ليس من العدل والإنصاف مقارنة الجيش الكوردي " البيشمركة "
النظامي العريق بجيش المهدي. كانت بدايات قوات الجيش الكوردي التي
سميت لاحقا بقوات " البيشمركة " في عهد المغفور له الزعيم الكوردي
الشيخ الملا مصطفى البارزاني، منذ عهد الزعيم الكوردي المرحوم الشيخ
محمود الحفيد بعد الحرب العالمية الأولى أي عندما شكل الشيخ محمود
الحفيد حكومة كردية في تشرين الأول / أوكتوبر عام 1922 وأعلن نفسه
حكمدارا ( حاكما ) لكوردستان العراق، حيث شكل إدارة بسيطة
وأصدر جريدة بإسم " يوم كوردستان ".
كانت قوات الجيش الكوردي آنذاك مكونة من مجموعات صغيرة تقوم
بالدفاع عن قرى وقصبات ومدن كردستان العراق الحبيب ضد حروب الإبادة
الجماعية للشعب الكوردي الشقيق من قبل قوات الإستعمار البريطاني
والعثمانية والحكومات العراقية المتعاقبة. (راجع : كتاب كوردستان
ودوامة الحرب، لمحمد إحسان، الطبعة الثانية، أربيل – كوردستان 2001،
صفحة 27 ).
وبعد ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 بقيادة المرحوم
الزعيم عبد الكريم قاسم، عاد الزعيم الكوردي الشيخ الملا مصطفى
البارزاني رحمه الله من منفاه إلى بغداد 1958، ثم قام بزيارة إلى
القاهرة والتقى بالزعيم العربي الراحل الرئيس جمال عبد الناصر،
ثم توجه بالباخرة إلى ميناء البصرة، حيث استقبل إستقبالا جماهيريا
حاشدا وبكل حفاوة وتقدير.
لقد غمرت الفرحة نفوس الشعب العراقي على تقارب القوميتين
الشقيقتين العربية والكوردية، كما تعاون الملا مصطفى البارزاني مع
الزعيم عبد الكريم قاسم في السنوات الثلاث الأولى من ثورة تموز.
وللأسف الشديد حدثت خلافات بين الزعيمين عبد الكريم قاسم والملا
مصطفى البارزاني نتيجة لعدم حصول الإخوة الأكراد على حقوقهم الكاملة
التي ناضلوا من أجلها قبل ثورة 14 تموز، بل تدهورت العلاقات حتى أن
قيادة الثورة العراقية مارست لاحقا أعمال عنف عسكرية وشنت الحملات
البوليسية ضد الكورد بأسلوب يفوق ما اعتمده العهد الملكي قسوة
وتعنتا.
وبعد فشل كل الجهود لإقناع حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم بالتخلي
عن الحل العسكري وتلبية بعض مطالب الشعب الكوردي، اضطر الملا
مصطفى البارزاني لإعلان الثورة في 11 أيلول / سبتمبر 1961.
وفي هذه الفترة بالذات تعززت قوات البيشمركة وقدمت مئات الضحايا
من أجل الدفاع عن الشعب الكوردي الشقيق. ( المصدر السابق، ص 35 – 36
).
إن قوات البيشمركة هي قوات الجيش الكوردي في مناطق
كوردستان العراق، حيث التحق بها ضباط وجنود عسكريون مدربون خير تدريب
من الجيش العراقي وأصبحت جيشا نظاميا مدربا على كافة الأسلحة الثقيلة
والخفيفة ما عدا القوات الجوية، لأن الجيش الكوردي لا يملك طائرات
عسكرية.
وقد قامت قوات البيشمركة بواجباتها على أكمل وجه :
1 – حماية المواطنين الأكراد والعرب والتركمان والآشوريين
والكلدان وغيرهم القاطنين في مدن كوردستان العراق.
2 – الدفاع عن القرى والنواحي والمدن في منطقة
كوردستان ضد الهجمات الخارجية.
3 – ضبط أمن المواطنين وملاحقة الإرهابيين والقتلة المجرمين
وإلقاء القبض على مجرمي النظام البعثي المقبور.
4 – النضال من أجل الحصول على كافة حقوقهم الوطنية المشروعة ضمن
الدولة العراقية الديمقراطية التعددية الفيدرالية، كما ورد في
الدستور العراقي المؤقت لإدارة الدولة.
