ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

دفاعا عن لحى الباقين

نــــــــــــزار حيدر

أعرف أن السيد مقتدى الصدر وتياره، إرتكبوا من الأخطاء ما يكفي، وأعرف أنه لا يتمتع بلياقات المرجعية الدينية أو القيادة السياسية، وأعرف أنه إستهزأ بالجميع وإستخف بالكل، فلم يبق له صاحبا أو صديق، وأعرف أنه لم يصغ الى الكبار، أو يستمع الى نصيحة المجربين، وأعرف أن أكثر من جهة داخلية وخارجية إستغلت عناده وحماسه لدرجة التآمر، وأعرف أنه إستغل سمعة عائلته وتضحياتها الجسام، كما إستغل إسم والده المرجع الشهيد الصدر الثاني، ليقود تيارا أكبر من حجمه بكل المقاييس، وأعرف أنه قاد التيار الصدري بالوراثة وليس بالكفاءة والقدرة والقابلية على الادارة، إذ أن في هذا التيار من هو أكفأ منه علما وحنكة سياسية وقدرة على الادارة والحوار، وأوسع قدرة على تشخيص الأهم فالمهم وتحديد الاولويات، وأعرف أنه ورط المرجعية الدينية العليا بما لم تقتنع به كأسلوب في إدارة الصراع مع الاحتلال، وأعرف أنه أخطأ عندما أعلن عن تشكيل مليشيات سلحها فيما بعد أسماها جيش المهدي، وأعرف أنه لم يتصرف بحكمة عندما إستعرض قواته في شوارع بغداد على وجه التحديد، وأعرف أنه يفتقر الى الخطاب السياسي، فهو لا يعرف كيف يعبر عن أفكاره السياسية بشكل صحيح، وأعرف أنه أحد ضحايا الاعلام العربي الطائفي الحاقد، وأعرف أنه ليس لديه مستشارين أكفاء وفي بعض الاحيان أمناء، وأعرف أنه لا يمتلك من له القابلية على الحديث أمام عدسات الكاميرا ووسائل الاعلام التي يقع في شراكها وحبائلها الشاطر، فما بالك بالساذج والبسيط، وأعرف أنه لم يتبعه إلا الشباب المتحمس المتواضع ثقافيا من بسطاء العراقيين، وإن من لبس العمامة منهم لم تسنح له الفرصة للتقدم في الدراسة الحوزوية ما يؤهله للفتوى أو الحديث بإسم الدين أو الاجابة على الأسئلة الشرعية، وأعرف أن عناصر مشبوهة تغلغلت في صفوف تياره، من بينها مخلفات النظام الشمولي البائد، فأساءت التصرف، ومارست ما لا يرضي الله تعالى وكل عاقل، وأعرف أنه أساء التقدير وأخطأ في الحسابات، وتجاوز الخطوط الحمراء عندما أعلن عن تبني سياسات قوى حزبية خارج الحدود، ظلت حتى الان تدافع عن الطاغية الذليل وترفض الاعتراف بجرائمه البشعة، والاعتذار للعراقيين أزاء وقوفها الى جانب النظام الشمولي البائد لعقود طويلة من الزمن، غير مكترثة بضحاياه .

... أعرف كل ذلك وأكثر، ولكن مع كل ذلك، لا يجوز إطلاقا أن يتم التعامل معه بهذه الطريقة الاقصائية الدموية، وذلك لما يلي:

أولا ـ يخطئ من يظن بأن التيار الصدري، ليس أكثر من حفنة من المراهقين المتحمسين المسلحين المجنونين بحب الصدر، ويخطئ من يتصور بأن الصدر وحده من يمثل التيار الصدري، ولذلك يخطئ من يظن أن بإمكانه أن يقضي على هذا التيار الجماهيري الضارب بجذوره في عمق المجتمع العراقي، إذا ما قتل الصدر أو تمت تصفية أعوانه .

لقد ظن الطاغية الذليل مثل ذلك، فاغتال الصدر الثاني وولديه، إلا أن إستشهادهم لم يزد التيار إلا توسعا جماهيريا وعزما وصلابة وتحديا .

