ربما لأننا لم نعش أجواء الحرية من قبل، وربما لأننا لم نعتد إلا
على الرأي الواحد، والحزب الواحد، والرمز الواحد، صرنا نفهم الأمور
بالمقلوب، فالحرية اليوم واضحة في الشارع العراقي ولا يستطيع أحد أن
ينكر ذلك إلا أولئك الذين لايرون الأشياء على حقيقتها، أو أصحاب
الأغراض والمقاصد، وإلا فماذا تعني الحرية غير أنك تعبر عما تريد في
الزمان الذي تختاره، وأن تسافر وتحصل على جواز سفر، وتنام في السيارة
دون أن تخشى من عقوبة الانضباط الذي سيعتبر ذلك إخلالا بالأمن.. أي
والله صدقوني.. فذات يوم تعرض زميل لنا في الدراسة إلى موجة من
التوبيخ أمام أنظار أكثر من خمسين راكبا كانت تقلهم(ريم) قدمت من
البصرة.. لم يرتكب زميلنا جرما أو خطيئة، ولكنه نام تعبا في مقعده،
ولم يستيقظ رغم أن السيارة توقفت في سيطرة انضباط الـ( كرمه).. كاد
رجل الانضباط أن يقلع كتفه وهو( يربت) عليه بطريقة صدامية.. فز
صاحبنا ظنا منه أنها الآخرة، وأن القيامة قد قامت وحضر الغلاظ لعرضه
أمام العادل الأوحد.. وكادت الأمور تتطور إلى إنزاله من السيارة
وحجزه، لولا لطف الباري جل شأنه.. هذا كله لأنه نام ولم يستيقظ عند
السيطرة، فهل يخشى أحدنا اليوم من النوم والشخير في مقعده؟.
أعرف أن مفهوم الحرية ابعد من ذلك، ولكن قست على ماوصل إليه
الاستبداد لأذكر بما حصدناه من ثمار الحرية.. نحن اليوم نتكلم أمام
الموظف، وأمام المعلم والمدرس، ونتكلم في الشارع وننتقد أداء الوزراء،
وبعضنا يشتم ويلعن ويتهم، ولم نخش أن يقال لنا( أنكم تنتقدون ارتفاع
الأسعار، إذن الحكومة ليست على مايرام) أو بالعراقي:( ها اشبيهه
الحكومة)..
وعبارة( اشبيهه الحكومة) كانت تكفي للإرسال نحو المقابر الجماعية..
نحن ببساطة نعيش الحرية بكل معناها، ويتطلب ذلك أن نحرص على هذه
المكتسبات وننميها ونعض عليها بالنواجذ، ولكن يا أخوان الحرية لا
تعني الفوضى، بل تعني منتهى الانضباط والالتزام، لأنها ببساطة تعني
تحفز الرقيب الذاتي، وتيقظ الضمير، وهو أشد وطأة على المرء، أو هكذا
يفترض من أي رقيب آخر.. لذلك لا بد من الارتقاء الى مستوى المسؤولية
الكبرى، وإظهار الحرص على العراق وأهله من الجميع..
وهناك نقطة أخرى تتعلق بالحكومة، ونقول أيضا: الحرية لاتعني
الفوضى.. هناك خطط وبروتوكولات عمل تسير عليها أنجح الأنظمة
الديمقراطية في العالم، فلا يصح أن يعرض العراق باسم الحرية إلى
مخاطر كبيرة، فالحرية لاتعني مثلا أن تجول وسائل الإعلام الأجنبية في
العراق وتوزع هواتف( ثريا) على عملائها في مختلف مدن العراق، وتعرف
صحفيا هنا وآخر هناك يعملون لحسابها، بعيدا عن علم الدولة ورقابتها،
وكلنا يعلم أن بعض الفضائيات لها علاقات مع تنظيمات إرهابية، الأمر
الذي يجعل استغلالها لأجواء الحرية في العراق مسألة تضر بأمن العراق
وسلامته..
وأخيرا، فما لايقل خطورة، هو استضافة الميليشيات الأجنبية المسلحة
على الأرض العراقية، فإذا كانت الأسلحة قد جمعت من بعض الميليشيات
العراقية، فإن الأسلحة التي لدى تنظيمات إرهابية دولية لا تقل خطورة
عن أسلحة( ربعنا) ومن يدري فالسياسة لا تعرف الممنوعات، وربما تحدث
تحالفات بين( منظمة مجاهدي خلق الإيرانية الإرهابية) ومنظمة القاعدة
والزرقاوي وغيرهم من أزلام النظام البائد، سيما ونحن نعرف أن لمنظمة
مجاهدي خلق هذه روابط قوية مع صدام وبقاياه، وقد رفض بعضهم تسفيرها
في وقت سابق وعقد (مؤتمرا شعبيا) لذلك، وهو ما يهدد بعواقب سيئة،
لذلك فتطهير العراق من كل الميليشيات الأجنبية كـ( منظمة مجاهدي خلق)
وجماعة الزرقاوي والقاعدة، لا يقل أهمية عن إفراغ العراق من الأسلحة
بأنواعها.. والحرية والديمقراطية والاعتراف بحق اللجوء السياسي،
لايعني مطلقا استقبال المليشيات المسلحة.. في كل دول العالم التي
تعطي هذا الحق تمنع صاحبه من ممارسة أي نشاط مسلح، فكيف نسمح لمنظمة
تقود حربا ضد بلد آخر أن تنطلق من أراضينا، الأمر الذي يربك علاقتنا
بالأخرين ويعرض أمننا للخطر من خلال تدخل الآخرين في شؤننا؟..
|