و مما تجدر الإشارة إليه أن قوات البيشمركة لم تقم باختطاف
واغتصاب وقتل المواطنين الأبرياء أو سلب أموالهم.
يبلغ عدد أفراد قوات البيشمركة النظامية أكثر من 120 ألف مقاتل
ومقاتلة، وهم جيش نظامي مدرب يخضعون إلى الإنضباط والإلتزام العسكري
والإنساني ويخضعون لأوامر القيادة الكوردية الحكيمة بقيادة الزعيمين
الكورديين الدكتور مام جلال طالباني والسيد مسعود البارزاني حفظهما
الله.
و بناءا على ما تقدم لا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبار قوات
البيشمركة بأنها ميليشيات مسلحة مثل ميليشيات السيد مقتدى
الصدر.
نرجو من حكومتنا الوطنية العراقية الإنتقالية والقادمة إحتضان
قوات البيشمركة وضمها إلى الجيش العراقي في منطقة كوردستان العراق
الحبيب، لأن هذه القوات الوطنية الكوردية البيشمركة أعرف بشعابها
ومناطقها من إخواننا الجيش العراقي في وسط وجنوب العراق.
أما فيما يخص ما يسمى بجيش المهدي، فالحديث عنه ذو شجون.
لا نريد الإساءة إلى سمعة الإخوة المؤمنين من مؤيدس حركة الصدر
وخصوصا محبي الشهيدين العلامة والفيلسوف النابغة السيد محمد باقر
الصدر والسيد محمد صادق الصدر رحمهما الله، لكننا نستعرض الوقائع
والأحداث الأليمة كما حصلت وتحصل هذه الأيام كالآتي :
لم يكن الشاب السيد مقتدى الصدر معروفا لدينا ولدى الأوساط
والأحزاب الوطنية السياسية العراقية والعربية.
و عندما أعلن الصدر في شهر تموز عام 2003 عن تشكيل جيش
المهدي بصورة مفاجئة، كان العراق محتلا من قبل قوات التحرير والتحالف
والإحتلال المعترف بها دوليا بقرار صادر عن هيئة الأمم المتحدة الذي
خولها صلاحيات حفظ الأمن وإعادة إعمار البنى التحتية وإعداد الدستور
العراقي الحديث من قبل العراقيين لإجراء الإنتخابات وتشكيل الحكومة
العراقية الدائمة ثم إنهاء الإحتلال.
وكان أيضا من ضمن شروط قرار هيئة الأمم المتحدة هو تشكيل مجلس
إستشاري إداري من العراقيين لإدارة شؤون البلاد تحت ظل الإحتلال، لكن
الأحزاب الوطنية العراقية التي قاومت النظام المخلوع لعقود عدة رفضت
تشكيل مجلس إداري أو إستشاري عراقي، بل أنها أصرت على تشكيل الحكومة
العراقية الإنتقالية، لكن السيدين جي غرنر وبول بريمر رفضا ذلك. وبعد
إصرار السادة زعماء المعارضة العراقية السابقة وأعضاء الأحزاب
الوطنية على رفضهم بالإجماع، تم انتخاب من قبل زعماء وأعضاء الأحزاب
الوطنية من جهة والسفير الإداري لقوات الإحتلال السيد بول بريمر من
ناحية أخرى " مجلس الحكم العراقي الإنتقالي ".
وكل أعضاء مجلس الحكم العراقي المؤقت هم معروفون بنضالهم الطويل
ضد طاغية العراق الذي أعدم السيدين الجليلين من آل الصدر وقتل من
الشعب العراقي ما يقارب أربعة ملايين ونصف مليون نسمة من الشيعة
والإخوة الأكراد والتركمان وبقية القوميات في غضون أربعين سنة في
الحروب وفي سجون العراق الرهيبة.
ومن المعروف أيضا أن كل دولة أو قوة إحتلال لا تسمح لأي حزب أو
حركة سياسية من تشكيل ميليشيات مسلحة، لأن قوات الإحتلال هي المسؤولة
عن حفظ الأمن. وقد حذر كتاب وسياسيون عراقيون ونبهنا السيد الصدر
بالتخلي عن تأسيس جيش المهدي، لأن سلطات الإحتلال ستسحقه
وتدمره تدميرا، لأنها كما أسلفنا أعلاه مخولة من قبل هيئة الأمم
المتحدة.
