حين اقف امام طفل يصنع من رمال الشاطىء قصراً يودعه أحلامه وآماله
وكل براءته، أعجز عن تفسير سر إبداعه، ثم ما ألبث أن أذكر مقالة الإمام
علي بن أبي طالب عليه السلام حين قال :
أتحسب أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر
فيخيل لي أنه ماقال هذا البيت من الشعر سوى لأفهم أن جمال العالم
وإبداعه وعظمته كلها تجسدت في هذا الطفل فهو عالم أكبر من كل الحدود
والإمكانيات، عالم يسمو فيه الطفل بريشته وبقلمه وبعقله.
وما أعلاه من سمو حين يسمو الطفل، فلا قيود من هوى أو زيف أو خداع،
بل سمو أشبه بسمو الملائكة.
وما أعظمه حين يرتقي الطفل باهتماماته فيحمل القلم ليبعثر الحروف
ويسطرها، إذا هي نسيج من الكلمات والآمال والاحلام ومفاهيم الطفولة وقد
صنعت قصة أو عبارة أو حتى كلمة.
سمر المزغني، تونسية ذات 16 ربيعاً، توجت عامها الثالث عشر باقتحام
موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتبارها أصغر قاصة في العالم وبعد
سنتين من ذلك باعتبارها الكاتبة الغزيرة الإنتاج الأصغر في العالم عدا
عن عديد الألقاب والشهادات من مختلف أنحاء العالم.
تقول سمر، أن وفاة والدها كانت نقطة تحول في أسلوبها الكتابي فبعد
أن كانت تكتب قصص الأطفال المشبعة بالخيال والرمزية صارت تكتب بواقعية
ـ تستشعر الألم فيما تكتب، لم ترد من خلال كتاباتها الهروب من الواقع
بقدر ما أرادت صنع عالم خاص بها ملىء بالكتب والروايات وحروف تسطرها يد
الإبداع.
سمر نموذج للطفل المبدع في عالمنا الملىء بالمبدعين الكبار..
فأين نحن واطفالنا من سمر؟
هل في بيتنا سمر ؟
هل حاولنا احتضان مواهب أطفالنا ورعايتها؟
أم سنتعذر بعدم التفرغ، أو بغياب حس الإبداع لديهم؟
ليس في العالم طفل إلا وهو مبدع..
لكن إبداعه كالشرنقة، لها وقت لتصبح كائناً حياً ظاهر المعالم.
سمر، ليست معجزة، بل مبدعة أزالت عن نفسها دثار الضعف والاستكانة
لواقع الطفولة العربية، فغدت تصارع الكبار بسمو كلماتها وجمال قلمها. |