هو للحديث حول الحرية من وجهة نظر القرآن·

إن التعريف الذي قد يتبادر للحرية هو التعريف القانوني السائد، وسنذكره للعلم وليس للنقاش· ويفيد هذا التعريف التالي: إن الحرية هي ما يجعل الإنسان يصنع ويفعل ما يريد في ظل ما تبيحه القوانين، وقد اتى بهذا التعريف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في الحريات.

لو أتينا إلى تعريف الحرية من الرؤية القرآنية فقد نجد بعد استطلاع نظرة القرآن في هذا المجال جملة معطيات تملي علينا التعريف التالي؛ الحرية من الرؤية القرآنية هي انعتاق الانسان وتحرره من كل قيد وغل ومانع لنمو الطاقات الانسانية الكامنة في كل إنسان.

ومن المعلوم أن الإنسان في داخله امكانيات بالقوة، ولكي تتبلور وتتحقق هذه الإمكانيات في حيز الفعل هي بحاجة إلى قوة تخرجها، هذه القوة في منظور القرآن هي الحرية· إذن الحرية الحقيقية من وجهة نظر القرآن الكريم هي رفض كل سيادة غير سيادة الله وشريعته وقانونه على الانسان، ليس إلا لأن السلطات غير الالهية تمنع من تبلور وتحقق الذات الالهية في الانسان قطعاً وفي ظل الحرية القرآنية، هذا المنع القطعي يزول ايضا بالقطع· إن هذا الفهم العالي والسامي للحرية في القرآن الكريم نقدر ان نستجليه من الكتاب الشريف في مواضع كثيرة وعديدة، ولتسهيل المطلب سنحاول تقسيم الآيات التي تتناول موضوع الحرية أو تحمل مفاهيم تمس هذا المفهوم إلى مجموعات، نطل من خلال فحص هذه الآيات وسبرها على موضوعنا، أي الحرية·

المجموعة الأولى أو الصنف الأول من هذه الآيات هي الآيات التي تتحدث عن التوحيد وتحث عليه مدينة بالوقت نفسه ورافضة كل أنواع الشرك بالله تعالى، والموحد هو الذي يخضع لسيطرة الله تبارك وتعالى وسلطانه دون غيره.

ولعل من أبلغ ما قيل في هذا السياق {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}(1) لأنك عندما تقول لا إله إلا الله فإنك تنفي كل قيد وكل غل على الانسان وسلوكه وتفكيره وحياته بيد اننا نجد لهذا النفي المطلق لا إله استثناء وهو إلا الله، فالتوحيد تحرير الإنسان وهو عين الحرية.

إن آيات التوحيد في القرآن هي من الأدلة القاطعة على ترويج وتكريس الحرية للإنسان مع الإنسان، ومع الحياة كل الحياة· إننا نجد الحرية تتبلور في هذه الآيات إذ يعتبر القرآن أن التوحيد هو جوهر الحرية والتي هي بدورها سر الفلاح وسر النجاة، وحقيقة التوحيد وغايته هي تحرير الانسان كما جاء في الآية الشريفة من ان النبي(ص) جاء ليضع عن البشر اصرهم وأغلالهم التي كانت عليهم، تلك الاغلال الشركية غير الالهية المادية، ومعلوم ان الغل أو الظلمات كانت تحكم الإنسان وتسود المجتمع وان النبي(ص) وعبر الشريعة الغراء اتى لإخراج الانسان من الظلمات إلى النور، فالظلمات تعتبر قيوداً على أيدي الانسان وبصره وبصائره الداخلية وقيودا على فكره وعقائده، والقرآن انما جاء لتكريس الحرية وتحرير الانسان من كل انماط واشكال القيود والاغلال وليكون من خلال حرية القرآن ذاك الانسان الإلهي الموحد الحر.

ـ المجموعة الثانية من الآيات والتي يُفهم منها وبوضوح مبدأ الحرية هي آيات العبادة والعبودية لله تعالى· ولعل هذه المسألة من المسائل التي قد يرد عليها من البعض إشكال، وربما يكون في شرح مفهوم العبادة في القرآن ردا وافيا على هؤلاء وتبيان لما بين الحرية والعبادة من علاقة متينة وأصيلة لا تنفك مطلقاً.

