اذا أوتي امرءا الحكمة، فقد أوتي خيرا كثيرا، فما بالك بشعب كامل يؤت
الحكمة ؟.
مرة أخرى يثبت العراقيون أنهم أوتوا الحكمة، ولذلك أوتوا خيرا كثيرا،
تجاوزوا بها العديد من المخاطر التي زرعها النظام الشمولي البائد
كالألغام في ساحة المعركة، كلما غفل المرء عنها او غفا، إنفجر لغم في
وجهه، فتجاوزوا بالحكمة مخاطر الحرب الاهلية، ومخاطر الحرب الطائفية،
ومخاطر الحرب العرقية، بالرغم من كل الجهود والملايين التي صرفها أعداء
العراق، كما تجاوزوا بالحكمة مخاطر حالات الانتقام والانتقام المتبادل
التي نفخ في نارها كثيرون، هذا، على الرغم من كل التحديات الكبيرة التي
لو مر بها أي شعب آخر، لتفتتت بلاده وتمزقت وحدته وتطاحنت قومياته
ومذاهبه، وتناثرت لحمته، ولتحول الى رماد تذروه الرياح.
فالحمد لله أولا وأخيرا، على ما أنعم على العراقيين من حكمة مكنتهم من
تجاوز آثار ومخلفات النظام البائد، وها هم يتجاوزون بالحكمة آثار
ومخلفات الاحتلال، الواحدة تلو الاخرى.
أما المتربصون بالعراق، ليصفقوا ويفرحوا إذا كبا، الساعون الى تحطيمه،
والمتآمرون على شعبه، من الذين يراهنون على العنصرية تارة وعلى
الطائفية أخرى، وعلى إنتقام العراقيين بعضهم من بعض بسبب تراكم
الظلامات، تارة ثالثة، وعلى الارهاب رابعة وعلى.. وعلى.. وعلى..
فليموتوا بغيضهم، وليشربوا من ماء البحر.
بالامس، سمع الجميع وقرأ خبر زيارة وفد علماء كردستان العراق، الى
المرجعية الدينية العليا في مدينة النجف الاشرف، وإجتماعهم بالمرجع
الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي إستمع منهم
الى نص مذكرة وقع عليها الف ومئتين وإثنان وتسعون عالما من علماء
المسلمين في العراق، حول موضوع المواطنين العراقيين الذين ورطهم النظام
البائد بظلمه للكرد والتركمان في مدينة كركوك وعدد من المدن الأخرى، من
الذين رحلهم قسرا من مناطقهم في الوسط والجنوب، وأسكنهم في مناطق
الشمال، بعد ان إغتصب أملاك أهلها الاصليين، ومنحها للمستوطنين
بالترغيب أو الترهيب، فيما رحل المغصوب حقهم الى مناطق الوسط والجنوب،
في خطة لا إنسانية معروفة للقاصي والداني، إستهدف من خلالها النظام
البائد تغيير الوضع الديموغرافي، ليس للمناطق الكردية فحسب، وإنما
لمختلف مناطق العراق، تارة قوميا وأخرى مذهبيا، للعبث بالتركيبة
السكانية المتجانسة، وكل ذلك، من أجل زرع بذور الحرب والعداوة والبغضاء
والانتقام، بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد.
العراقيون كانوا على علم دقيق بما كان يحيكه النظام البائد، ولذلك،
عندما سقط في مزبلة التاريخ وولى من دون رجعة، إستوعب الضحايا خطورة
سياساته التدميرية، فلم ينجروا اليها، ولم يسمحوا لأنفسهم بأن يقعوا في
شراكها وحبائلها، أو ينساقوا وراء أهدافه الشيطانية، ولذلك تريثوا
وصبروا من أجل البحث في أسلم الحلول.
وعلى مدى العام المنصرم، غلب العراقيون الحكمة على أي شئ آخر، فحاول
الاهالي من ضحايا النظام البائد، إستيعاب الازمات الواحدة تلو الاخرى،
فلم يستعجلوا في حل المعضلات المعقدة التي ورثوها قسرا من الماضي
التعيس، ومنها موضوع المرحلين من والى كركوك على وجه التحديد، بل طرقوا
كل الابواب السلمية والعقلانية الوطنية، حتى فتحت لهم بابا حقيقية
وواقعية وعقلانية وسليمة، بزيارة علماء كردستان الحبيبة الى المرجعية
الدينية العليا في مدينة النجف الاشرف.
