منذ أن بثت إحدى الفضائيات العربية مقابلتها مع السيد مقتدى الصدر
في شهر تموز عام 2003 و كان الصدر مطأطئ الرأس شعرنا بأن هذا الشاب
سيسبب للشيعة و الحوزة العلمية جملة من المشاكل . وفي رده على سؤال
وجهته له الفضائية بما هو معناه : هل تعرف المجلس الإسلامي الأعلى
برئاسة الشهيد الفقيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه ، فأجاب
وهو مطأطأ الرأس لم أسمع بهذا المجلس .
هنا شعرنا بالقلق و الخوف بأن السيد مقتدى الصدر سيمزق وحدة الشيعة
و يثير لنا المشاكل تلو المشاكل .
وبعد إعلانه بتأسيس جيش المهدي (عليه السلام ) الذي هو بمثابة تحدي
و إعلان حرب ضد قوات التحرير و التحالف و الإحتلال كتبنا على الفور في
29 تموز في موقع كتابات 2003 مقالا بعنوان : السيد مقتدى الصدر و تأسيس
جيش المهدي ، و تكملة المقال في يوم 4 آب 2003 بعنوان : السيد مقتدى
الصدر و فكرة تأسيس جيش المهدي – تكملة - ، حرصا منا على سلامته و
سلامة أبنائنا و إخواننا من أتباع و الده المرحوم و أتباعه .
ثم بدأ السيد الصدر بتسليح ميليشياته الواردة من كل حدب و صوب و
اندست داخل ميليشياته عناصر إرهابية عربية و أجنبية و عراقية من
ميليشيات صدام و الحرس الجمهوري و حتى من عرب الأفغان و تنظيمات
القاعدة و طالبان و أنصار الإسلام و السلفية و غيرها من أجل قتل الشيعة
و تدمير عتباتهم المقدسة و طقوسهم الدينية و غيرها .
فلو كان السيد مقتدى الصدر قد أعلن في حينه تأسيس مؤسسة الصدر
الخيرية لأصبحنا كلنا خلفه .
و شعبنا العراقي الذي ذاق أشد الويلات و النكبات من قتل و تعذيب و
إعدامات و تهجير و تدمير آلاف المساكن و القرى في وسط و جنوب و كردستان
العراق ، هو بأمس الحاجة إلى الرعاية الإنسانية و تعويض المتضررين و
احتوائهم بالعطف و الحنان و تزويدهم بالسكن والغذا ء و الدواء و توفير
الأعمال للعاطلين منهم و معالجة المرضى الذين أصيبوا بالغازات السامة و
تجفيف الأهوار بالسموم و غير ذلك بدلا عن هدر دمائهم .
لكن السيد مقتدى الصدر و خليط جيشه المسمى جيش المهدي ( بغير حق)
قاموا بنهب موارد العتبات المقدسة في كربلاء و أسسوا مكتب الصدر ( في
مخيم كربلاء التاريخي المقدس ) ومنه قامت ميليشياته بإلقاء صواريخ أر
بي جي على قوات التحالف في كربلاء قرب محلة السعدية و دمر هذا الأثر
التاريخي و الإسلامي ( المخيم ) قرب بيتنا الذي أصيب بأحد الصواريخ ،
حيث قتل عشرات من أهالي كربلاء الكرام و زائري جدنا الإمام الحسين عليه
السلام و كذلك عدد غفير من جيش المهدي . فالسيد الصدر وحده مسؤول عن
إراقة هذه الدماء الطاهرة .
وقد نوهنا في مقالنا أعلاه بأنه لا توجد دولة ، مهما كان نوعها ،
دولة إحتلال أو دولة وطنية ، تسمح لميليشيات حزب أو حركة من حمل السلاح
و مضايقة و تهديد المواطنين كما فعلت ميليشيات جيش اللامهدي في كربلاء
و النجف و بغداد و الكاظمية و الناصرية و الكوت و البصرة و غيرها من
المحافظات و القرى و الأرياف ، فإن تلك الدولة ستسحقهم جميعا و هذا ما
حصل و يحصل هذه الأيام .