ذات الامر حصل بالنسبة للصدرالاول وللكثير من القادة والزعماء والرموز الدينية والسياسية، إذ كلما قتل رمز، نهض آخر ليحل محله ويملأ الفراغ، وهكذا، حتى انتهى الطاغية الى مزبلة التاريخ، أما مسيرة الجهاد والنضال، فقد تواصلت بشموخ من دون

أن تنتهي .

لقد شذ الصدر عن إجماع التيار الصدري الواسع عندما إختار السلاح كوسيلة للحوار ولفرض أجندته وقناعاته الخاصة، أو لفرض الرأي والاستراتيجية، كما أنه أخطأ عندما راح يغرد خارج السرب، عندما لم يلتزم بالاستراتيجية السلمية المعلنة من قبل جميع المرجعيات الدينية الشيعية على وجه الخصوص، بالرغم من إعلانه مرات عديدة بأنه في خدمة المرجعية، وأنه يأتمر بأوامرها، إلا أن ذلك لا يعطي الحق لأي كان في أن يلخص التيار بشخصه، فيتعامل معه بناءا على أخطائه .

إن تلخيص تيار جماهيري واسع برمته، بشخص أو أشخاص معدودين، يعقد المشكلة ويظلم الناس، كما أن تلخيص الصدر لهذا التيار بشخصه دون سواه، ظلم لنفسه وللتيار الذي يمثله، كما أنه نوع من أنواع البخس لحق الآخرين، الذي نهى عنه القرآن الكريم بقوله ـ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ـ فكما أنه يعتبر نفسه من ورثة هذا التيار بالنسب على الاقل، فإن هناك الكثيرين ممن ورثوا هذا التيار بالفعل والتضحية والاستمرار

والمواصلة، وإن لم يكن بالنسب .

ثانيا ـ إن الصدر وتياره على وجه التحديد، يختلفون جذريا عن مجموعات العنف والارهاب والجريمة المنظمة، وإذا ما شذ بعضهم في ممارساته عن الخط العام، فهذا لا يعني أبدا أن نعمم الحالة على كل التيار، فلقد شذت عناصر عن الخط العام لأعرق الاحزاب السياسية، فهل يجوز معاقبة هذه الاحزاب بجريرة وأخطاء الشواذ من

عناصرها ؟.

لقد تورط الصدر بمثل هذه العناصر، كما تورط آخرون، فلقد سمعناه قبل فترة يتشكى من الممارسات الشاذة لهذه العناصر، ويهددها بالمحاكم الشرعية إذا لم تكف عن ممارساتها .

لذلك لا يجوز أن نصنف الصدر وتياره مع خانة الارهابيين أبدا، فالصدر لم يأمر أحدا بتفجير سيارة مفخخة يقتل فيها الابرياء، كما أنه لم يصدر أوامره بزرع المتفجرات أوالسيارات المفخخة، أمام مراكز الشرطة العراقية، ليقتل المواطنين الابرياء الذين تجمهروا عند بوابة المركز للتطوع في قوات الحرس الوطني الجديد، أو الشرطة أو ما

الى ذلك، من الاجهزة الوطنية حديثة التأسيس .

فضلا عن أنه لم يتورط بلعبة الاختطاف القذرة وحز الرؤوس، كما أنه لم يمارس لعبة الابتزاز بالخطف أو الاغتيال، بل على العكس من ذلك، فلقد بادر مرارا وتكرارا الى إدانة هذه الممارسات وكل أعمال العنف والارهاب من هذا القبيل، كما أنه لم يتورط أبدا بجرائم إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل عشوائي، لتحصد الابرياء من دون تمييز، ولكل ذلك

أعتقد أن أدق وصف يمكن أن ينطبق عليه وعلى تياره، هو قول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ــ ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصابه ــ فالصدر طلب الحق بلا شك، إذ لم يسع أبدا الى أن يعيد عقارب الزمن الى الوراء، كما أنه لم يدافع إطلاقا عن النظام البائد أو الطاغية الذليل قيد أنملة، إنما أخطا ـ ربما ـ طريق الحق عن جهل أو سوء تقدير أو تعصب أعمى أو بسبب شعوره بتجاهل الآخرين له، ولكن من دون أن نشك في نواياه الصادقة، أو حماسه الوطني الصادق، أما الارهابيون فقد طلبوا الباطل مع سبق الاصرار، ولذلك مارسوا لعبة القتل والتدمير عن وعي ودراية، لأنهم في الاساس إستهدفوا العراق الجديد بكل تفاصيله .

