تحدثت السيدة نسيمة الخطيب التي أحيت الحضور، شاكرة للجميع تعاونهم
ومساهمتهم لانعقاد المؤتمر وإنجاحه، آملة (أن نكون على مستوى المسؤولية
في تنفيذ الوعد والوفاء بالعهد على متابعة مسيرتنا الحضارية العلمية في
"جمعية بيروت التراث" التي استطاعت بفضل الدعم المستمر أن ترقى
بنشاطاتها إلى مستوى رفيع على الصعيدين الوطني والقومي "أضافت السيدة
الخطيب: "في هذا الزمن العربي المأزوم بأحلامه وآلامه، نستنهض الفكر
المبدع كي يشكل حالة وعي معرفي تثير المخبؤ في النوايا، وتشير إلى
مواطن الوجع في الكيان والمصير.. وحسبنا هِمة في هذا المؤتمر أن ننشر
ضواً في مطارح العتمة، وقد اشتدت على الأمة نوازل لا تبقى ولا تذر، إذا
ما بقيت شواغل (الأنا) تحجب الحقيقة وتشجب (الآخر) كأن بينهما قديم
عداء..
ولنا في تاريخ أمتنا المجيد صور تبعث على الرجاء لكن نقصان الوفاء
لها جدد الإشكاليات، وعدّد التأويلات، وبدد التجليات، فادلهمت آفاق
رؤانا، وبتنا في شبه ضلال اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي حتى استوت
عندنا الأنوار والظلم..
ولئن كان الاستشراق لغة واصطلاحاً، يمثل حالة مؤثرة في شرقنا العربي،
فإنه حركة استكشاف للأرض وللإنسان، أثارت القلق، وبعثت الدهشة، ومزقت
الانبهار، وبتنا حيارى إزاء تصدير مناهج جديدة لحياتنا وتاريخنا
ومستقبلنا حملته العولمة إلى وجودنا، بلا استئنذان، فاستحال الصدام
وشيكاً، صدام الزمن مع ذاته، بين ماض محمل بمهام التراث وحاضر مثقل
بهموم الحداثة..
ويرتسم في البال سؤال: هل كان الاستشراق يحمل مفاتيح العولمة؟ أم أن
العولمة توكأت عصاه، وصادرت محتواه مستأثرة بأحادية القول والفعل؟ باسم
الحرية حيناً، وباسم الديمقراطية حيناً آخر..!
إنها لمعادلات صعبة في ميزان القيم، ولاسيما بعد أن كادت تلازمنا
صفة الدونية، لينعم الغرب بصفة الاستعلاء.. فلا غرو، إزاء هذا الحاضر،
أن ينبري أهل الفكر والعلم إلى قراءته بموضوعية أكاديمية هادفة، تؤدي
إلى تشكيل وعي معرفي يحاصر الزمن، ويعبر الدهشة، ويتأمل تحولات الوجود،
فيختزن ما لديه، ويجتذب ما يجديه بغية الدخول في المستقبل عبر حوار
نقدي لكل جديد وافد لئلا ندخل عصر الكوابيس وانكسار الروح وفقدان الحس
بالزمن..
وتحدث ممثل مؤسسة التراث في المملكة العربية السعودية سعادة الدكتور
زاهر عبد الرحمن عثمان.