إن العبادة الالهية تختزن في داخلها الحرية وهذا المعنى والعنوان الكبير يحتاج لبعض الشرح والتفصيل فنقول:

إن العبودية درجات هذه الدرجات أجملها الامام علي(ع) في حديث له اذ يقول(ع): إن قوماً عبدوا الله رغبةً وأن قوماً عبدوا الله رهبة وإن قوما عبدوا الله شكرًا) إذا وحسب الإمام علي(ع) فإن العبادة لله تعالى على درجات ثلاث:

فأصحاب القسم الأول والدرجة الأولى يعبدونه تعالى عبادة التجار راغبين في أخذ مقابل على ما يعطونه، والقسم الثاني أو الدرجة الثانية يعبدونه عبادة العبيد راهبين خائفين من العقاب، أما القسم الثالث والدرجة الثالثة فأصحابه هم ذووا المرتبة الأعلى والمقام الأسمى عنده تعالى فهم عبدوا الله إذ عبدوه لا طمعاً ولا خوفاً بل شكرا له فعبادتهم هي عبادة الأحرار.

إذن هذا القسم الثالث من العبادة هو العبادة الحقيقية التي تختزن في داخلها الحرية كل الحرية والتي في ظلها يصبح الانسان في ظلها حراً إذ يصبح في ظل هذا النوع من العبادة كما في الدعاء الهي هب لي كمال الانقطاع إليك) فهذا الانقطاع من الخلق ومن غير الله إلى الله تبارك وتعالى ليصبح له جل وعلا وحده دون غيره محققا بذلك حريته بأرقى درجاتها.

إن الإنسان كلما عبد الله فهو يتقرب اليه تعالى وهذا التقرب ليس تقرباً مكانياً بل هو تقرب ايماني ربوبي في الحقيقة، فالعبودية ـ كما في مصباح الشريعة ـ كنهها الربوبية أي ان الانسان يتأله بعبادته وتقربه إلى الله إذ تتجلى فيه صفات الله وأسمائه· وهذا المفهوم تؤكده الروايات والآيات، والنبي الأعظم(ص) والأئمة المعصومين(ع) هم الذين تبلورت وتجلت فيهم كل هذه الصفات والاسماء وهَم الانسان الكامل الذي يعكس صفات الله واسماءه تعالى وقد تحدث بعض العلماء عن تفسير الحديث المشهور المؤمن مرآة المؤمن) بأن المؤمن الأول هو المؤمن الإنساني، والمؤمن الثاني هو الله تعالى وبهذا يكون الإنسان المؤمن هو الطريق لتجلي الله على الارض ومركز لتبلور صفاته تعالى وأسماءه.

إن الحرية في القرآن الكريم تأخذ مفهوما تجاه الخلق، بمعنى أن الانسان ليس حراً تجاه الله تعالى فهو عبده ولكن دون غيره· وهنا مورد الاشكال الذي أشرنا اليه أي انه كيف يكون الانسان في ظل الإسلام والقرآن حرًا وفي الوقت نفسه هو عبد ونقول أن العبودية الخالصة لله تحوي في باطنها أسمى درجات الحرية· إذ أن المرء في ظلها يجب أن يتحرر من كل شيء ومن كل شخص حتى من ذاته إذ لا يمكن الجمع بين أي شيء أو شخص أو الذات وبين الله، معنى أن تكون عبداً هو أن لا تقبل أي سلطة غير سلطة الله عليك ومبدأ الحرية وغايتها هو رفض عبادة غير الله لأن الانسان إذا عبد شيئا فإنه يفقد من حريته بقدر ما يعبد ذلك الشيء وفي الوقت نفسه يصبح هذا الشيء قيداً على هذه الحرية التي جعلها الله للإنسان وكما قال الإمام علي(ع) (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً).

المجموعة الثالثة من الآيات والتي قد نستطيع من خلالها تحديد مفهوم الحرية كما اراد القرآن هي آيات المسؤولية والتي نجدها بكثافة في القرآن الكريم وعلى سبيل المثال نذكر بعضها{ وقفوهم إنهم مسؤولون}(6) أو أو {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}(8) {ثم لتسئلن يومئذعن النعيم}(9) وفي الحديث كلكم راع···أي كلكم مسؤول عن رعيته.

