ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

أسراب عراقية تحط الرحال في بلاد فارس
عراقيون يحاولون اكتشاف العالم بأحداق أخرى

 

عباس سرحان/كربلاء: حين تتكسر قيود التسلط  يهم الناس ممن كانوا تحت قبضته بتلمس أجنحة الرحيل.. يريدون التنفس والنظر والعيش.. برئة أخرى.. بعيون أخرى.. بطريقة مختلفة.. يحاولون اكتشاف العالم قدر ما استطاعوا... لهذا السبب صفقت أجنحة العراقيين سريعا حين سقط صدام، فسارعوا لتجريب الطيران نحو أقرب الدول إليهم.. نحو إيران لزيارة العتبات المقدسة فيها..
في هذا الاستطلاع تابعنا رحلة العراقيين داخل الحدود الإيرانية، فكنا معهم في الـ( بازار) حين يتبضعون على الطريقة العراقية.. وفي الــ( بارك) حين يتجولون مسحورين، وفي "الترمينال" حين يتنقلون من مدينة لأخرى.. كما كنا معهم حين زاروا بعض العتبات المقدسة هناك وهم يؤدون الصلاة والزيارة...

العقال يغزو مدن العجم

لم نعتد طوال السنوات الطويلة التي قضيناه في إيران على مشاهدة العقال العراقي كثيرا.. فأغلب العراقيين الذين سكنوا هناك بعد اضطرارهم للجوء إلى إيران اعتادوا على مداراة الذوق الإيراني، أو لنقل أنهم تأثروا بهذا الذوق فــ" تبنطل" بعضهم، وخلع البعض الآخر عقاله مكتفيا بالكوفية على طريقة عرب خوزستان، بينما بانت على الذين آثروا الاحتفاظ بالزي الشعبي العراقي سمات تشرح جوانب من بطاقاتهم الشخصية وتبوح بسنوات الغربة التي قضوها في بلاد العجم!.
ولكن في الأشهر التي تلت سقوط النظام البائد عاد الزي العراقي المتمثل طبعا بالعقال والكوفية والدشداشة ليكون علامة بارزة في الشارع الإيراني خصوصا في المدن المقدسة" قم، مشهد أو خراسان، شاه إبراهيم ومنطقة قدمكاه" وفي هذه الأخيرة شيد مزار قرب عين من الماء ضم أثرا تاريخيا لقدم رجل قيل أنها تعود للإمام الرضا عليه السلام..

لم يعتد العراقيون على السفر.. وهم قد منعوا من مشاهدة العالم من حولهم حتى ولو عبر جهاز التلفاز.. فالتلفزيون كما هو معلوم كان حكرا على  قنوات الحكومة والإذاعات التي لاتعجب السلطة كانت مشوشة، فكيف يخاطب العراقيون قوما لا يفهمون لغتهم؟!.

كيف يتسوقون ويستأجرون ويسافرون؟!.

في محل كبير في مدينة قم المقدسة حيث المزار الكبير للسيدة فاطمة المعصومة"ع"، كان بريق العقيق والأحجار الكريمة والمسابح وفصوص الأختام يغري الزوار العراقيين إلى درجة كبيرة فلا يكاد هذا المحل يخلو منهم منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل.. أحد العراقيين من أهالي الكاظمية قرر أن يشتري خاتما أعجبه.. أشار إلى الخاتم وأومأ للبائع أنه قرر أن يبتاعه، ويبدو أن إشارة الرغبة بالشراء كانت أسهل، فكيف سيتمكن البائع من إبلاغه بالثمن؟... وبعد محاولة فاشلة لمعرفة قيمة الخاتم أخرج العراقي كل ما في جيبه من نقود ليضعها بين يدي صاحب المحل طالبا منه أن يأخذ ثمن الخاتم بنفسه..
قد تبدو هذه الطريقة لطيفة وتحمل من المودة والثقة الكثير، ولكنها خطرة في نفس الوقت، فكثيرا ما ابتاع الزوار العراقيون أشياء بأضعاف أثمانها بعد أن وثقوا بأصحاب المحلات.. الأمر نفسه يحصل في أي مكان من العالم.. فحيث يكون البشر تكون الخديعة ويكون النصب والاحتيال..
تسابق العراقيون في مدينة قم على محلات بيع المفروشات وكانوا ينقلون أبصارهم بنهم بين قطع السجاد الإيراني الشهير وأعجبوا بالذوق الإيراني في تزيين الشوارع التي بدت مطرزة بأشرطة خضراء زوقت بألوان مختلفة فأضحت كأجنحة الفراشات..

