إن التغلغل الصهيوني في مفاصل الإدارة الأمريكية كافة ليس مثار جدل
عند أحد، أما ما يثير الدهشة والاستغراب لدى الرأي العام العالمي هو أن
تتحول انتخابات الرئاسة الأمريكية في ظل تنافس مرشحي الحزبين الكبيرين،
الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، إلى بورصة مزايدات وتنازلات.. من هو
أكثر ولاءً ودعماً للكيان الصهيوني.. من هو أكثر عداءً للعرب ومن هو
أكثر تنازلاً عن السيادة الأمريكية، وعن المصالح الأمريكية لحساب
الكيان الصهيوني.
وتاريخ البيت الأبيض الأمريكي سواء كان الرئيس الأمريكي ديمقراطياً
أم جمهورياً زاخر وثابت بالمواقف الداعمة للكيان الصهيوني في عدوانيته
وانتهاكاته لكافة الأعراف والمواثيق الدولية.. فالرئيس الأمريكي هاري
ترومان أعطى الكيان الصهيوني صك ولادته عام 1948م، مع أن هذا الكيان قد
وُلِدَ من حرام باغتصاب فلسطين، وحقوق شعب فلسطين.. والاغتصاب في صلب
القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة غير ناقل للسيادة.
والرئيس الأمريكي جونسون انتقل بالكيان الصهيوني من حدوده التي كان
عليها عام 1948م إلى ما هو عليه اليوم وأبعد من ذلك في حرب مقدسة حسب
زعمهم في عدوان حزيران عام 1967م.
والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قدم جسره الجوي الذي أنقذ الكيان
الصهيوني من الهلاك تماماً بعد أن وضعت حرب تشرين المجيدة عام 1973م،
وجود هذا الكيان قاب قوسين أو أدنى من اللاوجود..
وجيمي كارتر الذي أخرج أتفاقيات كامب ديفيد، ومعاهدة السلام بين مصر
والكيان الصهيوني عام 1979م لحساب هذا الكيان، وفرض التطبيع على مصر..
ومن ثم على أكثر من قطر عربي عبر قطار التطبيع والمكاتب التجارية
والثقافية الصهيونية التي امتدت اليوم من دول الخليج العربي باستثناء
المملكة العربية السعودية.. إلى دول المغرب العربي في تونس ومراكش
وموريتانيا بما يعادل أكثر من قيام هذا الكيان عام 1948م، وبما هو أخطر
بكثير من اتفاقيات سايكس بيكو عام 1917م التي أودعت الوطن العربي تحت
مظلة الانتدابات الفرنسية والبريطانية.
ورونالد ريغان الذي أخرج الاجتياح الصهيوني للبنان في حزيران عام
1982م مع احتلال عاصمته بيروت تحت مظلة (التحالف الاستراتيجي بين
واشنطن وتل أبيب).
والرئيس الأمريكي جورج بوش الأب الذي ربح الحرب الباردة حسب لفظه
وتعبيره – لحساب المؤسسة الصهيونية، وقاد حرب الخليج الثانية، وجيّش
الجيوش على العراق عام 1991م.. وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه
وجعل منها واجباً ديمقراطياً على أمريكا تجاه مثلها الديمقراطية
والإنسانية وتجاه الشعب اليهودي حسب زعمه وخطابه في الكونجرس الأمريكي
في نيسان عام 1992م..
وقدَّم للكيان الصهيوني أكثر من مليون مستوطن يهودي جديد.. مع فتح
الخزانة الأمريكية لحساب تمويل الاستيطان الصهيوني بالكامل.. جنباً إلى
جنب مع فتح الترسانة العسكرية الأمريكية، ومستودعات حلف الأطلسي في
أوروبا لحساب الكيان الصهيوني ليغرف منها ما يشاء، وليغرف من الأرض
العربية ما يشاء..
والرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي اعتمر القلنسوة اليهودية وحرص
على الظهور بها في المؤتمرات الصحفية وأمام عدسات التلفزة والتصوير..
وأرتاد مع زوجته المعابد اليهودية وصلى بها إرضاءً للوبي الصهيوني..
وانتقل بالعلاقة مع الكيان الصهيوني من التحالف الاستراتيجي.. إلى
الشراكة الكاملة معه، وأعلن في أكثر من مناسبة مع قادة الكيان الصهيوني
في البيت الأبيض الأمريكي من أسحق رابين إلى يهود باراك أنه أي كلينتون
يتطلع إلى أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً أمريكياً صهيونياً، كما
كان القرن العشرون قرناً أمريكياً صهيونياً – حسب تعبيره ولفظه.. بل إن
الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قد زعم في إحدى خطبه أنه موجود في البيت
الأبيض بتكليف إلهي لخدمة الكيان الصهيوني (إسرائيل) بقوله: (منذ ثلاثة
عشر عاماً وقبل أن اصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية أبرمت
ميثاقاً مع كاهن ولاية هولي لاند الذي باركني وتنبأ لي بالرئاسة قائلاً:
إنك يا بيل ستكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بعد زمن غير
بعيد. كن إلى جانب إسرائيل دوماً وأحفظ شعبها المختار، وإلا لن يغفر لك
الرب ولن يبارك أمريكا في رئاستك إذا حنثت بذلك. ويتابع بيل كلينتون
قوله:
لذلك توجهت بأول خطاب لي إلى شعب إسرائيل بالوفاء بما قطعته من عهد
لهم بالقول:
(رحلتكم هي رحلتنا، وسلامتكم هي سلامتنا، وأمنكم من أمننا، أمريكا
ستقف دوماً إلى جانبكم).
* عضو اتحاد
الكتاب العرب
مجاز في الحقوق والعلاقات الدولية من جامعة
دمشق |