إن آيات المسؤولية هذه جاءت لتحدد لنا مجال ومفهوم الحرية فالحرية القرآنية ليست حرية مطلقة، بل هي حرية مقيدة بقيود وهذه القيود هي التي تحقق هذه الحرية، حيث أن الآيات التي تتحدث عن المسؤولية جاءت لتجعل الانسان أمام حدود معينة فهو يسأل عما يقوله ويفعله، ومبدأ المسؤولية لا يجتمع مع الحرية المطلقة وكون الانسان مسؤولاً يعني أن هناك مسائلاً هذا المسائل لديه معايير ولو كان الانسان حراً بأن يفعل ما يرغب به ويحلو له وكان مسؤولاً أمام نفسه فقط فلا معنى للمسؤولية بهذا الوجه· وانعدام المسؤولية يجعل الحرية فارغة المعنى· إذن آيات المسؤولية بالاضافة إلى انها تحقق الحرية هي تجعل الانسان مسؤولا امام الله تعالى وحده وكل من يصبح مسؤولا امام الله ويؤدي حق هذه المسؤولية فهو قطعاً سيصبح متحرراً من غير الله جلّ وعلا.

المجموعة الرابعة من الآيات التي سرد من خلالها معالم الحرية وهي من اروع المجموعات هي آيات الحدود الالهية هذه الآيات هي اكثر الآيات تكريسا للحرية وفي الوقت نفسه تقيدها وبقيدها تحققها ومن هذه الآيات أو اجزاء الآيات {تلك حدود الله فلا تقربوها}(01) {تلك حدود الله فلا تعتدوها}(11){ تلك حدود الله فمن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه}(12) {ومن يتعدى حدود الله فاولئك هم الظالمون}(13).

إن هذه الحدود الالهية المطروحة في هذه الآيات وغيرها من الواضح أنها لا تجتمع مع رؤية الحرية المطلقة ولكن مما لا شك فيه أن هذه الحدود في القرآن جاءت لتعطي الأنسان المساحة المطلوبة من الحرية· فعدم وجود محدد لهذه المساحة يعني تحول المجتمع إلى غابة وهنا لا بد من اشارة، وهي أن أولئك الذين يطالبوننا كمسلمين بالحرية المطلقة، هم أنفسهم لم يقبلوا الحرية المطلقة والحديث اصلا عن حرية مطلقة هو حديث غير ناضج وغير دقيق ففي أكثر المجتمعات تقدما واكثرها تأخرا لا يمكن الحديث عن عدم وجود قيود على فعل الانسان وسلوكه ويبقى هنا سؤال هو من يضع هذه الحدود الله أم الانسان؟ وفي هذا المجال القرآن يصرح ان هذه الحدود والقيود الله تعالى هو من يضعها ويحددها وإن نظرنا بامعان إلى آيات الحدود يعكس مدى الحرية لتي تنطوي عليها هذه الآيات فهي في ظاهر قيد وفي باطنها حرية ذلك الالتزام بحدود الله يعني أن يتحرر الأنسان من كل حدود غير حدوده سبحانه.

إن ترك حدود الله وأوامره التي هي حدود في معناها العميق هو تجاوز لهذه الحدود فلو ترك شخص مثلاً الأمر بالمعروف والنهي عن منكر من حدود الله، وذلك الترك كان لخوف من الغير أو لمصلحة شخصية، فعندها يكون هذا الشخص قد تعدى حدود الله واتبع حدود نفسه أو غيره فيصبح بذلك عبدا لمن ترك حدود الله لأجله.

نعود لنقول أن الحرية في داخلها إذن وترخيص، والقادر على الفعل هو من يستحق العقاب على فعل الشر هذا العقاب الذي يجب أن يأتي من صاحب المعايير المُسائل الذي لديه سلطان المعاقبة إذ لا يجوز ان يقال أن الحرية تمنح الانسان القدرة المطلقة على فعل الشر، فلا يقال أن المرء بفعله الشر وتركه الخير قد اكتسب حريته، بل بالعكس، هو بهذه الطريقة يفقد حريته فالحرية لا تكتسب ولا تتحقق من خلال ممارسة الشر بالمعنى الديني ولا حتى بمخالفة القوانين بالمعنى الوضعي.

المجموعة الخامسة من الآيات التي نجد فيها دلالة على الحرية هي آيات العدل والعدالة وهناك آيات جمة في هذا المجال.

