في ظل الظروف الثقافية المعاصرة التي لم تشهد نتاجاً أدبياً مميزاً
سواء على مستوى الرواية أو القصة أو الأقصوصة أو القصيدة الشعرية أو
المقالة إلا ما ندر يضمحل عموم المشهد الثقافي الذي فقد درجة النوعية
في نتاجاته على وجه العموم واكتفى بالبديل الكمي الهائل وهذا أخطر محور
تمر به الثقافة العالمية الآن والتي يهمنا منها النتاج الثقافي العربي
بصورة أكثر من غيره.
إن الطموح الثقافي العربي يعاني الآن من حالة انكسار فصورة مقربة
لتوثيقات ما ينتج الآن يبعد الاهتمامات عن دائرة النتاج المميز الممكن
التصرف عليه بسهولة لكن مثل هذا النتاج يبدو ليس غائباً في المرحلة
الراهنة بل ربما لم يأتي به الزمن الثقافي القريب القادم فعالم الثقافة
اليوم رغم الأعداد الهائلة والمنوعة قرائياً وصورياً وسماعياً إلا أن
تعداد المصادر الثقافية ربما يكون حال المغالاة بها قد سببت بإفراز
النوع الهش من النتاج الثقافي الذي لا يرى فيه الجمهور ما يستحق
الالتفات إليه أكثر من العلم بخبره فقط.
ولعل من المسلمات الآن في الوسط الثقافي العربي على وجه العموم
والوسط الثقافي العالمي على وجه الخصوص ما يوصل الناقد الأدبي إلى ما
يشبه الإقرار الفعلي بأن هناك أزمة ليس من السهل لا تجاوزها ولا
نكرانها فعلى صعيد عناوين الكتب الصادرة حديثاً خلال السنوات الأخيرة
قد وصل إلى أرقام خيالية جداً ولكن على حساب الكتاب النوعي اللا منتج
بينها وهذا الحال قد أضحى يُفهم منه بأنه لا بد من البحث عن سبيل يعيد
للكتاب النوعي المنتظر إلفات الأنظار لقدومه المحتم وإلا هل يعقل أن
العالم العربي ليس فيه من المبدعين الأدباء ما يمكن أن يسد هذه الثغرة
الثقافية التي أخذت من القراء والمشاهدين والمتابعين أكثر مما تستحق
ولا من مسؤول أو جهة مسؤولة ممكن أن تفرغ بعض ممن تعتقد أنه أصحاب
مواهب كي يقدموا شيئاً نوعياً ومميزاً في عالم النتاجات الثقافية قصة
عظيمة مثلاً.
إذ من غير المعقول أن بوحي عصب الحياة الثقافية وكأن المبدعين
السابقين الذين ظهروا في النصف الأول من القرن العشرين الماضي (على
سبيل المثال) هم آخر من أستطاع أن يثبت وجوده بامتياز في الساحة
الثقافية العالمية وأن العقل النقدي والثقافي هما قد أصبحا في حالة
تراجع دائم حتى أوصلن الحال الثقافي إلى درجة الشكل الجيد في النتاج
الثقافي لا المضمون الجيد فيه.
إن ما يخشى كثيراً من ترامي اليوميات الثقافية المعاصرة أن يبقى
الغرض السامي من النتائج الثقافي مشتتاً بلا هدف يدعو إلى الالتزام
بالمواقف الإنسانية التي بدونها فإن الثقافة ومهما كانت صورة نتاجاتها
فهي تقترب من شكل الإعلان الذي يدعو بدعايته للترغيب بالاقتناء لنتاج
بعيد عن حركة التاريخ الذي يفتش دوماً لتسود الحياة الرائعة بين أولاد
آدم وحواء.
والثقافة بمجمل نتاجاتها اليوم بحاجة إلى تجديد وفي الحد الأدنى إلى
إعادة نظر فقد تعدى الموروث الثقافي من العقدين الآخرين ما يشبه سد
الخواء الثقافي النفسي ويأتي نتاج هش. وأكيد أن هناك بقايا من
استراتيجية النتاج الثقافي الملتزم بمبادئ راسخة في بعض الكتابات التي
لم تصلها بعد رياح المغالطات التي تؤسس اليوم لتصبح نهجاً جديداً في
عالم الثقافة إذ أن صياغات النتاجات الثقافية بعمومياتها لم تعد تثير
ذلك الإعجاب الذي يعترف به الجمهور أنه أمام عمل أدبي أو فني أو فكري
يستحق الاعتراف به وثم تقييمه.
الثقافة في تاريخ أي شعب هي بمثابة صمام أمان لكل تقدم حضاري حقيقي
وبدون هذا الصمام فالانحدار على سلالم التأخر والتخلف والتراجع هو الذي
سيكون ميزات ثقافية مهزومة المضامين وأن علتها حقيقة كون مجمل مدرسة
النتاجات مزوقة الأشكال. |