الجزرات الوسطية، أو ما يسمى بلغة الــ" عجم" " بلوار" كانت عبارة عن لوحات فنية رائعة الجمال تمتد مع الشوارع في المدن حيث ما امتدت.. أنواع من الأزهار واشجار الزينة الطبيعية اختيرت بعناية لتزيين الشوارع، وأوصلت المياه إلى الجزرات الوسطية هذه عبر الخراطيم، وليس عبر السيارات الحوضية كما هو الأمر عندنا، وهكذا فهي لن تتأثر بعطل الحوضية أو مرض السائق، ولن تكون تحت رحمة مزاجه ومشاغله وتسويفاته!!

أما جنبات الطرق فرصفت أما بالإسفلت أو بالكاشي الجميل أو المرمر فقضت هذه الطريقة على هجوم الأتربة والأوساخ على الطرقات..

" باساج" موسى الكاظم(ع)  سوق النساء، ففيه كل ما يجعلهن يحمن حوله باستمرار.. فيه الأقمشة الفاخرة، وفيه أدوات الزينة وألبسة الأطفال ونمانم تستخدمها النساء في صنع بعض الأدوات المنزلية على طريقتهن الخاصة، كما فيه العطور ومحلات بيع الأحذية النسائية والحقائب والــ" مانتو" الإيراني الذي تسميه النساء العراقيات العباءة الإسلامية على ما أظن..

العراقيات زرن هذا السوق ايضا ولكن لإشباع الفضول في أكثر الأحيان، لأنهن اعتبرن مافيه يفوق ثمنه ما موجود لدينا..

إلى جانب هذا السوق هناك سوق آخر إسمه " باساج كويتيها" وآخر اسمه" باساج طلا".. هما سوق الكويتيين وسوق الذهب وهما مقامان في بنايتين تتألفان من ثلاثة أدوار.. لم يبعدا كثيرا عن حرم السيدة فاطمة المعصومة لذلك قصدهما الزوار العراقيون كثيرا ...

في الشوارع الإيرانية لا يعجز المرء في الحصول على وسيلة للاتصال فكابينات الهواتف العامة تملأ الشوارع، كما نصبت برادات الماء على الأرصفة لخدمة المارة، أما داخل الأحياء فنظم الإيرانيون شؤونهم للحفاظ على النظافة العامة ووضعت الدولة برنامجا لجمع النفايات، فبين يوم وآخر تأتي سيارة البلدية لتنقل القمامة من بيوت السكان في الأحياء وما على هؤلاء إلا إخراج أكياس القمامة أو حاوياتها إلى الأبواب حين يسمعون منبه سيارة البلدية الذي ينطلق على شكل موسيقى مميزة، بينما عهدت نظافة الشوارع لأشخاص يستيقضون عند الفجر يجمعون النفايات قبل أن تكتظ الشوارع بالمارة.. ليس هذا فحسب بل في أحيان كثيرة قامت هيئة الطرق بتعبيد بعض الشوارع في مدينة قم وفي غيرها أثناء الليل حتى تتلافى المشاكل وتتجنب الاختناقات المرورية..