من المعلوم أن العدل هو وضع الشيء في موضعه، والظلم خلاف العدل، والعادل هو انسانٌ حرٌ بهذا المفهوم فهو (أي الانسان العادل)، هو من يعرف أن هذا الشيء محله هنا ويجب أن يوضع في هذا المحل واذا حصل ووضعه في غير محله الذي خُلق لأجله فهذا يعتبر ظلما بالمعنى الدقيق للظلم والانسان عندما يقترف ذنبا فهو بهذه الحالة ظالم لانه جعل فعله في غير موضعه الذي أمر به.

إن آيات العدل والعدالة كلها، تدل على قيود تحقق الحرية وهذا القيد القرآني وغيره من القيود التي ذكرنا كلها جاءت لتحقق عبودية الانسان تجاه الله وحريته الكاملة تجاه غير الله بالمطلق.

المجموعة السادسة من الآيات هي آيات الفطرة والعقل، فالفطرة كما الحرية موجودة في الانسان وهي محددة بحدود الله فهي اي الفطرة كالجهاز الواعي الذي يميز بين الخير والشر فهي لا تسمح للإنسان أن يفعل ما يشاء أو بالحرية المطلقة التي لا تنسجم مع الفطرة الالهية كذلك العقل فالانسان العاقل لا يمكن ان يكون حرا بالمطلق فالعقل لغة من عقال الشيء كعقال الجمل أي المنع والكبح فالانسان بعقله يمنع ويكبح رغباته وشهواته فلا يستسلم لأي رغبة أو شهوة دون قيود وشروط· ان الفطرة في داخلها تفاصيل وبرنامج محدد من عند الله ومن خلال نفخ الروح الالهية في الانسان فلا يمكن الجمع بين اطاعة هذه الفطرة وبين المضي وراء الرغبات بشكل عشوائي بل يجب ان تكون هذه الرغبة من مخطط الفطرة بما لا يتعارض مع الهدف الالهي المنشود للإنسان.

بعد كل ما تقدم نستطيع أن نخرج بالنتيجة التالية وهي ان الحرية تكون فيما ينفع ويخدم الانسان لتنمية وازدهار طاقاته الربانية الكامنة فيه إذ لا معنى للحرية فيما يهدم ويخرب ويحرر الانسان من هذه التنمية وهذا الرقي والترقي إلى الله تعالى إن الحرية المطلقة لا تنسجم مع المدنية الانسانية وكل ما يهدم ويخرب لا يمكن ان نسميه حرية بل بالعكس هو قيد وغل وهو في ظاهرة قد يكون حرية ولكنه في باطنه قيود واغلال خصوصا إذا اخذنا بعين الاعتبار النظرة القرآنية للمعاد أي ان هناك معاداً ومرجعاً ومآلاً والفعل الذي يزيدن وزرا ووبالاً هل يمكن أن يكون حرية بالطبع لا فالحرية هي التي يمدح الانسان عليها من الله أولا ومن الخلق ثانيا.

تجد من خلال ما تقدم ان المعالم العامة للرؤية القرآنية للحرية تدور في أفق أرحب وأوسع بكثير مما يطرح في الساحة من مفهوم ورؤى وضعية للحرية فنلاحظ ان هناك اختلافاً جوهرياً بين رؤية القرآن الكريم والرؤية الموضعية ولكننا لا ندعي ان في كلامنا نقد للمفهوم الوضعي انما هو فقط تبيين للإفتراق وهذا الافتراق مرده إلى إشكاليات الاصطلاح المعاصر ولذلك قد نجد رؤيتين حول مفهوم ما يظن صاحب كل رؤية خلافه مع الآخر في الموقف غافلا عن ان هذا الخلاف هو في التعريف.

في ضوء ما مر من البحث وفي ضوء فهمنا لمجموعات الآيات التي استعرضناها نستطيع ان نقدم شيء يمكننا ان نسميه خلاصة أو فائدة نكشف فيها النقاب عن مفهوم الحرية فنقول:

الحرية هي رفض أي سيادة أو سيطرة لكل اصناف الاغلال والظلمات والأواصر الفكرية والعقلية والطبيعية والسياسية على الانسان والتي تمنعه من تحقيق الذات والفطرة الالهية المستودعة فيه ومنعه ايضا من تحقيق تنمية شاملة وجامعة في نفسه وفي الحياة وصولا إلى تبلور الاسماء والصفات الالهية فيه وانتشار الرحمة والعلم والقدرة وكل الصفات الجمالية والجلالية منها على الكون.

