اخذت تشكل القيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان ومنذ بدايات القرن
الماضي،الدائرة الاوسع في ثوابت الشعوب والقيم الحضارية حتى عند تلك
الامم التي تحركها دواعي المصالح الذاتية، وذلك بحكم التشابك والتلاحم
الذي اصبح يحكم هذا الكون طالما اصبحت دول العالم لا يمكن ان تستغني
كبيراتها عن اصغر الدويلات مساحة او نفوسا وطالما بات من المتيقن ان
التجاوز باستمرار على حقوق الاخرين او التمادي في ذلك يؤدي الى ردود
افعال ذات عواقب غير محمودة، تطال حتى الشمال في هذا العالم وتبدد
التصور الذي يذهب الى ان بعض البقاع الجغرافية في العالم لا تطالها
ايادي التخريب، هذا التصور وتلك الرؤية حاول الاتحاد الاوروبي الاهتمام
بها الى حد كبير لانه اكثر حنكة من بعض الاطراف التي يهمها الانقضاض
على الفريسة في رهان مع الوقت لا مع الاستحقاقات الاخرى ولو كانت تلك
الاستحقاقات هي التضحيات.
بلدان الاتحاد الاوروبي بما في ذلك بريطانيا لها استراتيجيتها في
الحفاظ على مصالحها في العالم وهي ليست مستعدة للتنازل عنها باي وجه
لكنها بنفس الوقت لا تحاول ان تبدي نفسها في موقع المستفز للاطراف
الاخرى، فلانها احتلت نصف الكرة الارضية وقسمت الحدود ووزعت الخيرات
على البلدان بل وتلاعبت الى حد كبير في ترجيح كفة بعض الاطراف من اجل
الوصول الى السلطة على حساب اطراف اخرى فلانها كذلك فهي لا ترغب في
اشعار البلدان المغلوب على امرها بانها فقدت كل شيء مما يعني الاسهام
في تفريخ الاحتقان المفخخ في ادمغة الشعوب، ولهذا فهي رغم تأكيدها
واصرارها بالحفاظ على مصالحها ووجودها في المنطقة الا ان اهدافها
واستراتيجياتها تطبق بآليات قد تظهرها في مظهر الطرف المحايد في
النزاعات الدولية اولا وثانيا يجعلها في مراتب ليست متقدمة في سلم
اولويات جماعات العنف او ما يسمى بالارهاب، وبالتالي فهي تلاقي ترحيبا
اكبر، واكثر مقبولية اذا ماقيست الى اطراف اخرى، كالولايات المتحدة
الامريكية فان تلك الاخيرة لا تأبه بذلك بل تفضل تنامي الخصوم من اجل
توفير عامل التحدي والاستنفار بغية الاستمرارية للوجود الامريكي بهذه
الابهة ولهذا توفر دولة كالولايات المتحدة الامريكية اكثر من ثلث
ميزانيتها ( اي 400 مليار دولار سنويا ) الى الجانب العسكري، اذن
فالولايات المتحدة الامريكية تقف على طرف النقيض مع الاستراتيجية
الاوروبية تجاه مايسمى بالارهاب رغم جميع مابين الجانبين من مشتركات
فهي ليست فقط لاتأبه بتنامي حالة العداء للولايات المتحدة الامريكية في
الشرق الاوسط بل تراهن على تنامي ذلك العداء واضفاء جرعة من فايروس
الارهاب عليه، وبالتالي المحافظة على اجواء الاستنفار والتحدي التي
تعتبر اهم العوامل المساهمة في الوجود الامريكي ودمومة هذا الكيان
المستفحل.
وكما نجحت الولايات المتحدة الامريكية ايام الحرب الباردة وخرجت منتصرة،
فانها تراهن هذه المرة ايضا على خلق العدو واضفاء حالة من الاسطورة
العدوانية حوله الى درجة يكاد يصدق خصوم امريكا انفسهم ذلك التهويل
فيندفعون اكثر من ذي قبل في بعثرة الاوراق وبالتالي توفير فرصة اكبر كي
تسثمرها وسائل الاعلام الامريكية الضخمة وتوضفها الادارة الامريكية
ايضا في تفيخم الخصوم، وهنالك حمقى كثيرون في هذا الكون مستعدون ان
يلبوا ذلك الطموح الامريكي الاهم.
كاتب عراقي
mosawi_gamal@hotmail.com |