لقد قرأت وأعدت قراءة نص الحوار الذي جرى بين الوفد الزائر والمرجع
السيستاني، كلمة كلمة، على الرغم من محدودية ما نشر من هذا الحوار، كما
أطلت التمعن في مطالعة نص المذكرة التي قدمها الوفد لسماحته، فرأيت أن
كل كلمة وردت في الحوار والمذكرة، تقطر حكمة ووطنية وحرصا من الطرفين،
على وحدة العراق والعراقيين، وعلى إيجاد الحلول السلمية لمثل هذه
المشاكل، بما يقلل من معاناة العراقيين، ولا يساهم أبدا في إضافة أية
آلام جديدة الى آلامهم الكثيرة، ولا أبالغ إذا دعوت الى أن يكون نص
الحوار والمذكرة، وثيقة وطنية يعتز بها العراقيون، تكون نموذجا يحتذى
به في حل كل المشاكل المماثلة، العالقة بين العراقيين، على إختلاف
قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وإتجاهاتهم الفكرية والسياسية، كون العراق
وطن كل العراقيين، لا فرق بين هذا وذاك، كما قال السيستاني، الذي أضاف
بقوله ؛ إننا عراقيون بالدم تربطنا أواصر الدين والارض والتاريخ
والوطنية.
والعراقيون يتجاوزون مخلفات النظام الشمولي البائد والاحتلال، هناك،
بلا شك، مشاكل عديدة وكثيرة، بعضها خطير، لا يمكن تجاوزها وحلها، إلا
بالحكمة والتأني والصبر والصفح والتجاوز، فالشعارت العنصرية والطائفية
والحزبية الضيقة، لا يمكن أن تكون حلا للمشكلة، بل هي، في كثير من
الاحيان، جزء من المشكلة.
هناك ظلامات لحقت بالتركمان والآشوريين، على غرار ما لحق بالكرد من
ظلامات، اتمنى أن يحذو الجميع حذو الوفد لاعادة الحق الى أهله، ولتعويض
المتضررين.
ففي العراق الجديد، لا نريد أن يأخذ المواطن حقه بالسلاح، ولا نرغب في
أن يتحاور الناس بمنطق القوة، ولا نحب أن يعاد النصاب الى أهله بالضجيج
والضوضاء والتهديد والوعيد، كما نكره أن نرى منظر الدم في الشوارع، أو
السحل في الازقة، أو الجثث المعلقة في الساحات العامة، طلبا لثأر أو
لحق مغصوب.
نريد للعراقيين أن يتحاوروا بالمنطق والحب والامل والتعاون والأخوة
والصفح والتجاوز والعدل والاحسان، فالظالم منهم، أو الذي اضطر لأن يظلم
أخاه، عليه أن يستعد لانصاف المظلوم في أسرع وقت ممكن، وبملء إرادته
وبكامل إختياره، من دون ضغط أو إكراه أو تهديد، فهو يعرف قبل غيره ماذا
فعل بالآخرين، كما أنه يعرف أفضل من الباقين، حجم الظلم الذي ألحقه
بأخيه، فلماذا لا يبادر طوعا الى التخلي عن ظلمه بعد زوال السبب الذي
إضطره الى ذلك، فيترك الارض التي اغتصبها ويخلي البيت أو المحل الذي
استولى عليه من دون وجه حق، ليعاد الحق الى أهله طواعية، والله تعالى
القائل ـ إن الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ـ ؟.
أما المظلوم الذي اغتصبت أرضه أو داره أو محله أو ملكه، فعليه كذلك، أن
يتحلى بالصبر ويتساهل في حقه الى حين العثور على طريق سليم يلجأ اليه
ليستعيد به حقه، حتى لا تراق الدماء ولا تستباح الاعراض ولا تقتل
الارواح ولا تزهق الانفس من أجل قطعة أرض أو قطيع من الغنم، كما كان
يحدث في زمن الجاهلية، فالنفس والروح والعرض أغلى من كل شئ، فاذا كان
من الممكن أن يعوض الانسان على أرض سلبت منه ظلما وعدوانا، فبالقطع
واليقين، لا يمكن تعويضه عن روحه ودمه وعرضه.