إن هذا التعبير الموجز عن الحرية هو ما نفهمه من خلال تفحص الآيات القرآنية أن الحرية من المنظور القرآني هي تلك الحرية التي لا تصطدم مع الفطرة والعقل والشريعة فمقياس القرآن إذا في فهم الحرية هو مدى التقاءها مع العقل والفطرة والشريعة ولا بد هنا من الاشارة إلى ان المفهوم القرآني للحرية لا ينحصر بالمسلمين فحسب فالفطرة والعقل هما أمران يلتقي عليهما جميع البشر، والفطرة لا تموت ولكن يمكن في بعض الاحيان ان يغطيها الغبار والحجب، هذان الأمران كفيلان بإيجاد الحرية القرآنية عند كل فرد من البشر دون ان تصطدم بهما فتكون بذلك حرية قرآنية إسلامية.

هناك نقطة هامة وهي موضوع الحرية والاختيار· لقد سبق لنا أن عرّفنا الحرية من الرؤية القرآنية اما الاختيار وبنفس الرؤية القرآنية ايضا فهو حالة وضعية انسانية وفرها الله تعالى للإنسان فقد خلقنا تعالي قادرين على الاختيار فالله يؤاخذنا على ما نختاره فلا يكفي القول ان الله تركنا مختارين، إذ يجب ان يكون هناك مبرر لما يختاره الانسان، إلا اذا استنفذ هذا الانسان من عقله وفطرته كل الادوات لتصحيح الفكر، عندها فقط اذا اختار شراً يجهله فيكون هذا استضعافاً أو ما يعبرون عنه بالمعذرية، فالذي يستنفذ كل جهوده وطاقاته ويوظفها في سبيل الوصول إلى الحق ومع ذلك لا يصيبه فما يصل إليه في هذه الحالة يعذره ويحيده من العذاب.

إن الله تعالى انعم على الانسان بنعمة الاختيار فلا يجوز لاحد سلب هذا الاختيار إلا في استثناء واحد وهو وقوع الظلم فللإنسان الاختيار أو حق الاختيار للمسلك الذي يشاء إلا اذا ادى هذا الاختيار لممارسة ظلم ضد انسان آخر وهذا الكلام يدفع إلى الحديث حول حرية المعتقد في نهاية البحث لننتقل الأن إلى الحرية الفكرية.

الحرية الفكرية

والمقصود منها حرية الفكر وليس حرية التفكير وعملية التفكير فحرية الفكر، تعني أن يختار الانسان أي فكر يشاء وهي تشبه حرية المعتقد.

من المنظور القرآني نحن نتحدث عن حريتين للتفكير حرية التفكير بالمعنى المألوف بأن يتبنى الانسان أي فكر أو اعتقاد ومنظور قرآني آخر في حرية التفكير، وهو تحرر الانسان من كل قيد يمنع الانسان من ممارسة التفكير بدقة وعمق، فالتفكير حتى يكون منتجاً بحاجة لأن يكون الانسان حراً في ممارسته وتحقيقه، إذ أن التفكير قد يسيطر عليه كثير من الموانع، وكثير ما يظن المرء أنه فكر وتعقل أمراً ما وهو بالحقيقة يكون واقعا تحت تأِثير قيد أو أمرٍ خارجي، لا يمثل التفكير أو التعقل السليم.

إن القرآن الكريم يدعونا للتخلص من كل السلطات والأغلال التي تشكل موانع وحواجز أمام عملية التفكير والتعقل، والقرآن مليء بالآيات التي تحث على التعقل وآيات الأمثلة التي يضرب الله عز وجل فيها الامثلة للناس، هذه الآيات تريد تنشيط العقل وتحريك الإنسان العاقل حتى يصل إلى المغزى والعمق المطلوب· مما لا شك فيه أن هذا النوع من حرية التفكير هو ارحب وأوسع من حرية التفكير التي تُطرح اليوم ولعل التأخر الفكري الذي نجده في بعض الأوساط اليوم مرده إلى عدم توافر هذه الحرية القرآنية في التفكير وإن كثير من الاحكام التي نراها تصدر والتي لا تنسجم مع الأسس القرآنية هي ناتجة عن عدم ممارسة حقيقية للتفكير، فسيطرة وسيادة سلطات معينة على الفكر والمعرفة تتحول إلى حجر عثرة في وجه التعقل الصحيح وعندها تتحول المعرفة أيضاً إلى سلطة وقيد، وأبرز مثال حول هذا الموضوع هو خضوع الانسان إلى معطيات مسبقة موجودة لديه خلال تعاطيه مع مسألة ما وهذا ما يسمى بالقبليات أحياناً.

