ماذا تصنع عندما تتملكك الرغبة في الاستيلاء على الحكم؟؟.
اعمل بالنصائح التالية:
1- عليك أن توجد حالة منازعة بينك وبين النظام الذي ترغب في إزاحته
وأن تحرض النظام على قتل أحد أقربائك ولو كان من الدرجة السادسة.
2- احتفظ بقميص القتيل المغموس بدمه ولا تقم بغسله ثم قم بتعليقه في
أكبر ميادين المدينة وعرضه في الفضائيات العربية ثلاث مرات يوميا.
3- أعلن على الملأ أنك ولي دم القتيل واستشهد بقوله تعالى (ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وفسرها بمعنى (حكما) وليست ولاية دم
القتيل وحسب.
4- استعن بفتاوى الشيوخ التي تدعو إلى الثأر للقتيل وارفض أي تسوية
للنزاع حتى يرضخ النظام لكل شروطك وهذه الفتاوى متاحة وميسورة ويمكن
الدفع نقدا أو بالفيزا كارت.
5- ابدأ حربا على النظام ولا تمنحه أي فرصة لالتقاط الأنفاس واستخدم
كل ما هو متاح لك من وسائل وعليك بالتركيز على الأهداف المدنية ولا
تتورع عن القتل والخطف ونسف أنابيب النفط ولا تخش شيئا فالمهم هو
التغطية الإعلامية الفضائية الجيدة التي تركز على ردود أفعال النظام
وتتغاضى عن جرائمك وأفعالك.
6- لا تقبل بإيقاف القتال إلا عندما توقن أن الحالة المعنوية
والاقتصادية لخصومك قد أصبحت في الحضيض الأسفل وأنهم مستعدون لتقديم أي
تنازلات من أجل إنهاء تلك الحالة الجهنمية التي يعانون منها وعليك أن
تكون مرنا في مراحل التفاوض الأولى ولا تطرح مطالبك دفعة واحدة.
7- طابورك الخامس في صف الأعداء لا يقل أهمية عن طابورك الأول وعليك
أن تبذل كل ما في وسعك لبث الفرقة في صفوفه واللعب على أوتار الدين
والأخلاق ومقاومة الاحتلال لتزعزع كيانه وتخلخل صفوفه.
8- تجنب تعليق القميص في الشمس المحرقة أو الأمطار حتى لا تتبخر
الدماء ولا بأس بإعداد قميص احتياطي أو أكثر.
9- عندما يصاب المعسكر الآخر باليأس من الحياة يمكنك في هذه اللحظة
أن تعلن مطالبك الحقيقية وهي السلطان بمعنى الحكم وعندها سيقبلها
الآخرون رغبة في الخلاص من تلك الحالة البائسة بأي ثمن ويمكن ساعتها أن
تبادر بالعفو عن قتلة كبش فدائك ويمكن تعويض الضحية بإقامة نصب تذكاري
له أو وضع سيرته في كتب المدارس ويكفيه هذا.
إنها إذا استراتيجية المنازعة التي ابتدعها ابن أبي سفيان عندما ضحى
بعثمان بن عفان ولم يقدم له نصيحة واحدة تخفف من أزمته عندما أشار عليه
بالضبط والربط بدلا من إصلاح ما هو فاسد من أمور المسلمين ثم مضى عائدا
إلى الشام وفي طريق سفره مر على نفر من المهاجرين فيهم علي بن أبي طالب
وطلحة والزبير فقام عليهم قائلا: (إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس
يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه فتفاضلوا بالسابقة والقدم والجهاد فإن
أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس له تبع وإن طلبوا الدنيا بالتغالب
سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم وإن الله على البدل لقادر وإني قد خلفت
فيكم شيخنا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك ثم مضى) شرح
النهج.
قال ابن أبي الحديد (من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة
لأنه غلب على ظنه قتل عثمان ورأى أن الشام بيده وأن أهلها يطيعونه وأن
له حجة يجعلها ذريعة إلى غرضه وهي قتل عثمان إذا قتل ألا ترى إلى قوله
للمهاجرين الأولين إن شرعتم في أخذها بالتغالب وملتم على هذا الشيخ
أخرجها الله منكم إلى غيركم وهو على الاستبدال لقادر وإنما كان يعني
نفسه وهو يكني عنها ولهذا تربص بنصرة عثمان لما استنصره ولم يبعث إليه
أحدا).
أي أنه أراد أن يراه قتيلا حتى يكون هو ولي دمه وقد جعل الله (لوليه
سلطانا)!! كما أنه حرص على أن لا يعطي النظام الجديد أي فرصة للاستقرار
مستعينا بصواريخ المنصور1 والعاص2 وفتاوى أبي موسى الأشعري وكان له ما
أراد.