الايرانيون لهم عادات تثير الغرابة أحيانا.. إنهم ينتقدون حكومتهم دائما في مجالسهم العامة والخاصة، ولكنهم يتلقون توجيهاتهم منها وينفذونها، فحين تطلب منهم التظاهر أو التبرع تراهم يتسابقون لتلبية النداءات التي تطلقها محطات التلفزة الرسمية.. الأمر الآخر الذي يثير الغرابة، هو أنك قد تتعرض للحرج حين يمتنع سائق التاكسي عن قبول إجرتك ويحتج عليك لأنها تقل عن المتعارف بمقدار" 50" ريال.. أي أقل من 15 دينارا.. ولكن الايرانيين يقدمون على التبرع عند الكوارث التي تلحق بهم أو بالشعوب المجاورة وبشكل سخي، كما أنهم يوزعون الطعام في عاشوراء مجانا..

مساءات عراقية في بلاد فارس

حين يصل العراقيون إلى مدينة قم وهي محطتهم الأولى بعد انطلاقهم من مدينة مهران الحدودية يفضل كثير منهم المبيت في محيط المزار الكبير للسيدة فاطمة المعصومة.. لم يعتد العراقيون على سفر طويل وبعض المدن الإيرانية تبعد عن سواها مسافات شاسعة، فالمسافة بين مهران وقم تستغرق أكثر من17 ساعة تمر خلالها السيارات بسلسلة جبلية مخيفة في مدينة إيلام..

في قم وهي مدينة تاريخية تقع على بعد 147 كم جنوب العاصمة طهران، وترتفع نحو 930 م فوق مستوى سطح البحر ويحدها من الشمال العاصمة طهران، ومن الجنوب مدينة اصفهان الجميلة التي يصفها الإيرانيون بأنها نصف العالم حيث يقولون " أصفهان نصف جهان" ، ومن الغرب مدينة اراك التي تلتحف الثلوج طوال فصل الشتاء، بينما يحدها من الشرق محافظة سمنان .. وبين كل مدينة من هذه المدن مناطق شاسعة تتخللها الجبال الحمراء أحيانا وتتعرج فيها الطرقات كأفاع عملاقة..
يقال أن تأسيس مدينة قم يرجع الى عصر الفيشداديين ( قدماء ملوك الفرس ) وينسبها بعض المؤرخين الى ( طهمورث ابن هوشنغ ) ، والبعض الآخر ينسبها الى ( قمسواره بن لهراسب ) ، وفي سنة 21 هـ وفي عهد الخليفة الثاني افتتحها وأقام فيها أبو موسى الاشعري ، وقيل وجه إليها الأحنف بن قيس فافتتحها عنوة ، وقد مصرت البلدة ايام الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 83 هـ ، ولما انهزم عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث ( امير سجستان من جهة الحجاج والذي خرج عليه ) فرَّ ومعه ابناء سعد بن مالك الاشعري ... نزل هؤلاء في سبع قرى في منطقة " قم" كان اسم احداها ( كمندان ) ولما استوطنوها اجتمع اليهم بنو عمهم وصارت القرى السبع سبع محلات سميت احداها كمندان ثم اسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم" قم" وهي مأخوذة من كلمة ( كومة ) التي كان الفرس يطلقونها على " بيوت الرعيان" الذين يردون قم للرعي ( و هم أول من سكنوا المنطقة ) ، ويذكر أن قم استوطنت أول تأسيسها من قبل العرب والعجم وسمي القسم العجمي بـ ( كوميندان ) والقسم العربي كان يسمى حتى سنة 1359م ( عربستان ) او ( حسين آباد ) ، وأسهم وجود مرقد السيدة فاطمة المعصومة، أخت الإمام الرضا " عليها السلام" في إعمار المدينة وتوسعتها... تقسم قم اليوم إلى عدة مناطق أهمها" صفاشهر ، يزدانشهر ، دورشهر ، زنبيل آباد ، سالارية ، نيروكاه ، باجك ، آذر ، قم نو ، مهديه ، مدينة الامام الخميني، 30 متري كيوانفر ، شاه سيد علي ، قائم ، جمكران... الخ.
حين يصل الزوار العراقيون إلى  محيط حرم السيدة فاطمة المعصومة حيث الحديقة التي تحاذي الحرم من جهة السوق أو تقاطع"جهار مردان" أو " انقلاب" بحسب اسمه الذي أطلق عليه بعد الثورة، يقرر كثير من الزوار مساء افتراش قطع المرمر ويبدأون باحتساء الشاي العراقي المطبوخ بشدة، فالشاي الإيراني لا يعجبهم، طالما أن الإيرانيين اعتادوا على تخفيفه بشكل واضح بالماء الساخن.. يتجمع الزوار العراقيون ليتعارفوا ويتبادلوا الأحاديث، ولكن هاجس اللا أمن لم يفارقهم رغم أنهم على مسافة شاسعة من أرض السيارات المفخخة، فراح بعضهم يصر متسائلا: هل يمكننا المبيت هنا.. ألا يوجد تسليب؟!.
وكانت الساعات القادمة وحدها تحمل الجواب الذي علق بذاكرة هذا الزائر، فما أن بانت الخيوط الأولى لصباح جديد حتى استيقظ منسلا من تحت شرشفه ليبحث عن خبز الحصو أو الـ" السنكي"، وعلى ذكر الخبز ففي إيران أنواع عديدة منه وتنتشر المخابز في الأزقة بشكل واضح...