وحصل ما توقعناه وما يحصل للأسف الشديد هذه الأيام من قتل
المئات دون مبرر وتدمير وخراب لحق بالمدن العراقية المقدسة وغيرها.
فلو قام السيد مقتدى الصدر في حينه تأسيس مثلا جمعية الصدر
الخيرية، لكان خيرا على خير.
لأن النظام البائد قد أنهك قوى الشعب العراقي وسلب موارد عيشهم
وانتشار الأمراض والجوع والبطالة في صفوف الملايين من الشعب العراقي
الكريم.
لذا فإن الشعب العراقي الجائع والعاطل اليوم أحوج إلى من يرحمه
ويعطف عليه ويحل مشاكله الإقتصادية والصحية والسكنية وحفظ أمنه
وغير ذلك. لقد سئم شعبنا الحروب والعنف والإرهاب والديكتاتورية.
فبمجرد إعلان السيد الصدر تأسيس جيش المهدي هو مخالفة قانونية
وإهانة للدولة والحكومة العراقية وقرار هيئة الأمم المتحدة وقوات
الإحتلال، فإنه للأسف سيحاسب عليه وفق القانون والدستور العراقي.
لا يمكن أن يعتقد السيد مقتدى الصدر بأنه فوق القانون، كما كان
يعتقد المجرم صدام بانه هو القانون ويقتل ويفعل مايشاء.
لقد تغيرت الأحوال وارتقى شعبنا العراقي بعد هذه التضحيات الجسام
إلى مستوى حضاري ديمقراطي لا يقبل الفوضى والديكتاتورية والعنتريات.
ان المعلومات المنشورة على صفحات الصحف والمجلات العربية
والأجنبية وفي المقالات السياسية للساسة العراقيين والأخبار المنشورة
في المواقع العراقية والعربية وكذلك من قبل الفضائية العراقية
والفضائيات العربية المحرضة للعنف والإرهاب والطائفية والفضائيات
العربية المعتدلة وأيضا من الأخبار الواردة مباشرة من العراق تشير
معظمها إلى أن الطاغية المخلوع أمر عناصر من حزب البعث ورجال أمنه
ومخابراته وميليشياته وأفراد من الحرس الجمهوري وغيرهم إلى التوغل
داخل الحوزة العلمية والمدارس الدينية والجوامع والمساجد الشيعية
والسنية مرتدين العمائم المختلفة بحجة أنهم طلبة العلوم الدينية
ومجتهدين.
و بعد سقوط نظام البعث وحل الشرطة العراقية والجيش العراقي
ورجال الأمن أصبحت الحدود العراقية مفتوحة الأمر الذي أدى إلى
تسلل آلاف الإرهابيين من عرب الأفغان عبر إيران وتنظيمات القاعدة
وطالبان وأنصار الإسلام والحركات الأصولية الأخرى المتطرفة كالسلفية
والوهابية والمرتزقة العرب من فلسطين وسوريا والأردن واليمن وغيرهم
من العصابات الإرهابية الأجنبية لجعل العراق مسرحا لضرب القوات
الأمريكية على حساب شعبنا العراقي المسكين.
و قد قامت هذه الشبكات الإرهابية المشتركة بعمليات تفجير إرهابية
في معظم المدن العراقية وسببت قتل آلاف العراقيين كتفجيرات النجف
الأشرف وكربلاء والكاظمية و أربيل كوردستان العراق وكركوك والمحمودية
وبعقوبة وبغداد والإسكندرية وغيرها.
وتنظيمات القاعدة وطالبان والسلفية وأنصار الأسلام ساهمت مباشرة
بقتل الشيعة ومحاولتهم بتدمير العتبات المقدسة التاريخية عند الشيعة
وإثارة الفتنة الطائفية بين الإخوة السنة والشيعة.
ما محبو ومؤيدو الشهيدين السيد محمد صادق الصدر والسيد محمد باقر
الصدر فهم ضحايا جيش المهدي للأسف الشديد. إن توقيت إعلان تأسيس جيش
المهدي خطأ فادح في غير محله لوجود سلطة إحتلال المسؤولة عن أمن
العراق مما سبب إلى قتل هؤلاء الإخوة المؤمنين الذين راحوا
ضحية لسياسة السيد مقتدى الصدر ومن ورائه.
