يبقى مبدأ (الحاجة أُمُ الاختراع) ساطعاً في عالم العلوم وما تجيد
به من مخترعات ومكتشفات وتوصلات تخدم حقاً الإنسان المعاصر وتجعل حياته
أكثر التصاقاً بالشعور بأنه سيد المخلوقات على الأرض.
وفكرة تدخل العلوم لمعرفة كوامن الطبيعة وقوانينها كانت دوماً محط
اهتمام الإنسان في كل العصور مع اختلاف نسبي في درجة الاهتمام الآنف
ولكن إحراز تقدم علمي نحو نقل تلك الفكرة إلى شيء ملموس غالباً ما كان
يسبقها شيء من الخيال والتصور وهذا ما يطلق عليه اليوم بـ(الخيال
العلمي) الذي تحقق منه إزاحة المعوقات عملياً حين شعر الإنسان أن ليس
هناك استحالة لتحقيق إنجاز علمي يكون له السبق في اختراعه أو اكتشافه
أو التوصل إليه.
والعلم الذي غير الكثير من وجود وأنماط الحياة وجعل المشهد اليومي
أكثر دلالة بأن ما نشاهده اليوم من تغيير وسائل النقل من الركوب على
ظهور الدواب إلى الجلوس في مقاعد مريحة على الطائرات العابرة لأجواء
المعمورة بيسر واضح ومن تغيير وسائل العيش وتماحك العلاقات البشرية على
أساس تبادل المعلومات، كل ذلك قد وضع العلم كـ(أداة وأمل) في موقع
التقدير حتى ليلاحظ أن إطلاق كلمة (عالم) تحظى بالإعجاب بذاك العالم
وما أنجزه.
لكن العقل العلمي الناسج كل شيء قد أمسى متدخلاً في صغائر الأمور
ولم تعد كبائر ما في المخيلة البشرية هي التي تشغله، ولعل في نظرة على
ألعاب الأطفال ومحلات الخردوات توضح لنا كم من الحاجات البسيطة التي
تبدو ليست ذي بال لكن ما لم يفكر به أحد تماماً أن وراء كل لعبة أو
حاجة معروضة للزينة أو غيرها وراءها عقل ابتكاري أستطاع أن يقنع الناس
باقتناء بضاعته.
وعلى صعيد الدائرة العلمية الأكبر تدور هذه الأيام بين مجاميع
العلماء والباحثين فكرة عظيمة ما تزال تلهم الباحثين وهي إنشاء (مصعد
فضائي) يرتفع على طول سلك يمتد آلاف وربما عشرات آلاف الكيلومترات
انطلاقاً من مدار يثبت على سطح الأرض، ولكون فكرة المصعد الفضائي لم
تعدُ حتى الآن أكثر مشروع يصنفه البعض ضمن قصص الخيال العلمي إلا
الناحية العملية حول تحقيق هذا المشروع قد أخذت مداها العملي فقبل فترة
لم تناهز العدة شهور انعقد (المؤتمر السنوي الثاني حول المصعد الفضائي
بمدينة سانتا في نيومكسيكو وقد ناقش المؤتمر أوجه وخصائص هذا المصعد
الفضائي المزمع تحقيقه وتم الاستماع إلى عشرين محاضرة تطرقت إلى
تفصيلاته من سبل ومواد بنائه إلى كلفته الإجمالية وما إذا كانت له صلة
بالبيئة، وبهذا الصدد أوضح (براين لوبشر) الباحث في (مختبر لوس الاموس
القومي للأبحاث): (أن أول من سيبني مصعداً فضائياً سيمتلك الفضاء)
موضحاً أن مثل هذا المصعد يمكنه التنقل على سلك كابل يمتد على مائة ألف
كيلومتر ويسمح بنقل حمولة من المركبات الفضائية والأقمار وأجزاء
المحطات الفضائية إلى ما وراء حزام النيازك في النظام الشمسي هذا وتشير
وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بأنها: (تموّل حالياً مشاريع أبحاث خاص
لتطوير مثل هذا المصعد.
ويحدث كل هذا وأخبار تستكمل الدفع للرغبة نحو واقع حياتي متطور آخر
قد نشرت مؤخراً وأفادت بأن العقل العلمي قد توصل إلى: (أن مئات النجوم
قابلة للسكن البشري!) بعد أن كشف علماء فلك استراليون مؤخراً ومنهم (تشارلز
لاينويفر) من جامعة نيوساوث ويلز في بيان له نشرته حديثاً مجلة (ساينس)
(أنه يمكن أن نشاهد بالعين المجردة من الأرض مئات النجوم التي يمكنها
أن تحوي شكلاً ما من الحياة. |