مركز للحوزة العلمية

تزخر قم اليوم بالعديد من المؤسسات والمدارس العلمية يزيد عددها على 60 مؤسسة ومدرسة منها المدرسة الفيضية و تعتبر مركز ادارة الحوزة العلمية في قم ويعود تأسيسها الى العهد الصفوي.و جامعة دار الشفاء التي  تأسست في العهد القاجاري واتسعت في عهد الامام الراحل الخميني واصحبت جامعة كبيرة.والمدرسة الحجتية و اسسها الفقيه الراحل السيد محمد حجت وهي مخصصة حالياً لدارسة قسم من الطلبة غير الإيرانيين.
والجامعة المعصومية وهي من المشاريع الحديثة الضخمة التي تم البدء في بنائها سنة ( 1983 م). و مدرسة آية الله الكلبايكاني وهي من المشاريع الحديثة وتضم معهداً لعلوم القرآن.. بالاضافة لمدينة العلم  وهي من اضخم المشاريع العلمية السكنية في قم. فضلا عن جامعة الزهراء  وهي مدينة جامعية حديثة خاصة بالنساء تأسست بتوجيه من السيد الخميني

و جامعة الصدوق  وهي اكبر مدينة جامعية حديثة في قم وتحتوي على 6 مؤسسات جامعية. وأخيرا جامعة المفيد  وهي مشروع جامعي حديث وكبير أيضا... وهنالك معاهد ومؤسسات ومنتديات ومجامع علمية أخرى تابعة للحوزة وهي متخصصة في مجالات عديدة كالتبليغ والبحث..
وقد ازدهرت المدارس الدينية في قم خلال العشرين سنة الماضية متأثرة بهجرة أغلب علماء الدين العراقيين إليها هربا من النظام البائد، حيث أسس كثير منهم مدارس دينية عديدة درس فيها مئات الطلبة العراقيين وغير العراقيين.

شاي عراقي!