الذي قال: ظل الاستشراق زمناً طويلاً.. وما زال مثار كثير من
التساؤلات والمشاعر، وبغض النظر عن تاريخ بداياته، فإن اتجاهاتنا نحن
العرب نحو الدراسات الاستشراقية توزعت بين العداء الخالص لها والانبهار
الشديد بنتائجها، بينما لم تتوافر الرؤية الموضوعية إلا قليلاً لبعض من
فطن إلى أن النظرة العدائية تحجب الرؤى، وتفضي إلى نتائج مسبقة المشاعر،
وتفقد الاستفادة من حكمة هي ضالة المؤمن تمثلت في إيجابيات للاستشراق
جاءت بقصد أو دون قصد، ولا شك في أن ارتباط الاستشراق مع بدايات
الاستعمار قد ساهم أكثر في خلق صورة ومشاعر مضادة له، وشدد على أهمية
وجود رؤية نقدية وموضوعية تستهدي بمناهج العلم الحديثة تلمساً للوصول
إلى نتائج يمكن توظيفها لمزيد من فهم نتاج المستشرقين، والوقوف على
منطلقاتهم الفكرية على ما بينها من اختلاف، وقال: يتميز هذا المؤتمر
بحضور جميل من دول عربية عدة، ويتزامن مع ما يشهده عالمنا العربي من
أزمات وصراعات، وما يخطوا إليه العالم من أفكار نحو توحيد هويته
العالمية وهو ما يجعلنا أشد حرصاً وتشبثاً بثقافتنا وتراثنا فهما منطلق
الثقة والحضور في العالم الجديد، ويسعد مؤسسة التراث في المملكة
العربية السعودية
وألقى الوزير أسعد دياب كلمة نقل في مستهلها تحيات رئيس الجمهورية
العماد اميل لحود إلى الحضور، متمنياً لهم التوفيق وجاء في كلمة الوزير
دياب في ظل الجدل المحتدم في الشرق والغرب حول الغزو الثقافي والشرق
أوسطية والعولمة وعلاقة الأنا بالآخر وفي الوقت الذي يزكي فيه دعاة
الإقصاء على الجبهتين نيران التصادم بين الحضارات جاءت هذه الندوة
الفكرية لتشكل حلقة ضمن سلسلة مطلوبة لنلتمس طريقنا في عالم متغير.
ونلبي دعوة للإصلاح تريده النخبة وتسعى إليه الجماهير وبذلك تطرح
الجدلية بين الأصالة والحداثة.
وتطرح مواجهة الزمن المتغير واحدة من أهم الإشكاليات الحضارية التي
تواجه صيرورة الوجود الإنساني فالعالم في ظل العولمة يتغير بصورة
أسطورية وحركة الأمم باتجاه المستقبل تشكل منطلق كل تحول نهوضي لأننا
نعيش في عصر التغيرات العاصفة.
وفي موقف الإنسان من الزمن تتجدد إحدى معالم هويته فبعض الشعوب تعظم
الماضي وبعضها يعطي الحاضر أهمية أكبر أما بعضها الآخر فيندفع إلى
المستقبل بلا حدود ويرفعه شعاراً لوجوده وحضارته.
وعلى أساس إيقاعات الزمن يجري تصنيف الشعوب والأمم إلى مجتمعات
تقليدية أو مجتمعات معاصرة، فالمجتمعات التقليدية تمجد وتتمجد ضمن حدود
ماضيها وتدور في ثناياها وتضاريس وجوده والمجتمعات الحديثة هي التي تجد
نفسها في اللحظات الآتية التي تقتضي من الإنسان الإبداع نحو آفاق
إنسانية أكثر عمقاً وأكثر أصالة وكل مجتمع يعرف بموقعه المتميز من
الزمن كما يرى "الفين توفلر" حيث يزحف الماضي إلى الحاضر ويعيد إنتاج
نفسه في المستقبل وعلى أساس الموقف من الزمن تصنف أيضاً العقليات إلى
عقلية تقليدية جامدة متحجرة تعيش في الماضي ولأجله وتدور في فلك
الأسلاف والأجداد والتقاليد القديمة وبعض الشعوب ما زالت تخشى المستقبل
بما ينطوي عليه هذا البعد الزمني من تغيرات في ظل العولمة وثورة
المعلومات والاتصالات وفي هذا الفضاء الكوني يمكن القول بأن الموقف من
الزمن تحكمه عقلية ثقافية محددة وبالتالي فإن تغيير الموقف يتطلب دفع
العقلية السائدة على تبني مواقف جديدة تواكب حركة الزمن بما ينطوي عليه
من إرهاصات إبداع وحركة متجددة وتحرر وحداثة نحو قيم إنسانية خلاقة
ومبدعة ولذا فإن التحرر من التبعية للآخر لا يمكن أن يتم إلا من خلال
التحرر من التبعية العمياء للماضي بالتمسك بالجوانب المعطلة للعقل
والمنطق في هذا الماضي فالتشبث والتمسك بالأصالة وبالتراث وبالقيم
والأسس التي تشكل السمات البارزة في مشرقنا هو من دعائم وجود مجتمعنا
والحفاظ على هويتنا بوجه التيارات الدخلية ولكن لا يعني ذلك التقوقع
والانغلاق وإنما الانفتاح على حضارة العصر بمفهومها العلمي والتكنولوجي
والإنساني تدعيماً للهوية وتدعيماً للقيم التي هي روح كل عولمة عادلة
إنسانية، بذلك يتدعم الاستشراق بالعولمة وتتأنسن العولمة بالاستشراق
وتمنى الوزير دياب في ختام كلمته عود على بدء نتمنى باسم فخامة الرئيس
النجاح ولمداولاتكم ومناقشاتكم الوصول إلى نتائج وتوصيات تعبد لنا
الطريق إلى مستقبل أفضل لحمته التقدم وجوهره عدالة إنسانية مبنية على
سلام عادل وشامل هو أساس كل تنمية حقيقية ورفاهية عالمية وعولمة من أجل
خير الإنسان وليس على حساب الإنسان.