ذكرنا سابقا أن قوات التحالف الأوروبية بعد استسلام القوات
الألمانية عام 1945 لم تسمح بحمل سلاح من أي حزب ، و سمعت مؤخرا من
الأصدقاء الألمان الذين عاشوا الحرب العالمية الثانية بأن من يحمل
السلاح سيقتل من قبل قوات الإحتلال .
إذ لا يمكن تأسيس جيش لحزب داخل جيش دولة أي يصبح الأمر دولة داخل
دولة .
و في عهد الراحل الأردني الملك حسين رأينا للأسف الشديد ما حدث مع
الميليشيات الفلسطينية المسلحة في عمان في أيلول 1970 ، لأن تلك
الميليشيات أهانت هيبة الدولة الأردنية ،ولأنها وضعت نقاط تفتيش في
الشوارع لتفتيش المواطنين و السيارات المارة و مضايقتهم ضاربين دور
الشرطة الأردنية عرض الحائط ، و قد عشنا تلك التجربة المريرة .
نورد بإيجاز ما يلي :
1 – إن المرجع الأوحد و الزعيم الروحي الأعلى للشيعة في العراق هو
سماحة آية الله العظمى السيد علي
السيستاني حفظه الله ، و سماحته يقرر مع دراسة الوضع العام مع
علمائنا في الحوزة العلمية التأني
أو إعلان الحرب و ليس الطالب المجتهد مقتدى الصدر . و ما قام به
الصدر هو إختراق للقيم
الإنسانية و الإسلامية و تحدى مرجعية آية الله السيد علي السيستاني
، لأن ميليشياته قتلت إخواننا
و أبنائنا من الشرطة العراقية و الأهالي من المواطنات و المواطنين ،
و على عاتقه تقع دماء
الشهداء.
2 – لماذا لم يؤسس السيد مقتدى الصدر جيش المهدي في عهد المجرم صدام
قاتل أبيه ؟
3 – لم يكن للسيد مقتدى الصدر أي برنامج أو هدف ، اللهم إلا تخريب
المدن و قتل الأبرياء و إشاعة الرعب
و الفوضى كما فعلت قوات صدام الخاصة و مخابراته و حرسه الجمهوري و
فدائييه .
4 – قامت بعض الفضائيات العربية المحرضة للعنف و التفرقة الطائفية
بإطلاق ألقاب ما أنزل الله بها من سلطان على السيد مقتدى الصدر ، مثل :
" زعيم الشيعة ، آية الله " و غيرهما من أجل تعظيم و تفخيم منزلته .
فالصدر ليس زعيم الشيعة و ليس آية الله ، لأنه لم يكمل دراساته العليا
و نفس الشيئ أطلق على الإرهابي أسامة بن لادن بالشيخ بن لادن .
5 – إستعمل السيد مقتدى الصدر العنف بأنواعه و أمر في حينه بقتل
الشهيد المرحوم السيد عبد المجيد الخوئي في غرفة كليدار الإمام علي
عليه السلام و في صحن الإمام علي ، بعد إطلاق النار عليه و سحله إلى
دار مقتدى الصدر و قد سأله المجرمون هل ندخله في دارك ، فرد الصدر
عليهم أقتلوه في الخارج ، و هذا ما حصل ، و قد أدلى أحد الصحفيين
المرافقين للشيد الخوئي التفاصيل في فضائية ANN في برنامج الأستاذ هشام
الديواني و لدينا النص الكامل خطيا و بكاسيت الفيديو .
6 – كان السيد مقتدى الصدر يعلم علم اليقين بأن إثارة إسرائيل تؤدي
بالنتيجة إلى إثارة الولايات المتحدة الأمريكية و قد صرح في إحدى خطبه
بأنه الساعد الأيمن لحزب الله ... وكان لهذا التصريح تبعات سيئة على
الشيعة في مجلس الحكم و التي أدت إلى إقالة بعض الشخصيات الشيعية في
مجلس الحكم و الوزراء . و رأينا ما فعل بول بريمر بالدكتور الوطني أحمد
الجلبي و بإقالة وزيرين آخرين .