"حجية" عراقية قالت إنها من مدينة الصدر افترشت المرمر بالقرب من حرم السيدة المعصومة وأشعلت موقد الغاز الصغير تنتظر" احتراق" الشاي على الطريقة العراقية، دعتنا للجلوس لاحتساء قدح منه، وهمت بفتح صفحات الذاكرة دون تحفظ، فالعراقيون يألفون بسرعة.. تحدثت عن مرارتها مع البعثيين الذين طاردوا أبناءها للالتحاق بجيش القدس وفدائيي صدام وغيرها، وبكت فقيدها الذي اقتادوه من الجيش إلى جهة مجهولة فظلت تنتظره ولم تعرف مصيره إلا بعد سقوط النظام حيث وجدت اسمه ضمن قوائم المعدومين..
أردنا أن نبتعد بها عن ذاكرة الحزن التي لو قلبتها أشهرا وسنوات لما نفدت.. حدثناها عن تطور الدول من حولنا بينما نحن نفتقر لأبسط الخدمات وأيسر وسائل الراحة محاولين جرها للحديث عن مشاهداتها للواقع الإيراني... ولم تتأخر تلك الحجية الطيبة أن تقارن بين  العراق وإيران، فأبدت إعجابها بنظام المواصلات وجمال الطرق والأبنية.. ولكنها شكت من غلاء الأسعار في إيران وبشكل لم يعتده العراقيون هناك.. كانت هذه الشكوى فرصة لنعرف كيف تتسوق هذه الحجية الكريمة وماهي اللغة التي تخاطب بها أصحاب المحلات طالما هي لا تعرف اللغة الفارسية..؟!.

يك خميني!

العملة الإيرانية تتألف من عدة فئات ورقية أكبرها قيمة هي ورقة الألف تومان"10،000" ريال  يسميها الإيرانيون" هزار تومان وهي تحمل صورة مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني.. هذه الصورة وضعت بعد وفاته، وقد أشار عليه مقربون في حياته على أن يضعوا صورة له على أوراق العملة ولكنه رفض طالبا منهم الكتابة والاهتمام بالطبقات الفقيرة.. وقرأت في إحدى الصحف الإيرانية القديمة أن الامام الخميني قال بالنص" ضعوا صورة الفلاح الذي يجهد أو العامل الذي يشقى وهو يقدم خدماته وجهده للناس" وبالفعل حملت بعض فئات العملة الإيرانية صورا لهؤلاء، وحين رحل الامام الخميني وضع البنك المركزي الإيراني صورته على أكبر فئة نقدية وهي الــ" هزار" تومان... من هنا ابتكر العراقيون لغة " ثالثة" لإنجاز معاملاتهم في السوق الإيرانية فصاروا يعرفون قيمة السلع التي ابتاعوها من خلال الـ" يك خميني" أو " دو خميني" وهم يقصدون بالطبع ألف تومان وألفا تومان، ولكن ليس كل السلع بهذه القيمة لذلك سارع الباعة واصحاب المحلات الإيرانيون لاستغلال الفرصة فراحوا يبيعون الحاجة بالسعر الذي يعرضه الزائر العراقي الذي لا يعرف من العملة إلا اسمها وهكذا ربما اشترى كثير من الزوار كيلوا الطماطم بما يعادل الــ"800 " دينار عراقي، بينما سعره الحقيقي لا يتجاوز الـ" مئة" تومان أو أكثر بقليل أحيانا، أي ما يعادل 250 إلى300 دينار..

الطريق إلى خراسان

مدينة مشهد من المدن الإيرانية المهمة والكبيرة وتقع على مقربة من الحدود الإيرانية الروسية.. اكتسبت هذه المدينة أهميتها من احتوائها على مرقد الإمام علي بن موسى الكاظم(ع) الملقب بالرضا والمولود في المدينة المنورة سنة(148) هـ ­ والذي نشأ في ظل أبيه وتلقى على يديه معارفه وعلومه وأخلاقه وأدبه. عاصر الامام الرضا من خلفاء بني العباس المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون. وكانت الفترة التي عاشها الامام الرضا من أكثر الفترات انتعاشا بالثقافة والفكر والأدب... فكان يفزع إليه العلماء ويلجأ صوبه أهل الفكر والمعرفة حين يصعب عليهم أمر من الأمور الفكرية والفقهية... يناظر علماء التفسير ويحاور أهل الفلسفة والكلام، ويرد على الزنادقة والغلاة، ويوجه أهل الفقه والتشريع ويثبت قواعد الشريعة وأصول التوحيد. وكان المأمون يعقد مجالس المناظرة، ويدعو العلماء المسلمين والمتكلمين وأصحاب الرأي وعلماء الأديان والدعوات المختلفة ويدعو الامام الرضا (ع) للمحاججة والحوار والمناظرة.
 ولكن الامام الرضا لم يكن بعيدا عن صراع العباسيين والعلويين فامتدت يد أبناء العمومة لتدس السم في بعض طعامه بينما كان في طوس( مشهد) اليوم، فدفن هناك ليصبح قبره فيما بعد مزارا للمسلمين يقصدونه من مختلف أنحاء العالم..