الجلسة الأولى: وتمحورت حول "الأبعاد الحضارية والسياسية"
بدأت الجلسة الأولى وترأسها رئيس مجلس شورى الدولة الدكتور غالب
غانم، وكانت مداخلة لرئيس قسم الفلسفة سابقاً في كلية الآداب في جامعة
القاهرة الدكتور حسن حنفي، بعنوان (من الاستشراق إلى الاستغراب) فأوضح
أن الاستشراق هو هذا الميدان المعرفي الذي نشأ مواكباً لصعود الغرب
الحديث من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الشعوب المستعمرة في
ذروة التقدم الأوروبي وانتشاره خارج حدود الجغرافيا. أما الاستغراب
فإنه نشأ من أجل استكمال حركة التحرر العربي والإسلامي ولشعوب العالم
الثالث على مستوى التحرر الثقافي والحضاري، تكملة للتحرر السياسي
والاقتصادي، وتحويل الغرب من كونه مصدراً للعلم كي يصبح موضوعاً للعلم.
ولفت إلى أنه قد ينشأ من الاستشراق والاستغراب حوار خصب للحضارات يقوم
على تعدد المسارات الحضارية والالتقاء بينها دون حضارة مركزية كبرى
لديها عقدة. والمداخلة الثانية، كانت لعميد الآداب سابقاً في الجامعة
اللبنانية الدكتور ساسين عساف تحدث فيها عن التجدد الحضاري والعولمة في
الوطن العربي، مشيراً إلى "أن ثورة الإعلام والمعلوماتية بلورت ظاهرة
العولمة وجعلت البشر يحسون بالانتماء إلى كوكب واحد، انكمش إلى حدود
القرية" وقال أن ثورة العلم والتكنولوجيا أسهمت على صعيد الاتصالات
والمعلومات في إحداث واقع ثقافي دولي أو عالمي جديد يتجاوز المحلي إلى
الكوني، هو عبارة عن "شراكة دولية" في صياغة أفاهيم ثقافة الألفية
الثالثة" ولفت إلى أن العولمة في بعدها الإعلامي والمعلوماتي، تطرح على
الثقافة العربية مجموعة تحديات، منها: "المزامنة" أو "المعاصرة"
الديمقراطية، الخطاب القومي، وقال: ثقافة المستقبل العربي دونها عقبات
ذاتية، أولها "الوأد الفكري المنظم" وثانيها يتمثل في قدرة الثقافة
العربية على القبول بالاختلاف والتناقض والتعدد، فالواحدية هي علة
الثقافة في غالبية المجتمعات العربية، وثالث تلك العقبات يتمثل في قدرة
الثقافة العربية على المواجهة والتفاعل في آن، وختم عساف بالقول: أن
الجانب الثقافي في نظام العولمة وتعدد الأوجه منها ما هو سلبي ومنها ما
هو إيجابي السلبي يفرض المواجهة والإيجابي يفرض التفاعل.
