يحاول البعض أن يلمع صورة النظام الساقط ويدفع عنه تهما كانت
حقائق على الأرض وممارسات يومية درجت عليها أجهزته القمعية سيئة
الصيت إبان حكمه البائد، ومن بين دفاعات المحمومين عن صدام، أن الحجج
التي شنتها أمريكا لإسقاطه لم يكن لها وجود، فليس لصدام علاقات مع
تنظيم القاعدة، ولم يكن يملك أسلحة دمار شامل، ولاهو بمسؤول عن
المجازر التي ارتكبت بحق العراقيين، حسبما يزعمون..
بالطبع لسنا بصدد تبرير الحرب التي أسقطته، ولكن اللافت أن
التضليل والعبور على الحقائق، صار موضة للكثيرين، وكأن المتابعين من
عامة الناس لا يملكون ذاكرة ووعيا يمكنهم من الاحتفاظ بالأحداث حية
في ذاكرتهم.. فهل أن صدام الذي استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد إيران
وضد شعبه في الثمانينات من القرن الماضي لم يكن مسؤولا عن ذلك، وهل
أن تعريض الأمن الدولي بجملة حروب متهورة لم يكن جريمة يستحق عليها
أقسى العقوبات كأي مجرم آخر.. وهل أن العلاقات مع التنظيمات
الإرهابية ومن بينها القاعدة ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي
ارتكبت بحق الشعب الذي تنتمي إليه جرائم عديدة الأمر الذي دفع بالدول
الأوربية وأمريكا اعتبارها حركة إرهابية ومنعت التعاطي معها.. هل
تحتاج علاقة صدام بالقاعدة التي تستوطن مناطق معروفة في العراق
اليوم، وبمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي جهزها صدام بالدبابات
والطائرات لأدلة وبراهين، ونحن نرى جموع الظلاميين القادمين من كهوف
التاريخ يزرعون الموت والخراب في ربوع العراق، فكيف وصل هؤلاء إلى
العراق لو لم يكن لهم علاقات مع صدام قبل سقوطه، ولو لم يكونوا
عارفين بالأماكن التي تحقق لهم الاستقرار فيه بعد الحرب.. وهذه
المجازر التي ارتكبت بحق العراقيين وقد ظهرت بأبشع صورها في هذا الكم
الهائل من الأجساد الملقاة فوق بعضها بكل حقد ووحشية، ألا تعني أن
جريمة كبرى قد ارتكبت بحق الشعب العراقي؟.
لا أدري كيف يدافع هؤلاء عن صدام ويدعون أنه قائد عربي ومسلم، وهو
لا يحترم حتى أبسط مبادئ الإسلام في تغسيل الميت ودفنه، فكانت
جرافاته هي التي تتكفل تقطيع أجساد ضحاياه دون تمييز وتلقيهم في حفر
ضخمة قبل أن تهيل التراب عليهم.. فبأي كتاب وأي سنة ورد القتل والدفن
بالطريقة التي اتبعها صدام مع معارضيه؟.
الحقائق التي غابت عن المدافعين عن صدام أنهم تناسوا حصوله على
أسلحته المحظورة عبر وساطات من الدول التي حاربته فيما بعد، وهذا
يعني حتما أن تلك الدول تدرك عن أي أسلحة محظورة تتحدث، وأما جرائمه
بحق العراقيين، فلا أدري كيف يصر هؤلاء على تجاهلها، فلو قلنا أن
صدام لم يقتل ولا عراقيا واحدا في سجونه، فيكفي أنه أشعل فتيل ثلاث
حروب فقد العراق فيها مئات الآلاف من خيرة شبابه، مما أفقده فرصا
ثمينة في التقدم مستغلا طاقاته البشرية إضافة لموارده المالية التي
أحرقها صدام هي الأخرى في تلك الحروب وفي عطاءاته ومنحه السخية لتجار
المواقف من السياسيين وأنصاف المثقفين.