إن المراد من حرية التفكير وحرية التعقل والفهم هو أن يكون الانسان بحرية كاملة فيقوم بتعرية الحقائق من كل الانتماءات علما أن الحقائق أصلا لا انتماءات لها· لقد رفض القرآن الكريم كل الانتماءات والعصبيات في كل الدوائر كبيرة كانت أو صغيرة، فالخطابات القرآنية لا يوجد فيها انتماءات بل على العكس هي رفضت هذا الجو من التعصب للعشيرة وللدين وللافراد فجاءت الخطابات القرآنية داعية الانسان لأن يحرر نفسه وذاته من كل ما من شأنه اثارة الاختلال والتشويش على خط عملية التفكير والاعتقاد الحق، ويستحضر في هذا المجال عبارة كان يرددها أحد الأساتذة، إذ يقول بعد عشرين عاماً من الدراسة العميقة في القرآن، فهمت عبارة أن لكل حق شبهى في عالم التزوير، اي ان هناك حق وهناك اشباه حق وهناك صراط وأشباه صراط وهنا انوار وظلمات تشبه الأنوار· وحرية التفكير الصحيحة هي التي تميز الحقائق عن اشباهها، والأنوار عن الظلمات، فيعرف الإنسان بذلك الحقيقة الناصعة، والحق الخالص فيخضع له ويترك متشابهه، وتحقيق الحرية بهذا العمق وبهذا الأفق الرحب أمر لا يخلو من الصعوبة والمشقة، إن كان في تعاطي الانسان مع نفسه، وإن في التعاطي مع الآخرين، وهذا لا يكون سوى بواسطة اساليب خاصة وبناءة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تحرير إنسان من محتل يحتل أرضه بالسيف والسلاح والجهاد، هو امر مع كل صعوبته يبقى اسهل من تحرير الإنسان من ذاته واهوائه ومن فكره، وتحرير الفكر هذا هو من أعقد الأمور· إن القرآن يدعونا بعد تحرير أنفسنا وثبات قناعتنا بتحررنا أن ننطلق إلى تحرير الآخرين ممن يرزحون في سجن الفكر الباطل والشر الفكري، إذن لا بد لنا ان نمارس التحرير الفكري لانفسنا وللآخرين، ممارسة قرآنية دقيقة، من خلال دخولنا على خط بناء الشخصية، وأن يكون التأثير على الذات وفي عمق الشخصية المتوخى تحريرها، إن التبليغ الديني في بعده الأساسي هدفه تحرير الإنسان من كل الأغلال والظلمات ،وهذا التحرير يتحقق عبر عدة أشكال من الممارسة.

إن القرآن الكريم عندما تحدث حول ضرورة التحرير الفكري، لم يكن يرمي إلى جعل المسلم يحرر المسيحي أو العكس أو سلب الآخرين قناعاتهم، أتى القرآن ليدعو تحت عنوان التحرير الفكري الإنسان إلى مجاهدة نفسه في سبيل الله للوصول إلى الحقائق الخالصة، ذلك الأمر الذي لا يتحقق إلا بعد عملية سير وسلوك حقيقية باتجاه الكشف عن نقاب الحق ومعرفته أولاً، كتحرير الذات وثانيا الرجوع في عملية السير والسلوك إلى الخلق لتحريرهم تحريرًا فكرياً قرآنياً، إن الحرية الكاملة هي الوصول إلى الله أو ما يعبر عنه بلقاء الله، فعندما يحتل الله وحده قلبك عندها تكون قد التقيت به عز وجل فتصبح حينها من مصاديق: الهي هب لي كمال الانقطاع إليك.

