أياً كان العلم، سواء كان المنهج المعين لاكتشاف الجديد، أو كَمُّ
المعرفة الذي ينجم عما كُشِفَ. أو الجديد الذي يمكن أن نقوم به عندما
نكتشف شيئاً ما، إلا أن الرائج هو إطلاق العلم على المجال الأخير
والمسمى عادة "بالتكنولوجيا".
إن أوضح خصائص التكنولوجيا هو تطبيقه، هو حقيقة أن نتائج العلم
تمنحنا القدرة على القيام بأشياء جديدة وأثر هذه القدرة لا يحتاج إلى
تأكيده، إن الثورة الصناعية بأكملها كانت ستغدو مستحيلة لولا تطور
العلم، وإمكاناتنا اليوم لإنتاج مقادير هائلة من الطعام تكفي لسد حاجة
هذا العدد الضخم من السكان أو التحكم في أمراضهم، هي في أغلبها نتيجة
لتطوير وسائل علمية للإنتاج.
وهذه القدرة على إنجاز الأشياء لا تحمل معها تعليمات عن كيفية
استخدامها عما إذا كانت ستعمل للخير أم للشر. إن حصيلة هذه القدرة قد
تكون طيبة وقد تكون شريرة، حسب كيفية استعمالها، إننا نفضل الإنتاج
المحسن، لكن أمامنا مشاكل الأتمتة، نسعد بتطوير الطب، ثم يقلقنا عدد
المواليد وحقيقة ألا أحد يموت بالأمراض التي قضينا عليها. وبنفس
معارفنا عن البكتريا هناك معامل سرية يعمل فيها رجال بكل قواهم لتطوير
بكتريا لا يتمكن أحد من أن يجد لها علاجاً. يسعدنا تطوير النقل الجوي
وتذهلنا الطائرات العملاقة. لكنا ندرك أيضاً الفظائع المهولة للحرب
الجوية. تسعدنا قدرتنا على الاتصال بين الأمم، لكن تقلقنا أنه من السهل
أن يتطفل علينا الغير، تثيرنا حقيقة أنه من الممكن الآن أن نسبر أغوار
الفضاء، ولكنا بلا شك سنواجه المصاعب هناك. أما تطوير الطاقة النووية
فمشاكلها واضحة.
إذن للعلم قيمة على كل حال حسب آراء الخبراء إذ يقول: ريتشارد
فينمان:
أعتقد أن القدرة على إنجاز الأشياء أمر له قيمته، أما أن تكون
النتيجة طيبة أو خبيثة فهذا يتوقف على طريقة الاستخدام، لكن القدرة
ذاتها لها قيمة.
ومن هنا يستشهد العلماء بالروبوت الذكي على أن عملية تطور (الكائنات
البشرية) لم تصل إلى نهايتها بظهور الإنسان العاقل، الذي ننتمي نحن
إليه، والذي تفرع إلى سلالات وأعراق كثيرة قد تختلف في بعض الخصائص
الجسمية ولكنها تتفق كلها في طبيعة الملكات الذهنية والقدرة على
التفكير والتعبير عن الأفكار والمشاعر بالحركة وبالنطق أي اللغة
المفهومة التي تعتبر هي الأداة المميزة للتواصل والتفاهم.
فشجرة الحياة لا تزال تنمو وتتفرع وتتعرض لكثير من التغيرات
والتجديدات غير المتوقعة، والتي قد تنحرف بالجنس البشري كما نعرفه عن
المسار الذي حدده داروين إلى مسار جديد من شأنه إقامة علاقات قوية بين
الإنسان البشري والإنسان الآلي، عن طريق نقل بعض الخصائص والمقومات
البشرية إلى الروبوت، بحيث تتضاءل الفوارق بينهما تدريجياً إلى أن يأتي
اليوم الذي تتمكن فيه الروبوتات التي هي في الأصل من صنع البشر من
امتلاك القدرات الذهنية والإمكانات العاطفية البشرية، التي قد تؤدي بها
إلى أن تصبح بديلاً عن هذه الكائنات البشرية أو الإنسان البشري وأن تحل
محله ليس فقط في أداء الأعمال الروتينية الشاقة كما هي الحال الآن،
وإنما أيضاً ممارسة الأعمال الذهنية المعقدة والمجردة والتعبير عن
مشاعرها بوضوح وجلاء دون تدخل العنصر البشري في ذلك، بل إن بعض هؤلاء (العلماء
التطوريين الجدد) يذهبون إلى حد التنبؤ بأنه سوف يأتي اليوم الذي
تستطيع فيه الروبوتات الدخول في علاقات فكرية وعاطفية متبادلة فيما
بينها وأنها قد تتمكن في المستقبل غير البعيد من أن تتولى هي ذاتها صنع
كائنات روبوتية جديدة شبيهة لها، وتنتج بالتالي أجيالاً جديدة وسلالات
أكثر تقدماً وتطوراً، مثلما يفعل البشر تماماً من خلال الحب والزواج
والتناسل.
فكأن العالم إذن يتقدم نحو مرحلة جديدة من التطور يطلق عليه اسم
مرحلة ما بعد البيولوجيا حيث تظهر سلالات من الروبوت تتمتع بقدرات
وإمكانات أعلى بكثير مما يحظى به الإنسان البشري في الوقت الحالي،
ويقوم بأعمال صعبة وكثيرة ودقيقة دون تعب أو ملل، وقيام الروبوت بكل
تلك الأعمال قد يحقق للإنسان بعض الراحة ولكنه سيؤدي في الوقت نفسه إلى
تهمش دوره في الحياة اليومية والى أن يحل الروبوت محله.
فالعصر الحالي هو عصر الانفجار التكنولوجي الذي سوف يتمخض عن ظهور
نمط جديد من المجتمع الإنساني يتراجع فيه دور الإنسان البشري ويزداد
دور الإنسان الآلي، الذي سوف يتمتع بدرجة عالية من الذكاء الصناعي بفضل
الجهود والتجارب التي يجريها الآن ومنذ سنوات طويلة علماء وباحثون
يدركون تماماً أن النتيجة النهائية المحققة من تلك التجارب سوف تكون في
غير صالح الجنس البشري الذي ينتمون إليه والذي سوف يخلي موقعه من
الحياة لإنسان جديد أكثر قدرة وكفاءة من الإنسان الآدمي الذي أبدعه،
ولكن ننهي الحديث بجملة لأحد المفكرين عساها أن تنفعنا لإزالة مخاوفنا
(الروبوت لن يحل محل الإنسان.. بشرط أن نكون بشراً). |