أعود لأسلط الضوء على أبرز ما يمكن أن نعتبره مواطن حكمة، في الحوار
والمذكرة ؛
أولا ـ كما قال المرجع السيستاني لوفد علماء كردستان، فإن كل سياسات
التطهير العرقي وعمليات الترحيل والتوطين القسرية، التي مارسها النظام
البائد، غير شرعية وتتنافى مع كل القيم السماوية والشرائع الانسانية،
كما أنها غير قانونية وتتعارض مع أبسط حقوق الانسان، وأن الكرد الذين
قال عنهم السيستاني، أنهم يعيشون على أرضهم وفي وطنهم منذ آلاف السنين،
تعرضوا للظلم والغبن باستمرار، ولذلك فهم على حق، وأن من أسكن قسرا على
أرضهم، مسيؤون، كما قال السيستاني.
مع كل ذلك، فإن الظلم والغبن، لا يفوض المظلوم أن يتجاوز أو يستعجل
إسترجاع حقه وإنتزاعه بأي ثمن كان، أبدا، خاصة في وضع خطير كالذي يمربه
العراق اليوم، إذ لا زالت تحديات الاحتلال والارهاب ومخلفات النظام
الشمولي، تطغى على كل التحديات الاخرى.
ولهذا السبب، كما أرى، طلب السيستاني من الكرد أمرين ؛ الأول هو، أن
يتم حل مثل هذه المشاكل المعقدة، عن طريق القانون والمحاكم الوطنية
المختصة، من أجل أن يعاد الحق الى أهله دون تجاوز أو غبن أو ظلم جديد.
الثاني ؛ أنه طلب منهم أن يكونوا مسامحين لمن تجاوز على حقوقهم، في هذه
القضية على وجه التحديد، ليعفوا عن المسئ، لأن أغلب الذين أستقدموا
وأسكنوا على أرض كردستان، أجبروا على ذلك، وأقسروا، على حد قول
السيستاني، ولذلك، علينا أن نتذكر ما قد يتعرض له هؤلاء من خسائر لا
نريدهم أن يصابوا بها، ليشعروا بأن عراقا جديدا قيد الانجاز، لا يظلم
فيه المواطن بسبب سوابق، أو يتعرض لمخاطر بسبب ماضيه، ومن أجل أن يشعر
المواطن، بأن حقوقه مصانة لا يفكر أحد بالانتقام منه، أو يتعرض
للمعاملة الظالمة والسيئة وغير الانسانية، كما كان يتعرض لها المواطنون
زمن النظام البائد، وأن القضاء الوطني المستقل والعادل، هو الفيصل في
كل المنازعات، حتى لا يظلم أحد، أو يتم التجاوز على حقوق أحد، وأن ما
أخذ غصبا يعاد الى أهله بقانون.
ثانيا ـ لقد تحدثت مذكرة علماء كردستان، التي أيد السيستاني كل ما جاء
فيها، بقوله ـ ما جاء في مذكرتكم من الفها الى يائها، حق، وموافقة مع
الشريعة الاسلامية ـ بكل ما ينم عن وعي وحكمة وتغليب المصلحة الوطنية
العليا على كل المصالح الاخرى.
وأن أروع ما جاء فيها، قول العلماء ؛ ــ علينا أن نغتنم هذه الفرصة
الثمينة لنصنع نحن العراقيين، وحدة نموذجية مثالية رصينة بين المكونات
الاساسية للشعب العراقي، وحدة
لا تهزها الاعاصير ولا تتخللها الاباطيل، مبنية على أسس التوافق، وعلى
قواعد ثابتة ترضي جميع الاطراف، لتمتد محاسنها ومصداقيتها وخيراتها الى
الاجيال القادمة.
نصنع عراقا جديدا حرا مستقلا ومزدهرا يسوده الامن والسلام والاخوة
والوئام يحكم فيه ابناؤه بالعدل فيردوا المظالم فيما بينهم ويعطوا كل
ذي حق حقه.
وتقولون، أيها الاعراب والشوفينيون وكل أعداء العراق، أن الكرد يريدون
الانفصال عن الوطن الام ـ العراق الحبيب ـ ؟ وأنهم يضمرون تقسيم البلد
؟.
لقد تحدث علماء كردستان، بلسان عراقي فصيح، لا يقبل الشك والجدال
والتفسير والتأويل، ما يعني أنهم حرموا الانفصال وأكدوا وثبتوا وحدة
العراق، أرضا وشعبا، ولأنهم علماء وفقهاء المسلمين، فهذا يعني أن
كلامهم شريعة، وحديثهم فقه، لا مجاملة فيه على حساب الثوابت، وعلى
رأسها وحدة العراق، أرضا وشعبا.
