كثرت نماذج المتطفلين على الحياة الثقافية حتى غدت اليوم السرقات
الأدبية أي المنقولة بالنص (عنواناً أو مضموناً أو بكليهما) ظاهرة جادة
تعصف بالحياة الثقافية من كل جانب ولا من منقذ!
والبحث عن سببية ظاهرة السرقات الأدبية تدفع لـ(دراسة الجذور) عند
المتجرأ على الوسط الثقافي ليتم التعرّف جيداً على تركيبته الشخصية
فهذا أمر مهم.. إذ يلاحظ أن شعور التافهين بـ(تفاهتهم) الشخصية ما
ينبغي أن يعوضوا عنه بفكرة الصعود على أكتاف الغير عبر مصادرة ما
للآخرين من نتاج مشهود لأقلامهم الثقافية، فيأتي الدخيل ليأخذ كتاباً
أو صحيفة أو برنامجاً ليأخذ ما يبغيه لحسابه فعسى أن يكون في ذلك شيء
عن التعويض بـ(شعور النقص) المحتاج لنفسيته ذاك السارق، أما الأمر
الأهم من ذلك فإن مصادر النتاجات الثقافية التي هي الدوائر والمؤسسات
المتعاملة مع الكلمة أنها تعرف أن بعض المتعاملين معها هم سُرّاق عتاة
من (كلام الغير) لكن القائمين عليها يغضون النظر عن ذلك لأسباب غالباً
ما تبدو واضحة عند المتابعين وهذه الظاهرة التي استشرت بطرق احتيال
واضحة قد جعلت من بعض المتهجين أثناء القراءة أدباء أو حاولت أن تجعل
منهم كذلك.
وتعج الأوساط الثقافية والأدبية اليوم بنماذج من سرّاق الكلام ولا
من حسيب أو رقيب فلقد عم الخراب الثقافي بأكثر من بلد والأنكى من ذلك
أن بعض القائمين على اتخاذ القرار الثقافي في الرسميات العربية هم
الناس المفتقرون للثقافة لذا فلا يهمهم أن تكون المادة المقدمة
لمؤسساتهم الثقافية إن كانت مسروقة أم لا.
وما زاد الطين بلة في الأوساط الأدبية أن بعض المتعينين كـ(صحفيين)
مثلاً قد جاؤا بأمر تعيينهم من (فوق) وهذا ما لا يمكن الاعتراض عليه
وآخر مقتضى الحال المطلوب هو أن يرضخ القائمون على فضائية إعلامية أو
دورية صحفية بأي أمر صادر من فوق ولو من باب مجاراة الواقع الثقافي
المؤلم المفروض بـ(القوة الخفية) الممكن استعمالها ضد كل من يحاول فضح
المتطفلين على الوسط الثقافي فماذا كانت النتيجة؟!
إن نماذج سُرّاق الكلام مهما ارتدوا من ثياب الآخرين النظيفة تبقى
تلعو وجوههم إمارات الجهل والأمية الجديدة وتمنطق الكلام لإثبات جدارة
الثقافة تبقى مسألة تثير الضحك (بالسر) عند المتابعين الذين يلعنون هذا
الزمن السياسي الرديء الذي مازال.. (الوهم) ينتاب قادته وجهاته من أن
باستطاعتهم تمرير تعيين سراق الكلام في المؤسسات الثقافية.
ومعلوم أن سارق الكلام لا يكلف نفسه بذل جهد حقيقي فبعض السارقين لا
يتورعون من تذييل أسمائهم على مقال منشور في صحيفة أو مادة معروضة
ببرنامج فضائي أو تعليق مسموع من إذاعة بدلاً من صاحب المقال أو المادة
أو التعليق الصحفي. فعلى مدى سنين طويلة بقيت الساحة الأدبية والثقافية
تقتصر في نشرها على عدد محدود من الدوريات الصحفية (مجلات جرائد سلسلة
كتب)... لكن ظاهرة الدخلاء على الحياة الصحفية بالذات قد شجعت بعض جهال
المال أن يجربوا حظهم للاستفادة المالية من الأوساط الثقافية والمسألة
عندهم بقيت هي (الربح المالي) وإن كانت تجارتهم الجديدة هي التعامل
بالكلمة فمثلاً أن العديد من الفضائيات تنال أموال طائلة جراء نشر
الإعلانات والعديد من المؤسسات الثقافية أضحت تصدر أكثر من دورية
وبأعداد هائلة وتوزعها على المستوى الإقليمي والدولي إضافة لبيعها على
المستوى البلدي والمحلي.
وأياً كان امتياز استمرار ظاهرة السرقات الأدبية فلا بد من متابعة
هؤلاء الطارئين على الثقافة والدخلاء عليها من (حرامية الكلام) إذ أن
في السكوت على الظاهرة أكثر معناه الإقرار بشرعية تلك السرقات، أما عن
التفكير في محاولة إصدار دعوات إلى (سراق الكلام) كي يتراجعوا عن خطوة
إقحامهم لـ(الوسط الثقافي) فهذا أمر شبه محال أن لم يكن مستحيلاً فبدون
إجراءات قانونية رادعة بما في ذلك إدخال الموضوع ضمن مبدأ (الحق العام)
فسيبقى هؤلاء التافهين الدخلاء على الوسطين الأدبي والثقافي من عناترة
في زمانهم ومسارهم أنعاش المصادر من حق الآخرين وإلا فما المانع أن
يصبح أشباه الأميين أدباءً وكتاباً وصحافيين ضمن طليعة أي مجتمع.
إن ورقة سراق الكلام مكشوفة وتحمل في مساحتها عار فروضها وهي كيفما
تكون تمثل شكلاً من أشكال المأزق الثقافي العربي الذي أضحى يخطوا نحو
عتمة علاقة المنتج الثقافي بالقارئ الثقافي وهذا ما قد يؤدي إلى إغلاق
الآفاق الثقافية الحقة على محاور التكرار والملل وعدم التنمية الثقافية. |