عانى العراق طويلا من سيادة إرهاب الدولة، وسيطرة عصابة ظلامية
على مقدراته والتحكم برقاب أبنائه، ولم يقتصر الخراب الذي جرته
السلطة البائدة على العراق على الصعد الاقتصادية والثقافية
والسياسية، بل تعدا ذلك ليشمل أهم محور في حياة أي شعب، ألا وهو
الأمن..
السلطة التي أدارت رحى الموت طيلة سنوات حكمها انتهجت أساليب
وسياسات غريبة في محاولة للعب الورقة الأمنية على صعيد إقليمي وحتى
دولي، فاستقدمت جماعات إرهابية من مختلف المناطق لتقيم لها معسكرات
وتحيطها بالحماية وتغدق عليها العطاء المادي، وتفتتح لها وسائل
إعلام.. ولعل ما يحدث اليوم في العراق من اختراقات أمنية يروح ضحيتها
الأبرياء من العراقيين هو النتيجة المؤلمة لسياسات النظام تلك، فمن
غير المتصور أن يأتي أفراد من خارج العراق ليقيموا مراكزهم وتجمعاتهم
فيه وعلى أرضه دون أن يكون لهؤلاء معرفة واطلاع مسبق بتفاصيل الحياة
فيه، ولكي لا نذهب بعيدا فخير مثال على إقامة صدام لعلاقات مع منظمات
إرهابية، هو احتضانه لمنظمة ( مجاهدي الشعب) الإيرانية المعارضة،
والتي أدرجت من بين المنظمات الإرهابية أوربيا وأمريكيا، بعدما قامت
به من أعمال قتل ضد أهداف مدنية إيرانية، وقد لمس العراقيون قبل
غيرهم أعمال منظمة المجاهدين هذه حين اشتركت بقمع العراقيين في مدن
عراقية عديدة كالعمارة والبصرة والناصرية ومدينة الصدر، وبلغ اعتماد
صدام على هذه المنظمة حدا أن منحها صلاحية إقامة السيطرات على الطرق
الخارجية واستجواب المسافرين العراقيين، ومنعهم أحيانا من التوجه إلى
مقاصدهم، سيما حين يتوجهون من الجنوب إلى العاصمة بغداد!!.
ولعل اندفاع موجات القاعدة نحو العراق يؤكد حقيقة التعاون الوثيق
بين صدام وهذه المنظمة الإرهابية، وإلا، فمن المستبعد جدا أن تتمكن
جماعة غريبة من التطفل على واقع غريب عنها دون أن يكون لها جذور من
العلاقات فيه..
المطلوب إذن من أجل عراق أكثر هدوءا واستقرارا أن تدعم الحكومة
العراقية الحالية وتلك التي ستنتخب فيما بعد، التخلص من هذا الإرث
السيئ للنظام البائد، وأن تمنع أي تشكيل معارض لدولة مجاورة وغير
مجاورة من استغلال أرض العراق بهدف زعزعة أمن تلك الدولة، سيما أن
هذا الأمر لا ينسجم مع مصالح العراق العليا، ولا ينمي علاقاته مع
جيرانه، وربما يمكن القول من قبيل المثال، أن بعض التخوف الإيراني
الذي دفع بالحكومة إلى التشكيك بطروحات العراق الجديد، هو أن
الولايات المتحدة احتضنت منظمة مجاهدي خلق الإرهابية بعد سقوط صدام،
ولم تطلب منها مغادرة العراق، أو تجردها من أسلحتها، الأمر الذي
فهمته إيران على أنه إعادة تأهيل لهذه المنظمة يهدف إلى الإفادة منها
في ضرب إيران بعد الفراغ من الشأن العراقي ..
لابد إذن أن تؤخذ مصالح العراق العليا بالاعتبار، ولابد أن يحصل
جيرانه على تطمينات حقيقية بأن العراق الجديد يختلف تماما عن العراق
في زمن صدام، ومن أهم التطمينات تلك هو رفض تواجد الميليشيات المسلحة
على أراضيه لتحسين علاقاته مع جيرانه..