إن عالم الدين وفقيه المسلمين، لا يناور بكلامه كما يفعل السياسيون،
كما أنه لا يتلاعب بالألفاظ أو يخادع إذا تحدث في قضية، لأن كلامه دين
ومسؤولية وموقف شرعي، ولذلك فإن علماء كردستان يقصدون ما وقعوا عليه
على وجه الدقة، فهم لا يضمرون خلاف ما ورد في مذكرتهم، ولا يناقض فعلهم
أقوالهم، وأن وحدة العراق بالنسبة لهم موقف شرعي قبل أي شئ آخر، ولا
يجوز محاكمة نواياهم أبدا، كما يحاول الشوفينيون تفسير كلام العراقيين
سلبا، في كل مرة، حتى لو أقسموا بالايمان المغلضة.
إن الذي يضمر الانفصال، لا يتكلم بهذه الطريقة، وأن من يخطط لتقسيم
العراق، لا يفكر ببناء وحدة عراقية تتمتع فيها الاجيال القادمة، كما
ورد في نص المذكرة.
لقد ألقم علماء كردستان الاعلام، بمذكرتهم ـ هذه الوثيقة التاريخية ـ
كل المغرضين والمتربصين والمتصيدين بالماء العكر، والمتقولين على الكرد
زورا وبهتانا، حجرا سيخرسهم مدى الدهر، بإذن الله تعالى وصدق العراقيين.
ثالثا ـ لا أدري إن كان وفد علماء كردستان، قد طلب من السيستاني أن
يصدر فتوى شرعية محددة، تساهم في حل مشاكل المرحلين من والى مناطق
كردستان، إلا أنني أعتقد أن الفتوى ليست بالضرورة، هي الحل الانجع لكل
المشاكل دائما، إذ لا بد قبلها أن نفسح المجال أولا، للحوار والمشورة
والتعامل بحكمة وسعة الصدر وربما القضاء، التي أجزم أنها جميعا طرق
سلمية، مناسبة وسليمة، لحل الكثير من مشاكل العراق، وتبقى الفتوى آخر
الدواء، الذي آمل أن لا نلجأ اليه إلا نادرا، وفي الحالات المستعصية
جدا، كما يفعل الطبيب مع مرضاه.
ولذلك، ليس من الحكمة بمكان، أن نلجأ الى الفتوى الدينية، قبل أن نمر
بكل المراحل الاخرى الممكنة، لتأتي الخسائر قليلة، والتضحيات بسيطة.
رابعا ـ إن زيارة وفد علماء كردستان الى النجف الاشرف، وإجتماعه
بالسيستاني، لمناقشة واحدة من أعقد مخلفات النظام الشمولي الديكتاتوري
البائد، التي هي بحاجة الى
الكثير من الحكمة، للتوصل الى أفضل الحلول، جاءت، وبكل تأكيد، بإقتراح
ودعم وتأييد وتشجيع من القيادة السياسية في كردستان، ما يعني تكامل
القيادتين الدينية والسياسية في العراق الجديد، وعدم تقاطعهما في عملية
بناء الديمقراطية وتقدم العملية السياسية الجديدة برمتها.
وبذلك، تكون الزيارة، وبهذه الطريقة، قد ردت على كل الذين ظلوا ينعقون
طوال الاشهر الماضية، بما يسمونه بمبدأ فصل الدين عن السياسة، وإبعاد
علماء الدين عن التداول بالشأن العراقي العام، فلا هم أكثر ليبرالية أو
قل علمانية من الاستاذ جلال الطالباني ليزايدوا عليه في الموقف من
الدين وعلمائه، ولا هم أكثر وطنية من السيستاني وعلماء كردستان،
ليزايدوا عليهم بالحرص على مصلحة الوطن والمواطنين.
وإن دلت هذه الزيارة، وبهذه الطريقة، على شئ، فإنما تدل على الثقة
المتبادلة بين القيادتين، الدينية والسياسية، فإن مالا تقدر القيادة
السياسية على حله، تلجأ به الى القيادة الدينية لتجد عندها الحل
المناسب، والعكس هو الصحيح، فما تقدر على حله وتجاوز مخاطره القيادة
السياسية، لا تتدخل فيه القيادة الدينية، التي ستظل تحتفظ بالمسافة
المناسبة بين الدين والسياسة، لتبقى أبدا فوق الميول الخاصة
والانتماءات الضيقة والمحدودة، لتحافظ على دورها الابوي الريادي الوطني
الواسع والشامل، الذي يرعى كل العراق، ويضم تحت جناحه، كل العراقيين،
من دون إستثناء أو تمييز.