ثالثا ــ إن الصدر وتياره جزء من ضحايا النظام الشمولي البائد، جملة وتفصيلا، بغض النظر عمن إستغل الظروف الطارئة لينفذ في صفوف تياره .

لم يكن الصدر وتياره في يوم من الايام، من المنتفعين من النظام البائد، أبدا، إنهم بقية السيف والمقابر الجماعية، ولذلك لا يحق لأحد أن يقارن بينه وبين الارهابيين من أزلام النظام البائد، من الذين تضرروا بسقوطه فلجأوا الى العنف للتعويض عما خسروه في التاسع من نيسان عام الفين وثلاثة، أو أن يقارن بينه وبين الارهابيين الذين تسللوا الحدود من دول الجوار، من الذين يتسلحون بالفتاوى التكفيرية التي تبيح دم الآخر، أيا كانت هويته، والذين يستندون الى دعم مالي ولوجستي وإعلامي طائفي حاقد .

هؤلاء هم المتضررون في العراق الجديد، ولذلك يحنون الى الماضي ويتمنون لو يعود الطاغية الذليل حاكما على العراق من جديد، أما الصدر وتياره، فلا يحنون الى الماضي الذي ظل يذبح بهم على مدى نيف وثلاثين عاما عجافا، بل إنه يدعوا الى محاكمة الطاغية الذليل ويرفض إعادة تأهيل المجرمين في العراق الجديد .

لقد شعر الصدر وتياره بالغبن وتحسس محاولات تهميشه، وربما لهذا السبب سعى إلى أن يثبت وجوده ويجلب إهتمام الآخرين بكل الطرق والاساليب والوسائل، التي جاءت بعضها متهورة وغير حكيمة، للأسف الشديد .

رابعا ــ إن التيار الصدري صنعه الصدر الثاني، بتصديه وجرأته وتضحياته، وأخير بشهادته الدامية المدوية مع ولديه، ولم يصنعه السيد مقتدى الصدر، ليقال بأنه نتاج ظروف الاحتلال، أو الانفلات الامني، أو ما الى ذلك .

وإن دل ذلك على شئ، فإنما يدل على أصالة هذا التيار وعراقته ووضوح تاريخه وزعاماته، ولذلك لم يتخف الصدر بلثام الارهابيين، ولم يحدث الاعلام من وراء حجاب، أو يتسور الجدار ويتسلل من خلف الحدود، إنما كان ولا يزال يتحدث الى العالم عبر منبر صلاة الجمعة، وإن كان خطابه السياسي فيه الكثير من الركاكة في التعبير، ما يشيرالى إفتقاره للحنكة والتجربة والخبرة .

أعتقد أن واحدة من مشاكل الصدر الكثيرة، هو أنه يتصرف كالمراهقين في موقع الزعامة والمسؤولية، وليس غريبا ذلك في رجل كالصدر الذي لم ير العالم أو يحتك مع الآخر أو يجرب الحياة ومشقاتها والعمل السياسي ودهاليزه ومطباته، فهو يشبه الى حد بعيد ممارسات وتصرفات زعماء وقادة الأحزاب السياسية العريقة الحالية، يوم كانوا في عمر المراهقة والشباب، فلقد إرتكبوا من الأخطاء الفضيعة ما أنتج كل هذا الذي نراه اليوم في العراق، فالعلة إذن لا تكمن في الصدر، فحسب، وإنما في الانسان وطبيعته البشرية التي ترفض أن تتعلم من تجارب الآخرين، وتأبى إلا أن تجرب كل الامور بنفسها، ولذلك يكرر الانسان أخطاء أخيه الانسان، ولهذا السبب، ربما، قيل أن التاريخ يكرر نفسه، أما الحكمة فتقول، من جرب المجرب ندم، أو، إسأل المجرب ولا تسأل الحكيم .

لكل هذه الاسباب، وغيرها الكثير، لا يجوز أن يتم التعامل مع الصدر وتياره، كما يتم التعامل مع الارهابيين وبقايا النظام الشمولي البائد، أبدا .