أما الخطوة التالية فكانت عندما قتل عثمان وتبعتها رسالة الإمام علي
بن أبي طالب تطلب منه الدخول في البيعة فاستشار معاوية المحيطين به
فأشاروا عليه بشراء عمرو بن العاص فجاء عمرو وأبرم معه تلك الصفقة
الشهيرة قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين (لما بات عمرو عند معاوية وأصبح
أعطاه مصر طعمة له وكتب له بها كتابا وقال: ما ترى في علي؟ قال: أرى
فيه خيرا ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام
شرحبيل بن السمط وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك
فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل
فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم
تخرج منه بشيء أبدا فدعا معاوية رجاله فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا
قتل عثمان ثم قال له: يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة
علي وعلى خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وقد حبست نفسي عليك
وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل:
أخرج فانظر فخرج فلقيه شهود الزور فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن
عفان فخرج مغضبا إلى معاوية فقال: يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل
عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية: ما
كنت لأخالف عليكم وما أنا إلا رجل من أهل الشام)!! وهكذا فقد أصاب
الصاروخ الإعلامي التزييفي المنصور1 هدفه بدقة ونجحت المرحلة الأولى من
خطة الخداع الأموي الاستراتيجي الهادفة للوصول إلى السلطة.
ثم جاءت المرحلة التالية في معركة صفين وتفتق ذهن عمرو بن العاص عن
خدعة التحكيم وجرت المفاوضات في دومة الجندل وسمع الناس للمرة الأولى
أن ابن أبي سفيان مرشح للخلافة والمهم أنه أطلق تلك القذيفة وقد بلغت
القلوب الحناجر وتعب الناس من القتال ووهت عزائم الرجال وكاد المخطط
السفياني يصل إلى مراحله الأخيرة.
المرحلة النهائية بدأت بعد انتهاء التحكيم إذ أن شيئا مما جرى لا
يكفي لإجبار الناس على القبول بمطالبه في صورتها النهائية ولا بد من
توسيع دائرة الموت والخراب لتشمل الأطفال حتى يتلفت الناس حولهم يطلبون
الموت فلا يجدونه ويصبح القبول بالعرض السفياني أهون من الموت عندها
أرسل معاوية عصاباته لتكمل عملية التخريب والإنهاك المعنوي وتدفع الناس
للتلهف على إنهاء القتال بأي ثمن فوجه سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل
وأمره أن يأتي (هيت) فيقطعها وأن يغير عليها ثم يأتي الأنبار والمدائن
فيوقع بأهلها ثم بعث كتيبة أخرى إلى تيماء، وأمره أن يأخذ صدقة المال
ممن مر به من أهل البوادي وان يقتل من امتنع من إعطائه صدقه ماله ثم
يأتي مكة والمدينة والحجاز ويفعل مثل ذلك ثم وجه الضحاك بن قيس، وأمره
أن يمر بأسفل واقصة وأن يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة علي من
الأعراب فسار، فأخذ أموال الناس وقتل من لقي من الأعراب ثم أرسل بسر بن
أبي أرطأة في إلى المدينة فصعد المنبر وقال: يا أهل المدينة،واللّه
لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته. ثم انطلق إلى
اليمن وكان عليها عبيد اللّه بن عباس عاملا لعلى فلقي بسر ثقل عبيد
اللّه بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما.
وما أشبه الليلة بالبارحة الآن تتكرر نفس الأعمال في العراق الجريح
والحجة المعلنة هي الاحتلال والشعار المرفوع لا سياسة مع الاحتلال ولا
انتخابات مع الاحتلال ولا لنتائج انتخابات تجري في ظل الاحتلال ومن باب
أولى بعد انتهاء الاحتلال بينما تتواصل عمليات القتل الجماعي والخطف
والنسف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا والمطلوب هو الحيلولة دون إقامة أي
نظام يتمتع بشرعية جماهيرية انتخابية فالقوم لا يؤمنون بما يسمى
بالانتخابات ولا بشيء يسمى إرادة الجماهير ودعك من فتاوى الفضائيات ومن
لا يصدقنا فليرجع إلى ما كتبه القرضاوي ومن سبقوه عن شرعية الغلبة
والاستيلاء ولو كانوا يؤمنون بذلك ما رفعوا قميص عثمان في وجه إجماع
الأمة على اختيار علي بن أبي طالب ولما رفعوا قميص الاحتلال في مواجهة
الانتخابات والهدف الحقيقي الذي سيُلقى على مائدة التحكيم الذي يراد له
أن يكون على طريقة دومة الجندل هو عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل
التاسع من أبريل تلك الأوضاع التي جاء بها الاحتلال البريطاني وبقيت
سارية حتى ذلك اليوم إذ لم يحدث أن عقد النظام الطائفي الملكي أو
الجمهوري الذي حكم العراق طيلة هذه الفترة أي انتخابات كما أن العرب
والمسلمين لم يعرفوا طيلة تاريخهم شيئا يسمى بالانتخابات أو احترام رأي
الناس أو حريتهم أو كرامتهم ونصيحتي للعراقيين أن يؤسسوا شرعية
انتخابية بمن قبل الدخول في معركة الانتخابات وأن لا يؤجلوا الانتخابات
ولو يوما واحدا فالقوم لا يريدون انتخابات بل يريدون العودة إلى (شرعية)
الغلبة والتغلب مستغلين نفاذ صبر الناس من كثرة ما لحق بهم من مصائب
وويلات وعندها لن ينفع الندم. |