تضع التحولات المتكررة في تركيبة فيروس الايدز الباحثين في سباق مع
الزمن لتركيب ادوية جديدة تحل محل القديمة ما ان تقوى مقاومته لها.
وتحدث التحولات في فيروس الايدز بسبب اخطاء في نسخ المكونات
الوراثية لدى تكاثره. واذا كانت مثل هذه الاخطاء الوراثية تسبب لدى
الانسان امراضا مثل السرطان فانها تصبح مفيدة لفيروس الايدز لانها تتيح
له الافلات من تأثير الادوية المضادة للفيروسات.
وبفضل ذلك تصبح الفيروسات المتحولة مقاومة لواحد على الاقل من
الادوية المضادة للفيروس والتي يتناولها المريض وبذلك تتمكن من التكاثر
بلا رقابة.
ولمواجهة مثل هذا السيناريو يتعين على الباحثين ان يجدوا "نقاط ضعف"
اخرى لدى الفيروس لضربها. وبذلك الانتقال من الجيل الاول الى الجيل
الثاني او الثالث من الادوية.
ويوجد حاليا نحو 20 دواء مضادا لفيروس الايدز تعمل على مراحل مختلفة
لكي تمنعه من التكاثر داخل الخلايا البشرية المصابة في الجهاز المناعي
وتفجيرها والانتقال منها الى خلايا اخرى.
وبعد ظهور دواء "اي زد تي" في 1987 شكل التوصل في 1996 الى ادوية
مركبة تجمع ثلاثة جزيئات قاتلة للفيروس خطوة اساسية في الحرب على
الايدز. ولكن الفيروس الذي تتمكن الادوية من السيطرة عليه وابقائه عند
مستويات متدنية جدا لا يختفي تماما بل يبقى كامنا.
ودفعت بوادر مقاومة الايدز للادوية الثلاثية الباحثين الى البحث عن
تركيبات جديدة.
ومن احدث الادوية التي ظهرت دواء "انفوفيرتايد" واسمه التجاري "فوزيون".
ويعمل الدواء على منع الفيروس من دخول خلايا جهاز المناعة. وهو لا
يستطيع التكاثر الا بالاستعانة بعناصر طفيلية. والدواء الباهظ الثمن
الذي قدم بوصفه اخر ابتكار في مواجهة الفيروس لا يشكل سوى حصن "موقت"
كما يؤكد عدد كبير من الباحثين الذين يعملون على الكشف عن وسائل اخرى
لمنع دخول الفيروس الى الخلايا.
وتفسر التحولات التي تطرأ على فيروس الايدز الصعوبات التي يواجهها
الباحثون لتركيب لقاح مضاد لا يزال الامل معقودا عليه منذ ظهور اولى
حالات الايدز قبل 23 سنة.
ويواصل الباحثون العمل على سيناريوهات مختلفة مثل تنشيط اجسام مضادة
للفيروس واشكال اخرى من المقاومة املا في التوصل يوما الى تركيب لقاح
فعال ويعتمد على سيناريوهات متنوعة للوقاية لضمان حماية فعالة.
ويؤشر المؤتمر الدولي الخامس عشر للايدز الذي اختتم اعماله للتو في
بانكوك بعد التركيز على ضرورة توفير العناية للجميع الى ان الفترة
المقبلة ستشهد جولات مواجهة جديدة الهدف منها ليس فقط توفير الادوية
لمرضى الدول الفقيرة وانما تامين اكثرها تطورا وباسعار زهيدة.
وفي حين يحتاج خمسة الى ستة ملايين من مرضى الايدز وبصورة عاجلة الى
العلاج حددت منظمة الصحة العالمية هدفا لها يكمن في توفير الادوية
الحديثة الثلاثية التركيب لحوالى ثلاثة ملايين مريض بحلول 2005 بدلا من
440 الف حاليا.
ولكي يصبح انقاذ هؤلاء المرضى ممكنا يتعين اعطاء الاولوية للتمويل
والتوزيع الفعال للادوية الاساسية المضادة للفيروس عدا عن تدريب
العاملين الصحيين.