أول من يقصده العراقيون بالزيارة هو مرقد الامام الرضا ولكن حكم الجغرافية أقوى من اعتبارات التاريخ والمنزلة احيانا فالطريق إلى خراسان لا بد يمر بقم أولا ثم منها ينطلق الزوار نحو مشهد ليكملوا حج الزيارة، وهكذا فمن يزور ضريح الامام الرضا سابقا يدعوه العراقيون بـ" زاير" وربما ما زالت هذه العادة سارية في بعض المناطق ..

الطريق إلى مشهد من قم طويل وممل فهو يستغرق أكثر من20 ساعة في أحسن الأحوال وتتخلله مناطق وعرة غير مأهولة.. هو طريق طويل على الزوار العراقيين الذين لم يعتادوا السفر الطويل ولكنهم يحاولون القضاء على الملل بقفشات عراقية وحرشات بريئة ودعابة سيما وهم يستأجرون سيارات بأكملها للانتقال من مدينة لأخرى وهكذا يحولونها إلى "مضيف" سيار يستذكرون فيه حكايا قديمة ويتبادلون فيه الأخوانيات وأحيانا أبيات الشعر الشعبي .. ولكن غالبا ما كان السواق الإيرانيون أو معاونيهم عرضة للقفشات العراقية، ويبدو أن هؤلاء اعتادوا على روح الدعابة لدى العراقيين فراح بعضهم يعاملهم بالمثل..
بين مشهد وطهران أراد الحاج كريم وهو رجل مسن من أهالي الناصرية أن يدخن سيجارا أو هو أشعلها بالفعل، وأشد ما يعكر العلاقة بين المسافرين والسائق في إيران هو إقدام أحدهم على التدخين الذي يعتبر ممنوعا في السيارات والأماكن العامة..

صرخ الـ" سكن" بالحاج كريم قائلا " سيكار نكشيد " ولكن من يفهم الحاج كريم أن عليه إطفاء السيكارة؟!

في النهاية فهم الحاج كريم والآخرون أن  عليهم أن لا يشعلوا سيجارا طوال الطريق ولكن معاون السائق أو السكن صار ينادى من قبل المسافرين بـزاير" نكشي" طالما هم لا يعرفون اسمه.. وهكذا فكلما أرادوا مناداته صاحوا به زاير" نكشي" !.

في "مشهد" لا يختلف الأمر كثيرا سوى أن المدينة أكبر وتنوع الألوان فيها أكبر على امتداد النظر بدءا بالطرقات ومرورا بالمنازل وانتهاء بالاسواق.. كل شي يغري العين بالتحديق ..

وللعودة شجون

وحين ينهي العراقيون زيارة العتبات المقدسة في إيران يباشرون بلملمة ما اشتروه من حاجات وهدايا إيذانا بالعودة إلى أرض الوطن فتبدأ الرحلة ثانية من قم أيضا ولكن باتجاه مهران هذه المرة، فتحت " بل آهنجي" أي الجسر الحديدي تقف سيارات نقل المسافرين لتنطلق بركابها عادة من الساعة الثالثة أو الرابعة عصرا باتجاه مدن آراك، ، نهاوند ، سربول زهاب، كرمانشاه، فإيلام ومن ثم مهران.. بالطبع تقع بين هذه المدن الرئيسية عشرات المناطق والقصبات والأقضية الأخرى ويمر طريق المسافرين عبر جبال وعرة وأراض مهجورة تقطعها السيارات بمايزيد على الـ17 ساعة..

