الحديث عن الاستشراق يطول جداً إذا تم التوسع في البحث عن حقيقته
ومآلاته التي تدفع بالذهن للتفكر بمن ذا الذي أعطى للأجانب الامتياز
ليصادروا مكتبات بكاملها وآثاراً بروائعها لا تقدر بثمن تحت حجة دراسة
التراث والتاريخ في المنطقة العربية أولاً ثم المنطقة الإسلامية
ثانياً.
لقد بدأت حركة الاستشراق في العالم العربي والإسلامي من قبل
الغربيين أولاً لمعرفة ما كانوا يسموه بـ(الجانب الحضاري) عند الآخرين
الذين هم العرب والمسلمون الذين جابت حضاراتهم مساحات شاسعة من الكرة
الأرضية وحدث كل هذا وذاك منذ مئات السنين بل آلاف السنين حين بدأ
الفضول الغربي يكبر للسيطرة على طرق العالم القديم الناقل للتجارة ليس
بين الغرب والشرق بل من الشرق إلى الغرب بدرجة رئيسية حيث حرص الغرب
على أن يمرر بـ(أحيل الطرق) غاية استشراقه الأخيرة المتجهة ليس لمعرفة
الآخر (العربي والإسلامي) بل ومعرفة ما لديه من كنوز دفينة.
من هنا يلاحظ أن لا تشريع لحركة الاستشراق فبرغم أن بعض المستشرقين
يدعون أن غاياتهم لا تتعدى البحث العلمي النزيه وهو مجرد ادعاء على
أكثر احتمال لكن ما ينبغي أن يفهم أن المعلومات التي حصل عليها
المستشرقون من العالمين العربي والإسلامي قد أعقبها سيطرة الاستعمار
الغربي على كل البلدان العربية وهذا ما زاد الاعتقاد أكثر رسوخاً في
عقول المحللين العرب والمسلمين من كون غاية الاستشراق لا تعدو أكثر من
تمهيد لمصادرة ثروات الآخرين النتاجية الإبداعية والتنظيمة المعنوية
للاستفادة منها في بناء حضارة لهم على غرار حضارات العرب والمسلمين قبل
غيرهم فكان أن سرقوا الآثار من بلدان الحضارة القديمة وبالذات العراق
كما اطلعوا على بنود قوانين الدول المتعاقبة وكيف سنت وعلى أية خلفيات
انبثقت.
وبهذا الصدد يذكر التاريخ أن من بداية حركة الاستشراق الغربي قد
شرعت أول خطواتها بصورة منتظمة ومكشوفة لما قدمت بعثة إلى بلاد الاندلس
أثناء حقبة حكمها العربي سنة 213هـ وكانت تلك البعثة تضم (700) طالب
وطالبة كان قد بعثهم ملك بافاريا (فيليب) ليستحصل من الخليفة الأموي
العربي في الاندلس يسأله السماح من قبل البعثة الآنفة لتشرف على أحوال
بلاد الأندلس ودراسة أنظمتها وقوانينها وثقافة المجتمع الاندلسي للتمكن
من اقتباس بعضها المفيد لبناء بلاده ومجتمعها ومثل هذا الخبر لا يوحي
أن غاية تلك البداية ممكن الحكم عليها قبل دراستها ودراسة ظروفها
الحقيقية.
إن المستشرقين لم يألوا جهداً من الانتهال من الحضارتين العربية
والإسلامية حتى إذا ما جاءت (الحروب الصليبية) انتبه العرب والمسلمون
أن غاية الاستشراق ليست لله سبحانه وتعالى أي ليست لغاية علمية صرفة.
طبيعي أن من الإنصاف أن لا تكال التهم الجاهزة ضد حركة الاستشراق
بالمجان إذ أن الأمانة تقتضي التمحص جيداً لكن هجوم بعض المستشرقين على
الإسلام بعد عودتهم إلى بلادهم الغربية قد أوضحت الخيوط الأولى التي
يمكن أن تدني الاستشراق في صميم غاياته اللامعلنة أو المعاكسة لما صرح
لصالح هوية الاستشراق العلمية البحتة التي لم يثبت منها شيء إلا نادراً
وحتى هذا النادر فإن الشكوك تحدم حول غاياته أيضاً. ومن بين أولئك
المتهجمون على دين الإسلام المستشرق (رايموند) وكان يشغل لفترة منصب
رئاسة أساقفة وحاكم لمدينة كاستيل (1130 – 1150م) وكان المستشرق الثاني
هو (بيتر ذي فان ايرابيل) الذي قاد حملة اجتماعية نشطة ضد الإسلام ووجه
نقداً شديداً إلى مواطنيه من المسيحيين الذين يهادنون المسلمين في
العيش المشترك وبينما تواجدوا ورأى أن لا بديل عن محاربة المسلمين وأن
تكون البداية استهداف كتاب الله سبحانه وتعالى المنزّل على صدر النبي
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن الكريم ولهذا السبب الجهول فقد
قام بترجمة القرآن المجيد إلى اللغة اللاتينية التي كان يتكلم بها.
طبيعي أن القائمة تطول بأسماء المستشرقين الذين تطاولوا على دين
الإسلام بعد عودتهم إلى بلادهم وعبر موالاتهم لتوجهات حكوماتهم المضادة
لكل دين سماوي في نهاية الأمر، وكان من بين هؤلاء (مرجليوث) الذي ألف
كتاباً بعنوان (محمد وظهور الإسلام) تهجم فيه على الإسلام، هذا في حين
كان وما زال تحدد من المستشرقين الغربيين أقروا بصدق وعظمة رسالة النبي
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي مازالت شخصيته الأخلاقية العظيمة
محط حقد وحسد من قبل الجهال والمارقين وما أكثرهم في هذا العالم البائس. |