لقد أثبتت الايام بأن الازمات التي تمر على هذا التيار، تزيده عنادا وتمسكا بثوابته، من جانب، كما تزيد من شعبيته وتعاطف الناس معه، خاصة مع غياب المرجعيات والقيادات والزعامات الشجاعة، ولذلك فإن من يريد تحجيم هذا التيار أو التقليل من خطورته أو حتى ترشيده لاقناعه بالعدول عن تبني العنف لفرض مناهجه السياسية واللجوء الى الحوار والمنطق، وبالتالي للمشاركة في العملية السياسية، عليه ألا يلجأ الى العنف والقوة ومنطق التهديد والوعيد وإستخدام مختلف أنواع الاسلحة الثقيلة والفتاكة معه، فالعنف يدعو الى العنف، والتهديد والتلويح بإستخدام القوة يزيد من تماسك التيار بوسائله فتأخذه العزة

بالخطأ .

إن دعوة التيار للمشاركة في العملية السياسية، الى جانب التبجح بقتل أربعمئة من أنصاره في ليلة واحدة، أمران متناقضان ،لا يساهمان في حل الازمة، فضلا عن أن مثل هذا التناقض يزيد من رصيد التيار ويقلل من مصداقية خصومه .

ولقد رأينا ما حصل في المؤتمر الوطني العراقي الذي عقد في بغداد يوم الخامس عشر من الشهر الجاري، والذي دل على تعاطف حتى النخب السياسية مع الصدر وتياره، إن لم يكن دليلا على تبني هذه النخب لهذا التيار، فعلى الأقل إنه مؤشر واضح على رفض هؤلاء تصفية التيار بهذه الأساليب الوحشية، ما يعري النظرية التي تقول بأن التيار الصدري ليس سوى مجموعة قليلة من أزلام النظام السابق واللصوص والمجرمين، وأشباههم، إذ لا يعقل أن ينشغل به المؤتمر الذي ضم مختلف تيارات المجتمع العراقي ــ الدينية والسياسية والعشائرية ومؤسسات المجتمع المدني ــ الى جانب الحكومة المؤقتة، إذا كان هذا

حاله ؟.

إن الأزمة الخطيرة الحالية التي تمر بها مدينة النجف الأشرف، وعموم مناطق العراق

بسبب الصدام المسلح بين الصدر والقوات متعددة الجنسيات، ساهم في صناعتها وتفاقمها كل الأطراف من دون استثناء، بالتجاهل ومحاولات الاقصاء والعزل والتغييب تارة، وبالدعم غير المحسوب والتغاضي عن الأخطاء، تارة أخرى، وإذا كان الاحتلال يتحمل مسؤولية، فإن المرجعية الدينية والاحزاب السياسية، وغيرهم، يتحملون كذلك مسؤولية كبيرة، لا يجوز أن نغفل عنها، وإذا كنت أعذر الاميركيين على أخطائهم الفضيعة لجهلهم أو إقتضاء المصلحة التي أسقطوا بسببها النظام الشمولي البائد، فلا أرى نفسي قادرا على التبرير للعراقيين الذين يقولون بأنهم أعرف بمصالحهم، وأخبر بخفايا الامور، فلماذا وقعوا في الفخ وأخطأوا الحسابات مع هذا التيار ؟ إلا أن يكونوا قد إنطلقوا بالعلاقة معه من رؤية حزبية وأحيانا عائلية ضيقة .

إن هنالك أخطاء كثيرة إرتكبت، ما أدى الى تفاقم الازمة، منها ؛

ألف ؛ سعي كل الاطراف الى تجاوز الصدر وتياره، ومنذ اليوم الاول لسقوط الديكتاتورية، إما بسبب تراكمات تاريخية وخلافات وصراعات عائلية قديمة، أو بسبب ردود فعل غير مسؤولة، أو لفشل البعض في الانتقال بالعقلية وطريقة التفكير، من مرحلة المعارضة الى مرحلة السلطة .

باء ؛ لقد تعامل الاميركيون مع الصدر وتياره، كملف أمني، وليس كتيار سياسي، أي تعاملوا معه أمنيا وليس سياسيا، ربما بسبب تمرده على الاحتلال منذ اللحظة الاولى، وعدم قدرتهم على استيعا ب المعارضة والاكتفاء بالتعامل مع من يتعاون معهم فقط .