لكن بعد سنتين من البدء بتوفير الادوية للمرضى فان هؤلاء باتوا في
حاجة الى ادوية اكثر تطورا واكثر كلفة ليس من الممكن انتاجها على نطاق
واسع بكلفة متدنية بسبب القواعد التجارية الجديدة لبراءات الاختراع
التي حددتها منظمة التجارة العالمية.
وتم الترويج في بانكوك لحق جميع المرضى في الحصول على العناية
الصحية. وخلال مؤتمر تورنتو المقبل سنة 2006 قد يتحول التركيز وفق احد
الخبراء الى "تنويع الادوية" المتوفرة.
ويشرح مدير الهيئة الفرنسية لابحاث الايدز ميشال كازاتشكين ان
الادوية الثلاثية المضادة للفيروس والتي تسمى ادوية "الجيل الاول" وفق
تعبير منظمة الصحة العالمية فعالة بنسبة 80% على مدى عامين.
لكن ما ان تمر فترة السنتين وربما اكثر منها بقليل فان هذه الادوية
المتدنية الكلفة بسبب القدرة على انتاجها بدون براءات اختراع والتي
يحصل عليها عدد قليل من مرضى الدول الفقيرة قد تصبح غير مجدية بسبب
قدرة الفيروس الكبيرة على التحول وتغيير جلده.
وفي المعدل يقول كازاتشكين يتم اعطاء "ادوية الجيل الاول على مدى 18
الى 30 شهرا".
وفي البرازيل حيث يحصل 140 الف مريض بالايدز على العلاج الثلاثي
وبعضهم منذ ست او ثماني سنوات بات جزء من هؤلاء المرضى يتناول ادوية من
"الجيل الثاني او الثالث".
ويعني ذلك ارتفاع كلفة توفير تلك الادوية التي تنطبق عليها معايير
منظمة التجارة العالمية والتي يتعين شراؤها من الشركات الاساسية
المنتجة في غياب امكانية تقليدها.
وفي الصين والهند حيث تنتج شركة "سيبلا" ادوية بديلة تعطى لمرضى
الايدز في العديد من الدول النامية يتعين البدء بتطبيق الاتفاق الخاص
بالملكية الفكرية للمنتجات التجارية في اطار منظمة التجارة العالمية
بنهاية 2005.
وبعد هذا التاريخ لن يتمكن هذان البلدان من انتاج ادوية رخيصة بديلة
عن الادوية الجديدة من الجيل الثاني.
ولهذا يخشى ان حرمان المرضى من الادوية البديلة بعد ان بات الفيروس
لديهم مقاوما لادوية الجيل الاول كما تحذر منظمة اطباء بلا حدود
الانسانية.
واذا كان يمكن الحصول على ادوية من الجيل الاول مقابل 200 يورو في
السنة لكل مريض في الدول الفقيرة بعد ان خفضت شركات الاوية اسعارها تحت
ضغط الادوية البديلة فان الكلفة يمكن ان ترتفع عشر مرات للادوية التي
تليها. وفي غياب المنافسة يخشى ان تبقى الاسعار مرتفعة جدا كما يحذر
خبراء واطباء ميدانيون.
ويتم منذ الان دراسة كيفية مواجهة المشكلة المتوقع ظهورها. ويوضح
توبياس لوبي من منظمة اطباء بلا حدود فرع المانيا انه في نيجيريا حيث
بدىء بتوزيع ادوية بديلة عن ادوية الجيل الاول يجري منذ الآن البحث عن
سبل توفير ادوية الجيل الثاني.
لكن الدول الفقيرة يمكنها في حال اعلان مواجهتها ازمة صحية ان
تتجاوز قواعد برءات الاختراع.
وفي بانكوك اعلنت ست دول بينها ثلاث من كبار منتجي الادوية الرخيصة
الكلفة هي الصين وتايلند والبرازيل انها وقعت ميثاقا لترويج الادوية
الرخيصة الكلفة. |