7 – لم يكن للسيد مقتدى الصدر أي نضوج سياسي ، حيث أمر دولة الكويت
بطرد القوات الأمريكية . وكانت دولة الكويت الشقيقة قد عقدت إتفاقية
عسكرية في واشنطن قبل تصريح الصدر بيومين ، بأن الولايات المتحدة تحمي
الكويت من أي عدوان ، و أن دولة الكويت الحليف الأكبر و الأول في الشرق
الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية .
8 – لست أدري ماذا يريد السيد الصدر من هذه الأفعال ؟ هل يريد أن
يحل محل الإمام المرحوم روح الله الموسوي الخميني صانع الثورة البيضاء
في إيران ؟
فإذا كان الأمر كذلك فعلى الصدر تكملة دراساته العليا الفلسفية و
الدينية و التاريخية و علم المنطق و علوم السياسية و غيرها من العلوم
التي تدرس في الحوزتين العلميتين في النجف الأشرف و قم . و بعد حصوله
بالإجماع على لقب آية الله و يتم إنتخابه من كافة العلماء فحينئذ يمكن
أن يرشح نفسه لنيل تلك المنزلة الرفيعة . إن الإمام الفقيد الخميني قد
ألف عشرات الكتب و الرسائل في مختلف العلوم و له نضال طويل .
9 – صرح السيد مقتدى الصدر بأنه يقلد سماحة السيد الحائري في قم ،
لذا نطلب من السيد الصدر و أتباعه الكرام الذهاب إلى قم المقدسة و ترك
النجف و العراق بخير و أمان ، لأن المرجع الأعلى الروحي للشيعة
العراقيين هو سماحة السيد على السيستاني و ليس السيد الحائري .
10 - قال السيد الفاضل مقتدى الصدر في إحد تصريحاته بأنه سيبقى في
النجف و يدافع عن النجف إلى آخر قطرة من دمه ، لكنه لم يفعل ذلك بل أنه
أرسل إخواننا و أبنائنا المؤمنين أبناء الخايبة إلى طاحونة الموت و هدر
دماء المئات بالإضافة إلى قتل المارة و الأهالي الأبرياء . وقد اختفى
في حضرة الإمام علي عليه السلام مع الأسلحة و الصواريخ ، لكي يعرض هذا
الحرم الشريف إلى القصف و الدمار .
فإذا كان صادقا في أقواله لحمل السلاح و ذهب مع أتباعه إلى شوارع
المدينة أو مقبرة وادي السلام لمقاتلة القوات المحتلة و ليس شرطتنا
العراقية الوطنية التي تدافع عن المواطنين و الوطن ، لكان الأمر مختلفا.
وهذا نفس الشئ كان يفعله صدام لدى شنه الحرب العدوانية ضد الجارة
الشقيقة إيران ، حيث كان الطاغية البغيض يختبئ في الملجأ و يرسل أبناء
الخايبة من جنودنا و ضباطنا إلى طاحونة الموت و الدمار .
11 – رحم الله السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى
و رئيس فيلق بدر الذي اتبع سياسة سلمية حكيمة لإخراج قوات التحرير و
الإحتلال ، حيث قال المرحوم غفره الله في إحدى خطبه، ما معناه : " إن
صبرنا لم ينفد بعد . و أننا نعطي لقوات التحالف الوقت الكافي إلى أن
يتم تشكيل الجيش العراقي و الشرطة الوطنية العراقية . فإذا لم يخرجوا
بعد ذلك ، فلكل شيئ حديث . و في خطبة أخرى قال سماحة السيد محمد باقر
الحكيم ، ما معناه : أننا نريد إقامة دولة عراقية تقدمية فيدرالية
تعددية تحترم القيم الإسلامية " .