إنهم تشبهوا بطريقة الأنظمة العربية التي تتعامل مع حركات وأحزاب المعارضة، أمنيا في دهاليز أجهزة المخابرات والاستخبارات، وفي أقبية السجون المظلمة، وليس في أروقة رئاسة الوزراء أو وزارة الخارجية أو في القصر الجمهوري، وكلنا يتذكر يوم أن أطل علينا رئيس أعظم دولة في العالم، أقصد الرئيس بوش، ليصدر حكمه على الصدر وتياره بوصفه لهم بانهم مجموعة من اللصوص والارهابيين، من دون أن ينسى النطق بقرار المحكمة عندما قال، عليه أن يسلم نفسه أو يقتل .

جيم ؛ كذلك، فإن إعتماد الأميركيين على تقارير ــ عراقية ــ خاطئة ومزورة وغير دقيقة، تدفعها ثارات قديمة ومواقف عدوانية مسبقة، بالاضافة الى تضخيم الخطر وتهويل التهديد القادم من هذا التيار، إن كل ذلك، لعب دورا كبيرا في دفع الأزمة بإتجاه التصعيد الخطير، وبكلمة، فإن الجميع ظلوا يصبون الزيت على النار، من دون أن نر من يتبرع منهم ليؤدي دور رجل الاطفاء الذي يغامر ويضحي من أجل إنقاذ العراق والعراقيين .

نحن لا نلوم الصدر إذا ارتكب كل هذه الأخطاء السياسية حتى الآن، لأنه يفتقر الى الحكمة والتجربة السياسية، كما أنه لا يمتلك ما يكفي من تجربة الحوار، لتؤهله أن يكون قائدا سياسيا يمكن أن يتعامل معه الآخرون بكفاءة عالية، ولكن، ما بال من يدعي الخبرة والتجربة والنضال السياسي ؟ لماذا إرتكب هؤلاء كل هذه الاخطاء بحق هذا التيار التضحوي المسحوق ؟ لماذا إرتكبت المرجعية الدينية هذا الكم الهائل من الأخطاء بحقه ؟ أين تجربة قادة الأحزاب السياسية التي تدعي الكثير من دون أن نلمس منها

حكمة ا لمجرب وخبرة رجل النضال والسياسة إلا القليل القليل ؟.

هنالك أكثر من طريق صحيح للتعامل مع الأزمة، ليس من بينها، بكل تأكيد، القوة وإستخدام السلاح المدمر .

وأقولها بصراحة، وبالفم المليان، وليسمعني كل الزعماء والقادة والمرجعيات ــ الدينية منها والسياسية والحزبية ــ إن الأزمة رسالة اليهم جميعا، مفادها أن من يفكر بالتمرد على سلطة الاحتلال سيكون مصيره كمصير الصدر وتياره، وعندها سوف لن تشفع له علاقاته الطيبة مع الاحتلال، وإذا كان الاميركان قد بدأوا بهذا التيار دون سواه فلأنه الحلقة السياسية، ولا أقول الجماهيرية، الأضعف التي ينظر اليها الآخرون بعين الحاسد لغريمه ومنافسه ليس إلا، وكلنا يتذكر سياسة النظام البائد في تصفية الخصوم، عندما كان يذبح فصيل ويوقع على ميثاق وطني مع آخر، أو يذبح مرجعا بيد ويصافح آخر بيده الثانية، بهدف الأستفراد بهم للتخلص منهم الواحد بعد الآخر، وقديما قالت الحكمة ــ من حلقت لحية جاره، فليسكب الماء على لحيته ــ فمن يريد أن يحتفظ بلحيته، ويكره أن يرى

نفسه حليق الذقن، فلينقذ لحية الصدر من تحت موس الحلاق، أما إذا تهاون الملتحون، وحلقت لحية الصدر، فلا مناص من أن يسكبوا الماء على لحاهم إستعدادا للحلق، شاءوا أم أبوا، طال الزمن أم قصر .

صدقوني، إنه دفاع عن لحاكم وليس عن الصدر، متمنيا أن تفهموها هذه المرة على الأقل رحمة بلحاكم فقط .

أرجو أن يأخذ الجميع هذا الكلام على محمل الجد، فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا، ومن أجل الدفاع عن لحى الباقين، ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية، على الجميع أن لا يدع الاميركان يذبحون هذا التيار .