إن من الضروري بمكان في العراق الجديد، أن يحفظ الساسة حدودهم، حتى لا
يتجاوزوا على حدود الدين، كما كان يفعل الطاغية الذليل، كما أن من
الضروري في الوقت نفسه، أن يتمسك علماء الدين بدورهم في المراقبة
والتوجيه والترشيد، لتشخيص الانحراف والتحذير من الخطأ، ليحافظوا، مع
بقية مؤسسات المجتمع المدني، على المسيرة الديمقراطية الوليدة، من
الوأد أو الانحراف أو السرقة.
خامسا ـ كم هو رائع لو يبادر علماء الدين، الى تشكيل مجلس علمي ـ فقهي
يضم في صفوفه علماء مختلف الاديان والمذاهب في العراق، يكون بمثابة
المرجع الاعلى للبت بمثل هذ القضايا الهامة، التي تحتاج لحلها الى
لمسات روحية ومعنوية، الى جانب لمسة رحمة وقول حكيم ورأي أبوي حصيف،
قبل أن تمر على المحاكم مثلا، ففي العراق مشاكل خلفتها سياسات النظام
البائد، العنصرية والشوفينية، هي أحوج ما تكون الى لمسات معنوية، تقلل
من غلوائها وإحتقاناتها المتراكمة، يساهم في صياغتها وصناعتها، العلماء
والفقهاء والمراجع والقيادات الدينية.
إن بإمكان مثل هذه المرجعية الدينية، أن تتصدى لأيضاح الموقف الشرعي
والوطني المشترك أزاء الكثير من التجاوزات التي يرتكبها جاهلون أو
مراهقون باسم الدين والاسلام الحنيف، كالتجاوزات اللاقانونية على محلات
بيع المشروبات الروحية التي يمتلكها، مواطنون مسيحيون، أو التجاوز على
النساء غير المحجبات، أو إطلاق التصريحات المنافية للدين الحنيف على
لسان ــ معممين ــ يجهلون ألف باء علوم الفقه والاصول والحديث.
إن مثل هذه المرجعية، تضع حدا لعبث العابثين بالدين وقيمه السمحاء،
ولتمسك بناصية القضايا المصيرية التي تصدى لها الجهلة وأدعياء الدين،
مستفيدين من إنشغال العلماء والفقهاء، فلو تصدى الأخيرون، لما عبث
الصغار بمقدساتنا ومقدراتنا، ولما نصبوا أنفسهم حماة للدين والاسلام
على وجه التحديد، وهم لا يفهمون بمبادئه، ولا يعرفون حلاله من حرامه،
فضلا عن جهلهم بأبسط القواعد الاصولية التي تمكنهم من الاجتهاد في
تحديد قواعد الفتوى، كمبدأ الاهم والمهم، ومبدأ المصالح والمفاسد على
أساس تشخيص حاجات الزمان والمكان، وغير ذلك.
إن العراق الجديد، بحاجة الى تشكيل مثل هذا المجلس، العلمي ـ الفقهي،
الذي يمثل الجميع، للحد من ظاهرة التحدث باسم الدين من قبل كل من هب
ودب، ظلما وعدوانا، ومن أجل التصدي لظاهرة التوظيف السئ للدين وآيات
القرآن الكريم، لخدمة أغراض شخصية وطائفية مشبوهة، أو تصدي الجهلة
للحديث باسم الدين.
كذلك، فإن مثل هذا المجلس سيلعب ـ بلا شك ـ دورا مفصليا هاما، في تحريم
وتجريم العنف والارهاب، الذي حصد حتى الآن أرواح الآلآف باسم الدين،
والدين منه براء، ويغلق الابواب بوجه كل التجاوزات التي ترتكب باسم
الدين أو المذهب، ضد اتباع هذا الدين أو ذاك المذهب، وبالتالي، سيلعب
دورا بارزا في توحيد صف المتدينين والعراقيين بشكل عام، بكل إنتماءاتهم.
إن مثل هذا المجلس، سيمنح علماء وفقهاء كل الطوائف، كذلك، فرصة اللقاء
والحوار والتعارف، ما يساهم في خلق فرص التقارب والتعايش أكثر فأكثر،
ما سيكون نموذجا يحتذى.
[email protected] |