عن الإمام الكاظم (عليه السلام) مخاطباً لهشام:
(يا هشام إن لقمان قال لابنه... يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد
غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان،
وشراعها التوكل، وقيمها العقل ودليلها العلم وسكانها الصبر).
الدين في نظرة شاملة هو احتياج وخضوع لكيان كوني رحيم وقوي وعادل قد
يسميه الأقوام الله أو الرب أو يهوه أو أوزوريس، لأن مجرد وجود هذا
الكيان الرحيم في أفق الوعي يجعل الأمل ممكناً رغم عواصف الواقع ويجعل
الحياة ممكنة رغم كوارث الأحزان وتلال الهموم.
إذا كان الحاكم الظالم قوياً فالله أقوى وأكبر. إذ انتصر العدو وساد
فالله قبله وبعده، إذا كانت كل الحسابات العقلية والمنطقية ضد الحق
والخير فإن صوتاً غيبياً يستمر في التحدي بـ(كلا سوف تعلمون، ثم كلا
سوف تعلمون).
ولأنه لا حياة إلا بالتدين، والدين والإيمان في الحياة يهب الإنسان
الاطمئنان والسند الروحي، ولأنه يتغلغل في الوجود الإنساني أكثر من أية
أيديولوجية أو نظرية فكرية ويتحكم في السلوك أكثر من أي قانون وينظم
المجتمع أكثر من الشرطة والأمن المركزي وأمن الدولة، لهذا كله فإن معظم
الصراعات الاجتماعية والسياسية لا تستطيع تجنب استخدامه كسلاح ثوري
للتغيير أو درع وقائي من التغيير! فالدين قوة شاملة لا يملك أحد ترف
تحييدها وغالباً ما يحاول كل من طرفي الصراع احتكار الدين أو احتكار
تفسيره أو حتى احتكار وسائله المعرفية.
والمشكلة ليست في قوة المنطق وسلاسة الدليل الشرعي بل في مصداقية
المؤسسة الدينية الرسمية في عيون الناس والشباب الغاضب على الأخص.
فرجال هذه المؤسسة قد يتكلمون عن تحريم الاستنساخ البشري أو يحرمون
تصدير مجلة ثقافية حرة أو يصادرون رواية كاتب عملاق وفذ لأنه كتب
الحقائق وعن حرية الرأي الفرنسي في منع الحجاب وعدم الاحتجاج عليه بحجة
عدم مخالفة الدستور الفرنسي في مصادرة حرية ارتداء الحجاب، ولكنهم
يصمتون تماماً عن التزوير الدائم للانتخابات وتعذيب المعتقلين وعن
السياسات الخاطئة في الدولة ويصمتون عن قمع أقليات دينية مؤمنة، فلا
بأس، فهم في النهاية معينون من قبل الحكومات وتدفع لهم رواتبهم ولا
يمتلكون حتى استقلالية الجهاز القضائي في أحكامه وتعييناته الداخلية.
ويبقى السؤال: كيف نستخدم هذه الطاقة الدينية الهائلة دون أن نشوهها
أو ننحرف بها؟ أطروحات جميلة من أحد الكتاب وهي لا بأس بشموليتها: وهي
لا بد أولاً أن نعرف أن حكم الفرد السائد في البلاد الإسلامية ليس
مرتبطاً بالإسلام فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن فقط يستشير
أصحابه ولكنه أيضاً لم يقتل المنافقين ولم يعتقلهم أو يعذبهم رغم أنهم
تجاوزوا مرحلة المعارضة لمرحلة الخيانة! حتى لا يقول الناس: إن محمداً
يقتل أصحابه.
ثانياً: أن نتذكر أن دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأيضاً
أحلامهم لا تقل قدسية عن المساجد والمصاحف ومختلف الرموز الدينية،
فالمؤمن أعز من الكعبة عند الله، كما صرّحه النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فتعذيب المؤمن أياً كانت جنسية الفاعل وديانته أكثر فظاعة من قصف
مسجد وبالتالي فكل ما ومن يسيء إلى المسلمين إنما يسيء إلى الإسلام
الحقيقي حتى لو رفع راية إسلامية، وكل ما ينفع المسلمين فإنما ينتمي
للإسلام الحقيقي.
ثالثاً: أن نستشعر مسؤولية الإيمان الديني الحقيقي عن كامل كوكب
الأرض باعتبار وظيفة آدم (عليه السلام) الأساسية وسبب خلقه وهو جعله في
الأرض خليفة، وهذه المسؤولية تستلزم الفعل الإيجابي لصالح الآخرين
ولصالح البيئة أيضاً من جماد وكائنات حية.
وأخيراً: أن نعرف ونؤكد وننشر ونكرر القول بأن الدين يتعارض مع
الظلم والشر والقبح وأن هذه أولوياته العملية الحقيقية.
والخلق عيال الله فخير الناس من نفع عيال الله. |