صحيح، أن المليشيات لا تصنع ديمقراطية، وأن توظيف العنف في العملية السياسية، لا يساهم في بناء النظام الديمقراطي، وأن تحكم شخص واحد بمصير أمة أو طائفة، ضد التعددية السياسية التي هي من لزوميات الديمقراطية، الا أن الاستخدام المفرط للقوة هو الآخر لا يبني ديمقراطية، وأن سياسات الالغاء والتسقيط للآخر والتهديد بالقوة واللجوء الى الاسلحة الثقيلة لترويع الآمنين وهتك الاعراض والتجاوز على المقدسات والهروب من الأزمة، إن كل ذلك، كذلك، لا يساهم بأي شكل من الأشكال في بناء النظام الديمقراطي، مطلقا .

أما الحل الامثل الذي أراه عمليا يناسب الازمة فهو كما يلي ؛

لا يختلف إثنان على حقيقة كون كل الأطراف، بما فيها المرجعية الدينية، باتت طرفا في الأزمة وجزءا من المشكلة، ولذلك لا أعتقد أن بإمكان أحد أن ينفرد بالحل أبدا، ولهذا السبب أعتقد أن الحل يجب أن يأتي جماعيا من خلال عقد مؤتمر قمة للمرجعيات العليا ومن دون إستثناء أحد، يحضره السيد مقتدى الصدر بنفسه حصرا، ومناقشة الأزمة بالتفصيل، من دون إستبداد برأي أو تزمت بموقف، للوصول الى خطة عمل تنهي الأزمة جذريا، تصدر على شكل بيان يحدد الموقف والمسؤوليات بشكل دقيق يطلع عليه العراقيون بشفافية ليعرفوا كل التفاصيل، ليأخذوا بزمام المبادرة إذا ما رفض أي طرف الالتزام بشروط الحل ومبادئ الاتفاق، شريطة أن لا يتدخل الآخرون بهذا المقترح، بمن فيهم الأميركان والحكومة الانتقالية والأحزاب السياسية، التي فيها الكثير من العناصر المتشنجة التي لا ترغب في التوصل الى حل مشرف يحفظ ماء وجه كل الأطراف ويصون العراق من شرور فتنة عمياء، فضلا عن أن الأزمة الحالية، إتخذت طابعا دينيا، لا يستطيع أحد أن يضع لها حدا سوى المرجعية الدينية مجتمعة حصريا، فكما أن الاخوة الأكراد حكموا العقل فلجأوا الى المرجعية الدينية لإيجاد حل لأزمة المرحلين في كركوك، لخطورتها، كذلك ينبغي اللجوء الى المرجعية الدينية مجتمعة لحل هذه الأزمة الخطيرة، بعد أن يعلن الجميع بمن فيهم الأميركيون والصدر، إستعدادهم القبول بالحل مهما كانت الشروط والنتائج .

أعتقد، إذا لم تبادر المرجعية الدينية الى إتخاذ موقف تاريخي ينقذ الموقف، فإنها ستكون المسؤولة أولا وأخيرا عن كل النتائج .

صحيح أن الاجتماع الى بعضها لمناقشة القضايا الساخنة والتداول في الشأن العام، ليس من شيمها، فهي عادة لا تلتقي إلا بالصدفة في مجلس فاتحة مثلا، إلا أن الظرف الخطير الذي يمر به العراق الآن، يتطلب منها الخروج على المألوف والتمرد على الطبائع، من أجل موقف ديني وطني تاريخي مشهود ومتميز، ولهم من الله تعالى الأجر والثواب .

برأيي، فإن القوة الوحيدة التي لا زالت تتمتع بالمصداقية المطلوبة لحل مثل هذه الأزمات الحادة، هي المرجعيات الدينية مجتمعة، إذ ليس بإمكان أحد أن يتجاوزها أبدا، حتى الصدر لا يستطيع أن يتحدى قرارها إذا صدر عنها بالاجماع، لأنه بهذه الحالة سيواجه السقوط، بعد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود .

أخيرا أقول، من كان منكم بلا خطيئة، فليرم الصدر بحجر، والله من وراء القصد .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 21/8/2004 - 4/ رجب المرجب/1425