وألقى أستاذ علم الاجتماع والمعرفة في جامعة تشرين في سوريا الدكتور
كريم أبو حلاوة، محاضرة عن "الهوية في زمن العولمة" وعرض لما تتعرض له
الهوية العربية من مخاطر تتراوح بين الذوبان والانجراف في تيار العولمة
الجارف، وبين التقوقع والانكفاء إلى الماضي، وقال: إن ما نقصده بالهوية
في حالة المجتمع العربي هو حالة الانتماء إلى الفضاء الثقافي العربي
الإسلامي الذي يشكل ذاكرة الأمة الحية والفاعلة إلى جانب الثقافة
العربية المعاصرة بوصفها قاسماً مشتركاً بين كل أولئك الذين يتواصلون
في مجال ثقافي ولغوي مشترك. ودعا أبو حلاوة إلى إعداد سياسات إعلامية
جديدة وجريئة تستطيع تلبية حاجات الإنسان العربي الثقافية والجمالية.
وقال: أما الاكتفاء بمجرد الهجوم اللفظي على العولمة وآثارها السلبية
على المستوى الثقافي أو السياسي فإنه لن يغير من واقع الحال شيئاً مثله
مثل محاولات الاحتماء بحدود التراث والتاريخ بدعوى الهروب من خطر
الذوبان في تيار العولمة. واختتمت الجلسة الأولى، بمحاضرة ألقاها عميد
كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية الدكتور رياض قاسم
عن "الاستشراق والعولمة من منظور سياسي"، فسأل ما "إذا كان الاستشراق
بصيغته الجديدة بث وظيفي يتوسله سادة العالم الجديد لصنع القرارات
السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية" وقال: يراد من خلال هذه
البحوث الاستشراقية تنفيذ اختراق ثقافي يزعزع دور الثقافات الوطنية في
عالم "الجنوب" لحساب ما يسمى بثقافة النموذج، أو الثقافة الاستهلاكية،
غير المنتجة، مما يؤدي تدريجياً إلى اختفاء مؤسسات الإنتاج الفكري في
البلدان النامية، وبالتالي فإن تقلص الإنتاج الفكري على المستوى العام
في الدول النامية وانحصار اهتماماته في مجالات مرسومة، يوفر شروطاً
مثالية لسيادة طروحات العولمة، أو النظام العالمي الجديد. ثم كانت
مناقشة استمرت 15 دقيقة.
الجلسة الثانية: ثم بدأت الجلسة الثانية برئاسة الباحث العربي في
دولة البحرين أحمد سلمان كمال وتمحورت حول أدب الاستشراق، واستهلت
بمداخلة لرئيس لجنة التطبيق والمراجعة الشاملة في المملكة العربية
السعودية الدكتور يوسف عبد الله مكي تحت عنوان "قراءة في أدب الاستشراق
بين الحربين العالميتين" وأشار إلى أن "الاستشراق ليس شيئاً جديداً فهو
برز بوضوح مع الهجمة الاستعمارية التقليدية على المنطقة العربية، وقال:
"إن عملية الرصد والاستقصاء للحركة الاستشراقية، تشير إلى أنها كانت في
معظمها جزءاً من المقدمات التي هيأت لاحتلال الوطن العربي. لكن ذلك لا
يعني بأي شكل من الأشكال، عدم وجود مستشرقين متعاطفين مع حق شعوب هذه
المنطقة في الحرية وتقرير المصير. لقد كان هناك منصفون درسوا التاريخ
والثقافة والآداب العربية، بتأن ورؤية وقدموا دراسات ثمينة، لازالت حتى
يومنا هذا تعتبر أحد مصادر المعرفة والتاريخ عن المشرق العربي، ثم كانت
مداخلة للأستاذ في جامعة عنايا (الجزائر) الدكتور سعد بو فلاقة بعنوان
"قراءة في أدب الاستشراق بين الإنصاف والتعصب" فعرض للدراسات المختلفة
التي أعدت عن الاستشراق عبر التاريخ المعاصر، فلفت إلى "أن الاستشراق
لم ينل حظه من البحث العلمي المتجرد" ودعا إلى "التعامل مع العولمة
العالمية كظاهرة لا مفر من الإقرار بوجودها، وبضرورة الاهتمام بها
ومحاولة الاستفادة من جوانبها الإيجابية والتحفظ على جوانبها السلبية"
ولفت إلى "أننا نستطيع إعداد خطة علمية للاستفادة من العولمة العالمية
ومواجهة العولمة الأمريكية".
إعداد ومشاركة مدير مكتب لبنان لمجلة النبأ
بسام محمد حسين
Bissam-z@yahoo.com |