في ختام هذا المحور علينا ان لا نبخل ببذل أي جهد في سبيل تحرير الذات من كل قيد وغل، والغل والشرك الذي يمكن ان لا يكون صنماً محسوساً كهبل نعبده ونسجد له، بل يمكن أن يكون شركاً غير منظور كعبادة الهوى والذات والشيطان وهذا اسوأ انواع الشرك ويستحضرنا في هذا المقام قصة سعد الدين الحموي الذي كان من تلاميذ نجم الدين صاحب مرصاد العباد، خلاصة القصة أن سعد الدين الحموي أتى استاذه يبشره بأنه وصل إلى درجة عالية من السيطرة على نفسه وتحرير ذاته من الأغلال الشيطانية مبرهنًا على ذلك بأنه ألف كتاباً يروي فيه تفاصيل وساوس الشيطان، وفيه وصف للأدوات المعقدة التي استعملها الشيطان لإغواء الناس، فما كان من أستاذه إلا أن قال له إن الشيطان هو الذي سوّل لك وهيأ لك هذا العجل، وصوره لك على أنه عمل حسنٌ وجيد، فاذهب وهذب نفسك· هذا الدرس الذي علّمه استاذ سعد الدين الحموي له يحمل من المغزى ما يدل على قدرة الشيطان على الدخول على خط القرار الإنساني، والعبارة المشهورة شيطان الشيخ شيخ، بليغة في تصوير قدرات الشيطان فلكل إنسان مهما علا أو دنا مستواه، شيطانٌْ من مستواه، فتعالوا إلى حرية القرآن والتي بها يتحرر الإنسان من كل شيطان مريد، لا بل ويتحرر بحرية القرآن من كل العصبيات، مذهبية، دينية، أو عشائرية كانت ويتحرر من الدنيا وزينتها ومن كل الموانع التي تشكل غطاء على عملية الوعي المعرفي وحرية الإنسان.

حرية المعتقد

إن أكثر المسائل موضعا للجدال والنقاش في موضوع الحرية هي مسألة حرية المعتقد، وقد لعبت المفاهيم الوضعية الحديثة وغير الحديثة على هذا الوتر في محاولة لإبراز عدم وجود حرية للإنسان في الاسلام انطلاقاً من هذه المسألة.

إننا وباستقراء لمضمون القرآن الكريم في هذا المجال سنجد (وقد يكون مفاجئا هذا الاستنتاج) أن القرآن الكريم يقرر أن ليس للإنسان الحرية في اعتقاد ما يشاء فهو (أي الانسان) في نظر القرآن الكريم لا يملك لنفسه مسوغاً ومرخصاً واذناً ليختار ما يشاء ويعتقد بما يشاء، نعم هو ليس مأذونا في هذا المجال، ولكن وفي الوقت نفسه يعلن القرآن بأن الانسان مختار وقادر، وهذه المفارقة هي محل الإشكال ولكنها محل الحل أيضا وإليكم البيان.

لو أتينا إلى القرآن الكريم نجده يقول {لا إكراه في الدين}(14) وغيرها من الآيات في هذا السياق مما يعني أن القرآن لا يفرض على الإنسان معتقداً أو ديناماً بمعنى الفرض التكويني، ولكن في نفس الوقت الذي نجد في داخل التكوين الانساني قدرة على الاختيار نجد أيضاً فرضاً تشريعياً على الإنسان نفسه ففي التشريع، لا اختيار بمعنى أنه لا يمكن أن يقول التشريع يجوز لك أن تصلي أو لا تصلي، إن الله تعالى لم يجعل على الإنسان سلطاناً في الخلق يلزمه بالاسلام دينا ومعتقداً أو ليأمره بالصلوات والعبادات ولكن الله أوجب ذلك على الانسان تشريعاً إذن الله جعلنا مختارين تكوين، ولكنه أوجب علينا تشريعاً والدليل على ذلك وجود الكفار والمشركين.

وهنا قد يأتي أحدهم ويقول كيف تنسجم {لا إكراه في الدين} مع القتال والجهاد الذي دعى اليه القرآن ضد الكفار والمشركين؟ ورداً عليه نقول:

إن الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تدعو المؤمنين والنبي(ص) لمقاتلة الكفار المشركين والتي تربو على المئة آية، توزعت في سور القرآن الكريمة كالبقرة والتوبة والممتحنة، معظم هذه الآيات إن لم يكن كلها لم تأت لتدعو النبي(ص) ومن معه إلى قتال الكفار والمشركين، لا بسبب كفرهم وعقائدهم الباطلة، بل في كل آية من آيات الدعوة إلى الجهاد نجد وبتأمل بسيط، ان هناك صفات كانت موجودة في الكفار والمشركين على أساسها تكون الدعوة إلى الجهاد ضدهم، وفي هذا المجال المصاديق كثيرة من القران الكريم فمثلاً يقول تعالى {فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم}(15) فهنا السبب في الدعوة إلى القتال هو اعتداء أولئك الكفار على المسلمين وليس كونهم كفاراً، وفي مكان آخر يقول {الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق}(16) وهنا جعل الله إخراج الكفار للمسلمين من ديارهم سبباً لشن حرب ضد المشركين، وليس الشرك هو السبب· إذن وإذا علمنا أن الكفر والشرك والمعصية هو ظلم للذات، نجد القرآن لم يدع إلى مقاتلة الظالمين لذاتهم لكنه (أي القرآن) جعل ظلم الآخر مسوغاً للقتال والجهاد فهو يدعو من ظُلم للجهاد ومن أُعتدي عليه لرد العدوان، فالظلم الموجه ضد الغير هو ما يكون لأجله الجهاد وليس مجرد الكفر أو الشرك، وهذا القانون في الاذن بالجهاد والحرب ينسحب في مفهومه على موضوع الديات والحدود إذ أن معظم الديات والحدود، أتت لتعاقب على ظلم ينال الغير، وليس النفس فحد من يسرق مال الغير قطع يده، ومن يقتل الآخر يُقتل وهكذا، بينما عندما يصل الامر إلى المعصية الشخصية، إلى ظلم النفس، كترك الصوم مثلاً فنجد الكفّارة تكون بقضاءه مما لا يصل ولا يندرج تحت عنوان العقاب والحد، وهذا الكلام كله حول الجهاد والحدود والديات يكفي لكي يكون حجة على أعداء الاسلام الذين يتهموننا بانعدام الحرية، لأن العقاب على ظلم الغير ليس أمراً متوقفاً على الاسلام والمسلمين فحسب، بل إن كل الأنظمة الوضعية تؤمن بهذه المسألة، وهذا ما قد يُحكى عنه في الأنظمة الوضعية حول أن حرية الفرد تبقى سارية إلا إذا اصطدمت أو تعارضت مع حرية الآخر أو تعدت إلى حدود حرية الغير· هنا تأتي الانظمة لتشرع القوانين الجزائية وغير ذلك من القوانين.

إن الله تعالى قد دعى الإنسان في أكثر من سورة وآية إلى أن يعيش السلم على كل المستويات، وكما نجد أن القرآن يدعو إلى رفض الفتنة والظلم للآخر والقهر والاعتداء، حتى الفتنة التي قد ينتجها مسلمون هي مرفوضة، كذلك الفتنة التي قد ينتجها الكافرون، كل ذلك حتى يكون المجتمع مجتمعا هادئاً مستقرا ليمكن أفراده من تحقيق سير وسلوك لتنمية الانسانية، وآيات القتال لم تأت دفاعا عن عقيدة ودين محمد(ص) بقدر ما هي دفاع عن حريةً الانسان وردع الظلم وهي بهذا المنحى تكون من القضايا التي تساعد على تثبيت حرية الإنسان أياً كان.

وفي الختام لا بد من الاشارة والتعليق على مسألة قد تكون على تلمس مسألة الحرية وهي مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر· مما لا شك فيه أننا كمسلمون نعتبر أنفسنا مطالبين أمام الله بأداءه وهذا يتعلق بمسؤولية المسلم في هداية الآخرين، ولكن وجوب أداءه مقرون بأمر، وهو الاستطاعة والقدرة على التأثير دون التعرض لحرية الآخر، المطلوب أمره أو نهيه، ولعل موت الخير والفضيلة في أي أمة سببه ترك وموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر· فتعالوا أولاً لتحقيق شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند كل منا، ومن ثم إلى ممارسة فعالة، كي لا نتحول إلى قوم يعيشون روحية الانزواء وعدم الشعور بالمسؤولية، في ظل هذا الانحراف المستشري في مجتمعاتنا علنا نصل بأنفسنا ومجتمعاتنا إلى ما أراد الله لنا من سموٍ ورفعةٍ وكمال ونصبح عبادا لربنا أحراراًً من كل قيدٍ غيره والحمد لله رب العالمين.

*رئيس تحرير مجلة الحياة الطيبة اللبنانية

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 28/10/2004 - 13/ رمضان المبارك/1425