(أقوى الوسائل حسن الفضائل..) الإمام علي
بن أبي طالب (عليه السلام)
إننا في المجتمع الإنساني نرجع تصرفات وسلوكيات أي قوم وآدابهم
وأخلاقياتهم إلى نوعية ثقافتهم وبذلك يتحدد الأفعال والأعمال – سواء
كان صالحاً أو سيئاً – بطريقة التفكير ومدى الوعي الإنساني لكل قوم
وبالتالي لكل فرد. ورغم تطور وتنوع الروافد المعرفية وأشكالها عند
الناس تبقى المدرسة لها الأهمية العظمى من حيث التأثير – إيجاباً أو
سلباً – لانشداد الطلاب إلى مراكز التعليم بطرقها المشوقة والفترات
الطويلة التي يقضونها في تلك المراكز وأيضاً الأصدقاء حسب الأعمار
والأشكال.
إذن ليس ببعيد أن تصوّرنا لأي شيء في المجتمع ينبع من المدرسة فلا
غرابة من تصوير الكاتب أنه: تولد الأنثى في كتب القراءة، ثم تتشكل
صورتها تحت تأثير السلوك الجماعي الذي يحدد نظرتها إلى نفسها، ونظرة
الآخرين إليها.
وغني عن القول إن كل الأفكار المسبقة، وعلامات التمييز والتفرقة،
والعوامل السلبية أو الإيجابية التي تتحكم في موقع المرأة في المجتمع –
أي مجتمع – تنطلق من هذا (المصنع) الهائل للأمة الذي هو المدرسة، في
تلك البؤرة يتكون ضمير الجماعة، وتتشكل المبادئ والقيم.. ومن طريقها
ينتقل الموروث الجماعي من جيل إلى جيل، عبر عملية تفاعل مستمرة بين
القيم السائدة والأفكار المستقبلية المجددة.
ولعل أي تغيير، أو أي بوادر تطور في مجتمع من المجتمعات، تبدأ حكماً
من إعادة النظر بفلسفة المناهج المدرسية وتوجهاتها ومرتكزاتها..
فالمدرسة أولاً، وبعدها تأتي الأسرة والبيئة والمحيط. وقد تكون السياسة
التربوية هي المدخل لدفع المجتمع إلى مزيد من التطور والانفتاح،
والتكيف مع معطيات العصر ومتطلباته.
ولعمري ليست هناك مدرسة حفظت حقوق المرأة كإنسانة أولاً، وكأنثى لها
حقوقها وواجباتها كما للرجل حقوق وواجبات ولكل منهما كيان مستقل دون
تبعية للغير أو دونية بل كمال الرجل بالمرأة الزوجة وكمال المرأة
بالرجل الزوج مثل مدرسة القرآن وأهل البيت (عليهم السلام).
قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً...)
ولم يفرق في الحقوق والواجبات والأعمال والتقوى بين الذكر والأنثى
بل عامل كل منهما حسب تقواه وقربه من الباري عز وجل.
قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ
اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)
جميل أن نفسح المجال للتعاليم الإسلامية السامية لتمهد الطريق إلى
رؤية جديدة وأطروحات ثابتة وراقية تنير دروب الحياة وتؤكد مكانة المرأة،
ويرفع عنها عبء الأفكار المتوارثة والأحكام الجاهلية والنظرة الفوقية
إليها كعنصر ناقص. وتنقذها من الجاهليتين الجاهلية القديمة التي كانت
تأدها وتبيعها كسلعة والجاهلية الحديثة التي استغلتها كجسد مسيل للعاب
ومثير للشهوات وسلعة تعرض أمام الجمهور. |