يظهر من تجاذب الآراء في الارتياح حيناً والمخاوف أخرى أن تركيا
المسلمة استطاعت اختراق الخطوط الحُمُر وكسب ثقة البعض في الاتحاد
الأوروبي مما حدث بها إلى التقارب أكثر والتأكيد لضمها إلى الاتحاد فهي
الدولة الإسلامية الأكثر انفتاحاً واعتدالاً حسب مواصفات الاتحاد
الأوروبي.
وبينما يستولي العنف على قسم كبير من العالم الإسلامي، يجري في
تركيا نوع آخر من الثورة الإسلامية يمكننا القول إن نموذجاً جديداً
يتشكل، إنه ليس المثال الذي اعتادت واشنطن أن تلوح به، أي تركيا كدولة
مسلمة "علمانية" وثابتة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وموالية بشدة
لأمريكا. على العكس إن تركيا تصبح نموذجاً للشرق الأوسط وبقية العالم
الإسلامي بالتحديد لأنها تفترق عن هذا النمط القديم.
اليوم تركيا يحكمها أول حزب إسلامي منتخب ديموقراطياً وناجح في
تاريخ العالم الإسلامي، منحت أغلبية صحية من الأتراك أصواتهم لحزب
العدالة والتنمية ليس لأنهم أرادوا مزيداً من الإسلام، إنما لأنهم
اقتنعوا أن الحزب يستطيع إنجاز الأمور. وقد فعل.
أتت السنتان الماضيتان بتغييرات غير عادية، من إصلاحات ديمقراطية
مست إليها الحاجة، إلى إعادة صياغة شاملة للاقتصاد، في الوقت نفسه، يخف
البلد من أحكام روابطه الجيوسياسية القديمة. فبغض النظر عن عضويتها في
حلف شمال الأطلسي، قالت أنقرة لواشنطن: لا لمهاجمة العراق من الأراضي
التركية، ومع احتمال أن تبدأ قريباً المفاوضات للانضمام إلى الاتحاد
الأوروبي، ستصبح تركيا أقرب إلى أوروبا منها إلى أمريكا، والمفارقة هي
أنه بتلك النجاحات وحدها تستطيع تركيا أخيراً أن تصبح نموذجاً حقيقياً
للمسلمين على نطاق العالم، المسألة ليست أن البلد يحتاج إلى حكومة ذات
توجه إسلامي لكي ينجح. إن إمكانية أن تكون هناك مثل هذه الحكومة تتحرك
بين داخل الحكم وخارجه، مثل أي حزب آخر، هي التي تضع ديموقراطية تركيا
على أساس تمثيلي وصحيح. فمعظم الدول الإسلامية الأخرى تخيم عليها
صدامات بين دكتاتورية قاسية وبين أحزاب إسلامية، تمثل الآن المعارضة
الرئيسية للنظم السلطوية، تركيا هي الدولة المسلمة الأولى التي حلت هذه
المشكلة بأن نجحت في تحديث الإسلاميين وإدماجهم في النظام السياسي.
ولكن حسب القرائن أن هذه التنازلات من تركيا غير كافية رغم حلحلة
الأحزاب الإسلامية وإدماجهم وإجراء إصلاحات قانونية كثيرة كمنع الحجاب
والرموز الإسلامية في البرلمان والأماكن العامة.
إضافة إلى القلق الأوروبي من (عسر الهضم الثقافي) في استيعاب بلد
مسلم في صفوفه، ولكن على كل حال لا يمكن أن يجد الاتحاد الأوروبي
نموذجاً أفضل من تركيا، مراعية ومواكبة لخطوات التطور.
وإذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي قبول تركيا الجديدة، سيكون قد كشف
أن دعاواه حول التعددية الثقافية الحقيقية فارغة، وعلى الغرب أن يعترف
أن ما يشاهد في تركيا هو صيغة حديثة معتدلة من الإسلام السياسي، وينبغي
حساب النمو الاقتصادي الكبير في تركيا وإصلاح نظامها المصرفي لجذب
المستثمرين، وتلمح تقارير حديثة من قبل لجنة تركيا المستقلة والمدعومة
من قبل مؤسسات بريطانية وأمريكية غير ربحية ومركز السياسات الأوروبية
إلى أن اقتصاد البلاد ينمو بسرعة تبلغ أربعة أضعافها في دول الاتحاد
الأوروبي الرئيسية، وبالتالي فإن الأتراك، وبصورة متزايدة، تتناقص
حاجتهم إلى مغادرة وطنهم للبحث عن عمل، وهذا ما يقطع أعذار الأوروبيين
ويغير نظرتهم إلى تركيا البلد الذي تميز بارتفاع صادراتها من العمال
إلى الاتحاد الأوروبي.
والمهم في الأمر هل تستطيع تركيا أن تتخلى عن إسلاميتها أم لا؟ |