لقد توغلت قوات إيرانية إلى داخل جيش المهدي مع أسلحتها الإيرانية
الصنع ومتفجراتها بالإضافة
إلى المخدرات، إلا أن الحكومة الإيرانية نفت ذلك.
الجرائم والأخطاء التي اقترفها بعض أفراد جيش المهدي، يندى لها
الجبين وتشمئز منها القلوب :
1 - عدم الإعتراف بالحكومة العراقية والدستور العراقي
المؤقت والقانون العراقي.
2 – تشكيل محكمة صورية في النجف وإعدام 270 شخصا وحرك بعض جثثهم.
4 – منع المواطنين إلى الذهاب إلى أعمالهم ودوائرهم عند إعلان حظر
التجول وحالة الطوارئ.
5 – قتل أو سجن من ينتقد مقتدى الصدر.
6 – إختطاف واغتصاب النساء كما حدث ذلك في بغداد والبصرة.
7 – تدمير محلات وحوانيت المواطنين العراقيين المسيحيين والصابئة
والأشوريين.
8 – التحريض على إسقاط حكومة معالي رئيس الوزراء الدكتور أياد
علاوي المعترف بها دوليا وعربيا.
9 – محاولة إثارة الفتنة الطائفية والفوضى في المجتمع العراقي.
10 – الإحتماء واللجوء إلى الأماكن المقدسة بأسلحتهم كما حصل في
مخيم كربلاء الذي دمر وفي حضرة الإمام علي عليه السلام التي ستكون لا
سمح الله عرضة للتدمير إذا أطلق جيش المهدي قذائف على القوات
الأمريكية التي سترد عليها بعنف.
إن هذه الجرائم الإرهابية وقتل شرطتنا الوطنية العراقية وإعدام
المواطنين العراقيين في النجف الأشرف ومحاكمتهم في محكمة الصدر
يدينها كل عراقي شريف غيور محب للعراق والعراقيين.
لذا نطالب حكومتنا الوطنية برئاسة سيادة الرئيس غازي الياور
ومعالي رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي إحالة المجرمين القتلة
الملثمين من جيش المهدي إلى القضاء وإعلان العفو العام على المؤمنين
منهم بعد تسليم أسلحتهم إلى السلطة العراقية لإحلال سيادة القانون
والدولة العراقية والأمن العام في العراق.
كما نطالب بحل جيش المهدي وعدم السماح لحركة الصدر بممارسة العمل
السياسي في العراق، لأنها برهنت على أنها لا تختلف عن الحركات
الأصولية الهدامة كتنظيمات القاعدة وطالبان والحركة السلفية المتطرفة
في القتل والتفجيرات الإرهابية وغير ذلك.
إن جيش المهدي لم يقدم للشعب العراقي أي خدمة تذكر، بل انه زاد من
هموم الشعب العراقي وقتل من خيرة أبنائنا العراقيين وأخواتنا
العراقيات بالمئات ودمر الدور والأحياء السكنية في معظم المحافظات في
العراق وفجر أنابيب النفط وبئر النفط في العمارة وهدد بتدمير كافة
آبار النفط العراقية وقطع أرزاق العراقيين و حرّم ملايين المسلمين من
زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية و سامراء والكوفة
وغيرها.
وجيش المهدي لم يحافظ على أمن المواطنين، بل انه أرهبهم وأثار في
نفوسهم الرعب، فهو لم يلاحق الإرهابيين أصحاب السيارات المفخخة.
وختاما نسأل الله أن يمد حكومتنا العراقية الإنتقالية وشعبنا
العراقي الكريم بالعون والقوة للقضاء على الإرهابيين والقتلة
المتسللين والبدء في إعادة إعمار العراق وحفظ أمنه وتضميد جراح عوائل
الشهداء الأبرياء وتعويضهم، و
عاش العراق والشعب العراقي بكافة قومياته ومذاهبه تحت ظل حكومة
عراقية وطنية تقدمية ديمقراطية فيدرالية تعددية.
الخزي والعار لأعداء العراق والعراقيين.
|