الغريب في هذا الطريق أنه ما زال يحتفظ بأدلة الحماقات التي ارتكبها صدام.. ويبدو أن قدر العراقيين لن يسمح لهم بنسيان هذا الهم، فأينما رحلوا يجدون ذكرا سيئا أو أثرا كريها لهذا الرجل الذي أضاع عليهم أفضل فرص التطور في العصر الحديث..

 في بداية السلسلة الجبلية التي تحيط مهران من الشرق ما زالت دبابات الجيش العراقي عالقة هناك لتبدو كنقاط سوداء ضئيلة.. فأي جنون وأي غطرسة تلك التي دفعت بصدام لأن يضرب رأس الجيش العراق بجبال إيران، وكيف لم يكتشف هذا الرجل أن جغرافية إيران وحدها تكفي لإغراق أقوى الجيوش في رمال الهزيمة الأكيدة... ولا ندري هل هو سوء الحظ أم هي المؤامرات الدولية والإقليمية التي شجعت صدام على أسوء قرار كلف العراقيين كثيرا..

في مهران يتجمع العراقيون بكثرة منتظرين السماح لهم بركوب السيارات التي تنقلهم إلى آخر نقطة حدودية إيرانية، ومن هناك يترجلون باتجاه الوطن حيث يستقبلهم أصحاب العربات "الحاضرين في كل أزمة"!.

رسائل مؤسفة

النقطة الحدودية في أي مكان من العالم تعتبر واجهة للبلد الذي تمثله ولكن ما يقوم به بعض رجال الأمن العراقيين عند نقاط الحدود ومنها نقطة بدرة يعكس صورة تسئ للشعب العراقي وحكومته قبل أن تسئ للأشخاص الذين يقدمون على تلك التصرفات السيئة التي رصدناها... في نقطة الحدود العراقية عند بدرة يتفنن بعض رجال شرطة الحدود ولا نريد أن نظلمهم فنقول كلهم لأننا لم نر إلا واحدا منهم يهم بالرشوة..  فحين قدم أحد العراقيين من إيران عائدا إلى بلده حاملا أغراضه بسيارة" خاور" إيرانية طلب منه أحد رجال الشرطة أن ينزل الحمولة لغرض التفتيش، ويبدو لحد الآن أن هذا الإجراء قانوني وأصولي سيما وأنه رد على اعتراضات صاحب الأغراض بالقول" إن الوطن مهدد من كل مكان فاسمح لنا أن نفتش أغراضك"... حاول الرجل ثانية قائلا: إن إنزال الأغراض سيعني بقائي هنا لأنني لا أستطيع إعادتها ثانية إلى سطح السيارة.

ولم تثن رجل الشرطة توسلات الرجل بل زادته صلابة على موقفه الذي طعمه بالوطنيات والشعارات والهتافات المعهودة، ولكن حين هم صاحب الأغراض بفتح غطاء السيارة انقلب الشرطي مازحا: يبدو أن الأمر متعب أليس كذلك.. حسنا لا تفتح الغطاء، ولكن دعني أفتش مقعد السائق الإيراني..
واستدار بخفة حول السائق الذي فهم الإشارة فدس في يده حزمة خضراء من أبو الـ" يك خميني"!!
بعد ذلك كلمنا السائق الايراني عن الأمر فأبدا استياء مما يجري على الحدود ولكنه أكد رغبته في تلافي المشاكل والعبور ولو بدفع الرشوة، ولا ندري كيف سيكون حال أخينا الشرطي لو دفع له بعضهم بالدولار لتمرير بضاعة تهدد أمن الوطن أو صحة المواطنين؟!..

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 15/8/2004 - 29/ جمادى الثانية/1425