إن من الجميل فينا أن نتحرى الواقعية في كلامنا وأن نتحلى بالجرأة
في نقد ذواتنا حيث المخزون الموروثي الملئ عندنا باتهام الغير وإلقاء
اللوم عليهم وتبرئة النفس وإحاطتها بهالة من القداسة والهيبة المزيفة.
فمع كل هذه الكتابات عن مضار التلفزيون وتعدادها ونقل شواهد
الدراسات الغربية واعترافات الناس في العوائل مثل عبارات: أحس أنني
منوّم مغناطيسياً ومسلوب الإرادة، إنه يغسل دماغي، أحس بالبلاهة عندما
أكون ملتصقاً هناك أمام الشاشة، إنه يبعثرني، التلفزيون إدمان وأنا
مدمن، أحس بأولادي مسلوبي الإرادة أثناء التفرج، إنه يحكم عقلي، إنه
يجعل العقل كالمهلبية – لا شكل له، إنه يجعل الناس أغبياء، إنه يمتص
طاقتي.
هذا تأثيره في الكبار الذين يعلمون بأن كثيراً من مشاهده من الخدع
والأوهام والخرافات أما الأطفال الأبرياء فمظاهر تأثيره أكثر فكرياً
وانفعالياً.
فعلى المستوى العقيدة والفكر: من خلال سيطرة السوق الأمريكية
والأوروبية على مسلسلات وأفلام الصغار ينعكس الاعتقاد المنحرف وتشويه
مسيرة الإسلام وقيمه.
وعلى مستوى الأخلاق: كما كتبه جون كوندري في بحث حول التلفزيون
والطفل الأمريكي حيث أكد أن البيئة القيمية للتلفزيون يشوبها الخلل
بنفس القدر الذي يشوب البيئة الفكرية. ومن خلال ما تطرحه الإعلانات
التلفزيونية كانت قيم السيطرة والنفعية والأناقة والتميز الاجتماعي من
أكثرها وروداً، وكانت قيم الشجاعة والتسامح من أقلها وروداً، هذا
بالإضافة إلى تحريف الحقائق والقيم حول الجريمة والعقاب.
وفي نهاية البحث يقول جون كوندري: إن التلفزيون لا يمكن أن يكون
مفيداً كمصدر للمعلومات للأطفال، لأنه يمكن أن يمثل مصدراً خطراً
للمعلومات، فهو يقدّم أفكاراً تتسم بالزيف والبعد عن الواقعية، وهو لا
يملك نسق قيم متماسكاً، بخلاف تعميقه للنزعة الاستهلاكية. وهو لا يقدم
سوى قدر محدود من المعلومات عن الذات، وذلك كله يجعل من التلفزيون أداة
رديئة للتكيف الاجتماعي.
إضافة إلى مسائل الجنس وتصويرها على نحو زائف ومحرّف، وعلى وجه
حيواني لا يراعي قيماً ولا مثلاً ولا آداباً.
وأيضاً ترويج العنف والاغتصاب والقتل والسرقة والتعذيب والانتحار
حيث الدراسات الغربية كافة تؤكد أن الذين يقومون بالأعمال العدوانية هم
من المدمنين على مشاهدة برامج التلفزيون العنيفة، وأثبت باحثان
أمريكيان أن معدل الانتحار عند المراهقين أزداد بنسبة (13.5%) لدى
الفتيات و (5.2%) لدى الصبيان خلال الأيام التي تعقب الإشارة أو
الإعلان عن وقوع حالة انتحار في الأخبار المصورة أو في أحد الأفلام.
وقد أحصى المركز الدولي للطفولة أربع صور يتعلم بها الطفل التلفزيون
وهي:
1- التقليد: وفيها يتقمص الطفل الشخصية التي يقلد تصرفاتها أو يتبنى
آراءها (عملية إرادية).
2- التشبع: وفيها يكون التقليد والتمثل بطريقة غير إرادية.
3- تبدد التثبيط: بتشجيع صور تلفزيونية معينة انتقال الطفل إلى
مرحلة الفعل.
4- تبدد التحسيس: فبالتكييف مع الأحداث العنيفة نتيجة تكرارها،
يألفها الطفل بعد ذلك فتصبح عادية.
فمع كل هذه النتائج والأضرار الناجمة عن التلفاز فما هو الحل؟
هل من الصحيح فرض الرقابة على البرامج الفاسدة وهي أكثرها، وما مدى
نجاح الرقابة في ضبط السلوك عند الطفل؟
أم يمكن الحل بإيجاد البديل وذلك بإنشاء القنوات المفيدة والحرّة
التي تبث الحقائق والأحداث الواقعية والبرامج المفيدة للمجتمع.
طبعاً إصلاح المجتمع عبر إصلاح وسائله مسؤولية جميع أبناء البشر بغض
النظر عن انتمائه الديني أو العقيدي فالعقل البشري من واجبه إيجاد
البيئة الصالحة والحياة السعيدة في ظل الأخوة الإنسانية وحب الخير
للجميع والتفكير الإيجابي ونشر الأمل. |