(أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به
منهم)
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
إن الإنسان ميال بطبعه إلى الحياة الاجتماعية، لا يستطيع أن يكون
منعزلاً، لأن العزلة في واقعها هروب من الحياة يتستر به الفار من
مواجهتها، إذ لا يمكن للمرء أن يتعلم فن الحياة إلا إذا خاض غمارها
واحتك بالناس، وألف العيش بينهم، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وينفعل
لانفعالاتهم، ويحس بأحاسيسهم ويمنحهم حبه وثقته، يخلص لهم ويخلصون له.
وفي رحلة الحياة الطويلة وبين زحام آلامها ومتاعبها، لا بد للإنسان من
أصدقاء يحيا معهم، ويأنس بهم، يشاطرهم الحياة ويشاطرونه.
فخليق أن يوصف بالعجز من لا يستطيع كسب الإخوان ومودتهم، والأعجز
منه من ضيع من ظفر به منهم نتيجة سوء خلقه وعدم تحمله وأنانيته فربما
استحق وصفه بوصف غير إنساني لبُعده عن الأخلاق الإنساني الاجتماعي.
لكن ليس كل الأصدقاء على مذهب واحد فهم يختلفون في الغاية والمسعى
والميول.. وبما أن الصداقة هي ائتلاف بين قلوب تعارفت، ونفوس تجاوبت،
إذ يلتقي المرء في زحام الحياة بمن يحس سرعة التجاوب معه والانجذاب
إليه فأي صديق يختار الإنسان؟
لقد قيل: بأن الإنسان مقلد من الطراز الأول، ولأن الأخلاق عادة
تتسرب إلى الجلساء تسرب الماء لذلك يجب على الإنسان أن يفكر كثيراً قبل
اختيار صديق له، فكم شرير طغى على خير، وكم....
وكم طالح استبد بصالح، لذلك يجب الابتعاد عن قرين السوء، فالإنسان
على دين خليله يتطبع بطباعه ويتأثر بعاداته وصدق من قال: (قل لي من
تصاحب اقل لك من أنت).
فالمرء كالماء العذب تماماً يبقى كذلك ما لم يخالط غيره من الماء
الآسن، فإذا ما خالط ماء البحر فقد ما فيه من صفات وهل يستسيغ أحدنا أن
يشرب ماء النهر إذا خالط ماء البحر، من المؤكد لا.
فالصديق الجيد يقود صاحبه إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة
فهو كالجوهرة النفيسة لا يجوز التفريط بها لأتفه الأسباب والعاقل من
يغض الطرف عن هفوات الأصدقاء، ويصفح عن عثراتهم، فليس من الإنصاف أن
يترك المرء صديقه لأول هفوة تبدر منه فما من إنسان في هذا الوجود مبرأ
من الخطأ، والصديق كالسهم يخطئ ويصيب، وإذا ألج الإنسان في العتاب
والحساب أنحلت عرى الروابط وتغيرّت القلوب وحلت القطيعة محل المودة
والإخاء.
أما الصديق الفاسد لا يجلب لصاحبه إلا السوء، ومن يصحب صاحب السوء
لا يسلم، وإذا كان لا بد من قرين السوء فلتكن الوحدة خير ملجأ، رغم
أنها قاسية صارمة لا يحتملها الإنسان الاجتماعي... لكن الوحدة أسلم من
مقارنة قرين السوء.
وإليك وصية الإمام علي (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه
السلام)
(أحمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على اللطف
والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدّته
على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك،
وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله. |