12 – ليس من الذوق و الأخلاق أن تعلن حركة مثل حركة الصدر حالة
الطوارئ في بغداد . تصرف سخيف في غاية القبح و التفاهة ، لأن لدينا
دولة معترف بها دوليا و عربيا ، ذات سيادة كاملة مطلقة و لديها جيش و
شرطة و رجال أمن و قانون إداري مؤقت . لا يمكن أن تسمح هذه الدولة لجيش
المهدي أو أي حزب القيام بمثل هذا الإجراء.
و قد علمنا أن ميليشيات جيش المهدي استعملت القوة و التهديد ضد
الموظفين العراقيين و أصحاب الدكاكين و الحوانيت و منعتهم من فتح
محلاتهم أو الذهاب إلى دوائرهم و المستشفيات و غيرها .
و بذلك فإن هذه الميليشيات الإرهابية قد اقترفت إثما كبيرا و ذلك
بقطع أرزاق الناس و العوائل من ناحية و مخالفة الدولة و القانون من
ناحية أخرى . و هذه الميليشيات لا تختلف عن أفعال مخابرات و ميليشيات
صدام المقبور و حزبه البغيض .
13 – لم يدرك السيد مقتدى الصدر و أتباعه بأن عاصمة العراق بغداد و
البصرة و الموصل و كركوك و بعض المحافظات الأخرى مفتوحة يسكنها آلاف بل
و ملايين من الإخوة المسيحيين الأرثوذوكس و البروتستانت و الصابئة و
الأرمن و كذلك اليهود العراقيين و طوائف أخرى كالكلدانيين و الآشوريين
و غيرهم لهم طقوسهم و أديانهم الخاصة و محلات بيع سلعهم الإستهلاكية و
الكحولية و غيرها .
إن قيام ميليشيات المهدي بحرق و تدمير محلاتهم التجارية أمر مرفوض ،
و هذا التصرف لا يولد سوى الحقد و الكراهية ضد الإسلام و المسلمين .
نؤيد منع بيع الخمور و الكحول و المخدرات في المدن المقدسة في
كربلاء و النجف الأشرف و الكاظمية و سامراء . أما بقية المدن الأخرى
ينبغي أن تكون حرة لأن الآلاف من المسيحيين يسكنون فيها . و هم أبناء
العراق يجب أن يتمتعوا بكامل حرياتهم كما ورد في دستور الإدارة
العراقية المؤقت .
من واجب رجل الدين أن يوعظ الشباب و الشابات بالمواعظ الحسنة ويبين
لهم أضرار الخمور . أما إستعمال العنف و القوة و قطع أرزاق المسيحيين
فهذا أمر مرفوض .
كنا نتمنى على السيد مقتدى الصدر أن يجد حلا لأصحاب حوانيت الخمور
بأن يمنحهم تعويضات مالية كل شهر لكي يبيعوا سلعا أخرى غير الخمور مثلا
.
كما نتمنى على السيد مقتدى الصدر بأن يمنع آلاف الزائرين القادمين
من أفغانستان و إيران و لبنان من جلب المخدرات و الحشيش إلى مدن
العتبات المقدسة .
و أخيرا و ليس آخرا فلو ركز السيد مقتدى الصدر و أتباعه إهتمامهم
لمكافحة الإرهابيين أمثال الزرقاوي و أصحاب مفخخي السيارات و الخاطفين
و السراق لحصل الصدر تأييد الشعب العراقي بأكمله .
وبناءا على ما ذكرنا فإن منتسبي جيش المهدي و السيد الصدر لا يصلحون
أبدا في العمل السياسي بعد أن قاموا بعشرات الجرائم و قتل آلاف الشباب
الأبرياء .
وعلى الحكومة العراقية الوطنية شمل الجميع بالعفو العام بعد استلام
أسلحتهم الخفيفة و الثقيلة و تركهم للعمل في المجالات التجارية و
الوظيفية . فقد أثبت جيش المهدي نتيجة جرائمه بأنه لا يصلح للعمل
السياسي في العراق ، و قد ذاق العراقيون منهم أشد الويلات .
لا يمكن قبول أي حزب أو حركة تستعمل السلاح و العنف ضد الشعب
العراقي الكريم .
ماربورغ في 18 / 8 / 2004
adnan_al_toma@hotmail.com |